«شي فاشل»بدلاً من«منيحة»!..ماذا فعل زياد الرحباني بجمهوره
مجدداً، أطل زياد الرحباني على جمهوره السوري بمجموعة حفلات حملت عنوان «منيحة ..غناء، موسيقا، كلام»، جاءت هذه الإطلالة بعد الحفلات الناجحة التي قدمها العام الماضي ضمن فعاليات احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، والتي استطاعت في ذلك الوقت تأمين جميع شروط النجاح على كافة المقاييس بعكس ما قدمته لنا شركة «مينا» حديثة العهد لتنظيم الفعاليات بالتعاون مع محافظة دمشق وعدد كبير من الفعاليات الاقتصادية والتي على ما يبدو أنها وضعت نصب أعينها تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح المادية على حساب السوية الفنية والحرفية ولو بحدها الأدنى.
يمكننا تشبيه «منيحة» الرحباني بالحوار المسرحي الكاريكاتوري الساخر والطويل الذي جمع شخصية نور «التي أداها زياد نفسه» مع «علي» مهندس الصوت في مسرحية «شي فاشل» فافتتاح العرض المفترض «جبال المجد» حان موعده وأجهزة الصوت تتعطل في اللحظات الأخيرة، ناهيك عن مشكلات الصوت التقنية التي تتكرر في «شي فاشل» محدثة الكثير من القفشات والمواقف الكوميدية التي ضحكنا عليها كثيراً، لم تبتعد «منيحة» عن تلك الأجواء، لكن بدلاً من أن نضحك هنا أصبنا بخيبة أمل حقيقية وبغصة محرقة، تحديداً أصحاب بطاقات الدرجة الثانية الذين خصتهم الجهة المنظمة للحفل بمكان متابعة يبتعد أكثر من 150 متراً عن منصة العرض، ووقوع مكان جلوسهم في مجال ارتداد الصدى لمكبرات الصوت ضعيفة الإمكانيات أساساً، لذلك لم يجرؤ أي منهم على التفاعل الحقيقي مع مجريات العرض بالتصفيق أو الغناء أو حتى الهمس، حرصاً منهم على التنصت على صوت الرحباني وأصدقائه، أما شاشات العرض الصغيرة التي تكرمت الجهة المنظمة بتعليقها على جدران القلعة في المنطقة الخلفية، بقيت تهتز طيلة العرض متسببة بخطر حقيقي بوقوعها على الجالسين ضمن مجال وجودها.
بالعودة إلى رداءة الصوت تستحضرني هنا بعض مشاهد من فيلم «هدوء نسبي» الذي سجله الرحباني في ثمانينيات القرن الماضي، حيث يبدي اهتماماً كبيراً بالتجهيزات الصوتية وهندسة الصوت التي يتقنها جيداً ومحاولاته المستميتة في التحايل على إمكانياته البسيطة في ذلك الوقت لتقديم أفضل عرض موسيقي ممكن، هنا نتوجه للرحباني ولمديرة أعماله الآنسة دنيا الدهان وجميع القائمين على الحفل من مجموعة مينا، لماذا لم يتم التعامل مع مسألة الصوت بشكل أكثر جدية؟ لماذا لم يكلف الرحباني نفسه الجلوس ولو قليلاً في المقاعد الخلفية ومراقبة ما يتم تقديمه على المنصة من موسيقا وكلام وغناء أثناء البروفات؟ أم أن الاستخفاف بالجمهور الذي تجاوز الآلاف كان العنوان الأبرز والهدف الأساسي لحفلات «منيحة»؟ قد يقول البعض أن الرياح حالت دون نقاوة الصوت، لكن الإجابة المنطقية تقول: على منظمي الحفل توقع الكثير من العوامل الجوية وتغيرات الطقس وإن كانت الرياح في قلعة دمشق أمراً اعتيادياً كان من الممكن تفاديه لو أرادوا ذلك لكن الكلفة والنفقات الزائدة لم تكن في حسبان الجهة المنظمة هذا ما أثر سلباً على حفل توقعنا منه الكثير وتسبب بمغادرة عدد كبير من الحضور ساحة العرض بعد تيقنه أن هناك من غرر به واستغل محبته وشغفه بفن الرحباني من أجل تحقيق مكاسب مادية.
