التاريخ المعاصر «بتصرف» في دراما رمضان السورية
في دراما رمضان 2009 نكتب عن التاريخ المعاصر ولا نكتبه. تلك ليست أحجية، وإنما هي واقع ثلاثة مسلسلات («هدوء نسبي»، «رجال الحسم» و«الدوامة» (تقارب أحداثاً سياسية معاصرة على نحو انتقائي حيث تختار تفاصيل من تلك الأحداث وتسقط تفاصيل أخرى فيها، ولسان حالها جميعا أنها «حكاية افتراضية لا تنشد التوثيق» وإنما هي «تنبع من خيال المؤلف وتلاحق الحكايات الإنسانية على خلفية أحداث سياسية»، وحين «نبرز الحدث السياسي فذلك لندينه أو لأننا لا نستطيع أن نروي حكاياتنا الإنسانية بمعزل عن محيطها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي».. ووفق هذه الصورة يصبح لا بد لنا في كل مرة أن نقبل الحكاية المؤرخة بالزمان والمكان والأحداث التاريخية من دون أن نناقش صحة تفاصيلها أو نقصانها.
ولعل الإشارة المبكرة إلى فرضية الحكاية في تلك المسلسلات تأتي نتيجة تجاوز أخطاء المسلسلات التاريخية التي تغفل الإشارة إلى أنها عمل فني يقدم رؤية للتاريخ وليس التاريخ كما حدث. وهي كما سبق وشاهدنا رؤية فيها من الخيال والأخطاء ما يجعلها أقل من اعتبارها وثيقة تاريخية وأكثر من أن تعتبر فانتازيا متخيلة بحتة. هذا على الأقل ما فعله هذا الموسم المخرج المثنى صبح حين أكد أن مسلسله «الدوامة» الذي يعرض للحراك السياسي في سوريا إبان الاستقلال وصراع شركات النفط والمخابرات العالمية على ثروات المنطقة، مؤكداً انه حكاية افتراضية مفعمة بالحب والنضال السياسي، وذلك لأننا «لا نريد توثيق مرحلة المسلسل الزمنية، بقدر ما نريد رواية الحكاية ومحاولة رصدها بصدق لكي تكون مقنعة، لذلك أضفنا خطوطاً كثيرة على العمل لتثبيت فكرة افتراضية الحكاية». ضارباً مثالاً على ذلك بالقول: «في الفترة الزمنية التي اختارها كاتب المسلسل ممدوح عدوان والتي لا تتعدى السنتين (1949ـ1951) يتولى المسؤولية في البلاد سبعة رؤساء وزارة، لكن المسلسل يختصر الحكاية برئيس وزراء واحد». بالمثل يؤكد الزميل خالد خليفة كاتب مسلسل «هدوء نسبي» في أكثر من تصريح صحافي عن أن أحداث مسلسله الذي يتناول الحرب الأميركية في العراق من خلال المراسلين الصحافيين الذين قاموا بتغطية أحداث الحرب بعيدة من التوثيق، وبالتالي هي تغفل وجود أي من الشخصيات السياسية المعروفة في تلك الفترة، ورغم أن المسلسل يلاحق عدداً من الحكايات الإنسانية هناك، إلا أنه يستحضر عدة محطات هامة من الحرب الأميركية كنهب المتحف الوطني العراقي، وأحداث سجن أبو غريب.
بلا شك أن الإشارة المبكرة لصناع المسلسلين السابقين والتي تقول «انتبهوا أن ثمة ما تم تجاهله من الأحداث السياسية في المسلسل» ما يسقط استسلام الناس لقناعة تقول بأن ما يتابعونه هو وثيقة تاريخية لتلك الفترة بالصوت والصورة، ولكن ماذا عن المسلسل الثالث «رجال الحسم»؟
حتى الساعة، لم ترد أية إشارة على لسان أي من صناع المسلسل على افتراضية حكايتهم أو حقيقتها. فالمسلسل يروي حكاية مدرّس جولاني يفقد أمه وأخاه في حرب الـ 67، فيقرر الانتقام لهما بتنفيذ عملية استشهادية في الأرض المحتلة لكن الظروف تحول دون تحقيق ذلك، فيسافر إلى دولة أوروبية بهدف التقرب من المافيا الإسرائيلية تمهيداً لدخوله إلى إسرائيل. وفرضية حكاية المدرس ستكون جزءاً من حكايات أخرى للمسلسل، معظمها يتناول نكسة يونيو عام 1967، الجرائم التي ارتكبها الموساد ومشاعر الإحباط والألم التي أصابت العرب في تلك الفترة. وبالتالي، نحن على موعد مع خليط من الأحداث الافتراضية والحقيقة في آن معاً بقالب إبداعي لكن من دون أن يصدر عن صناع المسلسل ما يفك الاشتــباك بينهما. فهل سيتولى «التيتر» الإشارة إلى ذلك أم أن الأمر سيترك لكل مشاهد وثقافته، وهنا بلا شك سنكون أمام مشكلة الوثيقة التاريخية وأخطائها؟!
الحديث هنا لا يطال بالتأكيد الحكايات الإنسانية في المسلسلات الثلاثة، التي يفترض السيناريو فيها ترك مجال للخيال والإبداع والتأليف وإلا نكون قد أسقطنا جزءاً أساسياً من مهمة كتّاب السيناريو، لكن عند الحديث عن الأحداث السياسية المختلقة أو المعدلة فلا بد من معالجة الأمر قبل وضعه أمام ملايين العالم العربي، وإلا يصبح جائزاً ان تصبح شخصية «فارس» المدرس الجولاني في «رجال الحسم» حقيقة، ونكون أمام تعديل جوهري في تاريخ سوريا السياسي في الخمسينيات في مسلسل «الدوامة»، ونكون أمام عراق من دون سياسيين في «هدوء نسبي»!.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد