أنطون بانيكوك: الملكية العامة والملكية الجماعية
إن الهدف المعلن للاشتراكية هو أن تنتزع وسائل الإنتاج من أيدي الطبقة الرأسمالية و تضعها في أيدي العمال . يجري التعبير عن هذا الهدف أحيانا كملكية عامة , و أحيانا كملكية جماعية لأدوات الإنتاج . لكن هناك فرق هام و أساسي بينهما .
الملكية العامة , أي حق التصرف , من خلال هيئة عامة تمثل المجتمع , بواسطة الحكومة , سلطة الدولة أو هيئة سياسية أخرى ما . و الأشخاص الذين يشكلون هذه الهيئة , السياسيون , الموظفون الرسميون , الأمناء , المدراء , كسادة مباشرين لمنظومة الإنتاج . أي أن يديروا و ينظموا عملية الإنتاج , يأمروا العمال . أما الملكية الجماعية فهي حق الإدارة ( أو التصرف ) من قبل العمال أنفسهم , أن تكون الطبقة العاملة نفسها – مأخوذة في أوسع معنى لكل من يشارك في عمل منتج بالفعل , بما في ذلك الشغيلة , المزارعين , العلماء – هي السيد المباشر لمنظومة الإنتاج , تدير , توجه , و تنظم عملية الإنتاج , التي هي بالفعل عملهم المشترك .
تحت الملكية العامة ليس العمال سادة عملهم , إنهم يعاملون بشكل أفضل و قد تكون أجورهم أعلى مما هي تحت الملكية الخاصة , لكنهم ما زالوا عرضة للاستغلال . لا يعني الاستغلال ببساطة ألا يحصل العمال على كل الإنتاج الذي ينتجونه , فهناك جزء هام منه يجب أن يصرف على منظومة الإنتاج و على أقسام غير منتجة و لكنها ضرورية من المجتمع . يتمثل الاستغلال في أن آخرين , الذين يشكلون طبقة أخرى , يملكون حق التصرف بالإنتاج و توزيعه , أنهم هم من يقرر أي جزء يجب تخصيصه للعمال كأجور , و أي جزء يجب أن يستبقوه لأنفسهم و لأغراض أخرى . في ظل الملكية العامة يعود كل هذا إلى تنظيم عملية الإنتاج , التي هي وظيفة البيروقراطية . هكذا فإن البيروقراطية كطبقة حاكمة في روسيا هي سيدة الإنتاج و نتاجه , و العمال الروس هم طبقة مستغلة .
في البلدان الغربية إننا نعرف فقط عن الملكية العامة ( في بعض فروع ) الدولة الرأسمالية . هنا يمكننا أن نقتبس من الكاتب الاشتراكي الانكليزي المعروف ج. د. ه. كول , الذي تتطابق عنده الاشتراكية بالملكية العامة . كتب كول :
"لن يكون الشعب بمجمله أكثر قدرة لإدارة صناعة ما من الهيئة الكاملة لمالكي الأسهم في شركة كبرى معاصرة ... سيكون من الضروري , في ظل الاشتراكية كما هو ضروري تحت الرأسمالية الكبيرة , تفويض الإدارة الفعلية للشركة الصناعية لخبراء يتقاضون أجورا لقاء ذلك , يتم اختيارهم بسبب معرفتهم المتخصصة و قدرتهم في فروع معينة من العمل" ( ص 674 )
"لا يوجد سبب للافتراض أن تأميم أية صناعة سيعني تغييرا كبيرا في هيئتها الإدارية" ( ص 676 من مخطط المعرفة المعاصرة للدكتور دبليو. روز 1931 ) .
بكلمات أخرى : ستبقى بنية العمل الإنتاجي كما هي في الرأسمالية , سيبقى العمال خاضعين للمدراء الذين يأمرونهم . من الواضح أنه لم يخطر على بال الكاتب "الاشتراكي" أن "الشعب بأكمله"يتألف في الأغلب من العمال , الذين هم أشخاص قادرين بالفعل على إدارة الصناعة , كونهم أشخاصا يقومون بالإنتاج , و التي تشكل عملهم الخاص .
كتصحيح للإنتاج الذي تسيره الدولة تجري المطالبة أحيانا بإدارة عمالية . هنا , أن تجري المطالبة بالإدارة , التوجيه , من قبل شخص أعلى يدل على المزاج الخاضع لكائنات عاجزة تتعرض للاستغلال . و عندها يمكنك أن تسيطر على عمل شخص آخر , أما عملك الخاص فأنت لا تريده أن يخضع لآخرين , تقوم به أنت . العمل المنتج , الإنتاج الاجتماعي , هو العمل الأصيل للطبقة العاملة . إنه مضمون حياتهم , و نشاطهم الخاص . يمكنهم أن يهتموا بأنفسهم إذا لم توجد هناك قوة شرطة أو دولة لتمنعهم من ذلك . لديهم الأدوات , الآلات في أيديهم , إنهم يستخدمونها و يديرونها . إنهم لا يحتاجون سادة ليأمروهم , و لا أموالا تتحكم بالسادة .
الملكية العامة هي برنامج "أصدقاء" العمال الذين يريدون أن يستبدلوا الاستغلال القاسي للملكية الخاصة باستغلال أكثر اعتدالا و معاصرة . أما الملكية الجماعية فهي برنامج الطبقة العاملة نفسها , نضالها في سبيل تحررها الذاتي .
إننا لا نتحدث هنا بالطبع عن المجتمع الاشتراكي أو الشيوعي في مرحلة لاحقة من التطور , حيث سيجري تنظيم الإنتاج بحيث لن توجد هناك أية مشاكل , حيث نتيجة لوفرة الإنتاج سيأخذ كل فرد حسب رغباته , و ستختفي فكرة "الملكية" بالمجمل . إننا نتحدث عن اللحظة التي ستستولي فيها الطبقة العاملة على السلطة السياسية و الاجتماعية , و تقف في مواجهة مهمة تنظيم الإنتاج و التوزيع تحت أكثر الظروف قسوة أو صعوبة . الصراع الطبقي للعمال في الأيام الحالية و في المستقبل القريب سيتحدد بقوة من خلال أفكارهم عن الأهداف المباشرة , فيم إذا كان سيجري العمل على تحقيق الملكية العامة أم الجماعية في ذلك الوقت .
إذا رفضت الطبقة العاملة الملكية العامة مع ما تعنيه من عبودية و استغلال , و طالبت بالملكية الجماعية و معها حريتها و إدارتها الذاتية , فإنه لا يمكنها أن تفعل ذلك دون أن تحقق ما تتطلبه من ظروف و أن تنهض بواجباتها . تعني الملكية الجماعية للعمال , أولا , أن كل المنتجين هم سادة وسائل الإنتاج و يستخدمونها بنظام جيد التنظيم من الإنتاج الاجتماعي . تعني ثانيا أنه في كل المصانع , و المعامل و الشركات سينظم الناس عملهم المشترك كجزء من الكل . لذا عليهم أن يخلقوا أدوات يوجهون من خلالها عملهم هذا , كأفراد , بالإضافة إلى الإنتاج الاجتماعي عموما . لا يمكن لمؤسسة الدولة و الحكومة أن تخدم هذه الغاية لأنها في الأساس أداة للهيمنة , و لأنها تركز الشؤون العامة في أيدي مجموعة من الحكام . لكن الشؤون العامة في ظل الاشتراكية توجد في الإنتاج الاجتماعي , لذلك فهي شأن الجميع , كل فرد , كل عامل , أن تناقش و تقرر في كل لحظة من قبلهم . يجب أن تتألف أجهزتهم تلك من مندوبين يرسلون كحملة لآرائهم , و سيرجعون إليهم باستمرار ليبلغوهم عن النتائج التي توصلوا إليها في مجالس المندوبين . من خلال هؤلاء المندوبين الذين يمكن تغييرهم واستدعاؤهم في أية لحظة يمكن بناء الصلة بين الجماهير العاملة إلى مجموعات أصغر و أكبر و ضمان تنظيم الإنتاج .
أجهزة كهذه من المندوبين , التي أخذت تسمى بمجالس العمال , تشكل ما يمكن تسميته بالتنظيم السياسي الملائم لتحرير الطبقة العاملة لنفسها من الاستغلال . لا يمكن اختراعها مسبقا , يجب أن تتشكل من خلال النشاط الفعلي للعمال أنفسهم عندما تبرز الحاجة إليها . هؤلاء المندوبين ليسوا برلمانيين , و لا حكام و لا قادة , بل وسطاء , رسل خبيرون , يشكلون الصلة بين الأفراد المعزولين في الشركات , موحدة أفكارهم المنفصلة في قرار جماعي . تتطلب الملكية الجماعية إدارة جماعية للعمل بالإضافة إلى نشاط إنتاجي جماعي , و يمكن تحقيقها فقط إذا شارك كل العمال في هذه الإدارة الذاتية لما يشكل أساس و محتوى الحياة الاجتماعية , و إذا ما خلقوا الأجهزة التي توحد إراداتهم المنفصلة في فعل جماعي واحد .
حيث أن مثل هذه المجالس العمالية ستلعب دون شك دورا هاما في التنظيم المستقبلي لنضالات العمال و أهدافهم , فإنها تستحق اهتماما و دراسة صادقة من كل أولئك الذين يقفون إلى جانب النضال الصلب للطبقة العاملة و حريتها .
* أنطون بانيكوك (1873–1960), عالم فلكي و منظر ماركسي هولندي , من أبرز منظري الشيوعية المجلسية Council Communism
نقلا عن www.marxists.org/archive/pannekoe/index.htm
الجمل- ترجمة: مازن كم الماز
إضافة تعليق جديد