يمكن تقسيم جمهور زياد الرحباني في سورية إلى فئتين، الأولى تعرفت على فنه ونتاجه المسرحي والفكري في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، هذه الفئة اعتبرته ظاهرة فنية وسياسية وفكرية متفردة تستحق المتابعة، والثانية تضم شريحة واسعة من الشباب الذين تعرفوا على الرحباني عن طريق إذاعات ال أف أم التي انتشرت بكثرة في أواسط التسعينيات والتي تعتبره فناناً ساخراً وكوميدياً بامتياز والتي اكتفت بمشاهدة فنانها المحبوب ولو من على شاشات عرض متراقصة، والمتابع لمجمل عروض «منيحة» يجد أن الفئة الثانية كانت الأكثر عدداً وحضوراً، وكأن هناك مقاطعة غير معلنة من قبل الفئة الأولى لحضور الرحباني، والتي كانت ولا تزال تنتظر أن يقدم الرحباني جديده الموسيقي والغنائي والمسرحي أو حتى الإذاعي بمعزل عن اجتراره المتكرر لأعماله السابقة، لذلك ليس مستغرباً حجم الخيبة التي خرجوا بها بعد انتهاء منيحة، مرددين فيما بينهم «مش منيحة منك يا زياد» فالعرض جاء بعكس ما وعدت به الجهة المنظمة وزياد نفسه وما تردد في وسائل الإعلام المختلفة، بأن الحفل سيضم أعمالاً وفقرات تقدم للمرة الأولى، فباستثناء بعض الاسكتشات والقفشات الكوميدية التي تناولت الأوضاع اللبنانية وانتخاباتها الأخيرة، لم يف الرحباني بوعوده، وكأن تصريحاته الصحفية والإعلامية الكثيرة بوجود العديد من المقطوعات الموسيقية والأغاني مخبأة في أدراجه تنتظر التمويل أو الفرصة المناسبة للظهور هي محض ادعاءات وحجج للتذمر المستمر الذي يمتاز به الرحباني، حيث قدم بعرضه الأخير عدداً من الأغاني والمقاطع الإذاعية: (من هدوء نسبي، غير حدودي، وأبطال وحرامية أمرك سيدنا، بما أنو، العقل زينة، موسيقا على قيد الحياة، تابع لشي، معلومات أكيدة، أغنية من مسرحية فيلم أمريكي طويل وغيرها) التي تعود لسنوات طويلة مضت، ومنها البعض القليل من نتاجه الحديث نسبياً لكن لا شيء جديداً أو خاصاً بالحفل يرضي شغف واندفاع جمهور غفير تكبد عناء التدافع والمهاترات أثناء دخوله لمتابعة العرض.
من الناحية الفنية والتقنية الموسيقية، لم تخل مقطوعة أو أغنية أو فاصل كلامي كوميدي من الأخطاء التقنية والصوتية، حتى بتنا نعتقد أننا نتابع بروفة أولى لمجموعة من الموسيقيين والفنانين اجتمعوا ضمن أسوار قلعة دمشق بمحض المصادفة ليقدموا عرضاً ارتجالياً، وخير مثال على ذلك أغنية «يا نور عينيا» حين غاب التنسيق والانسجام بين عازف الترومبون والعود، وفي أغنية «بصراحة» حيث بدأ زياد الأغنية وكأنه نسي الكلمات أو أن المغني المرافق له نسي دوره، والأغنية الختام التي ضمت عدداً من مقاطع العتابا عندما انتظر الرحباني طويلاً ظهور الكورس الغنائي الذي تأخر عليه حتى بدأ بدعوته بصوت مرتفع للظهور على خشبة المسرح وغيرها الكثير من المفارقات والهفوات.
في النهاية أرجو أن لا يفهم هذا المقال على أنه تهجم مجاني على فنان أحبه معظمنا وحفظ وردد أغانيه و أعماله وآمن بأفكاره لسنوات طويلة، لكن كان من المفترض من قبله احترام وعينا وذوقنا الفني والسمعي، وأن يفي بوعوده بتقديم الجديد الذي ننتظره منه دائماً، وبعيداً عن تبادل الاتهامات حول الطريقة المسيئة التي قدم به الحفل والشعور بالغبن المادي من قبل الكثيرين، نتمنى على زياد الرحباني أن يكون أكثر موضوعية ومتابعة كما عهدناه دائماً لطريقة تقديمه لجمهور أحبه بصدق، وأن لا يقع في براثن الشركات الخاصة حديثة العهد التي ترغب على ما يبدو بالاستفادة من أسماء فنية كبيرة ومحبة الجماهير لها بغية تحقيق مكاسبها المادية الذاتية.
أنس زرزر
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد