«قلبي معكم»:أطباء بقلوب رحيمةوخيانةزوجيةفي ثوب حب عذري!
اكتسبت الكاتبة والمخرجة الفلسطينية الأصل أمل حنا، سمعة طيبة في الدراما السورية عموماً، منذ قدمت أعمالها الأولى في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، ورغم أن أعمال أمل حنا ككاتبة لم تكن جماهيرية على الدوام، إلا أنها كانت تلقى اهتماماً متفاوتاً من شرائح متعددة، نظراً لخصوصية أطروحاتها التأملية، وبحثها عن الجوهر الكامن تحت سطح الحياة الصاخب حيناً، أو الراكد حيناً آخر!
إلا أن مسلسلها الأخير (قلبي معكم) الذي تابعناه على الشاشات في دورة رمضان المنصرمة، والذي جاء مشفوعاً بسمعة كاتبته الطيبة، بدا مخيباً للآمال حقاً، فمشكلته تبدأ من النص... ومن التعامي على مشكلات النص، وسط حكم قيمة مسبق بأن كل ما تكتبه أمل حنا يبدو عظيماً ورائعاً!
يتناول النص الوسط المهني والاجتماعي لشريحة الأطباء في المجتمع السوري (كما يفترض)، ويركز على ضوابط العلاقات المهنية فيما بينهم، وعلى تفاصيل علاقاتهم الإنسانية مع مرضاهم، في موازاة الدخول إلى كواليس حياتهم الاجتماعية والعاطفية... وهو يسعى لتقديمهم بصورة شديدة المثالية أثناء أدائهم المهني، وبصورة مأزومة في حياتهم العاطفية والاجتماعية... ويبدو أن التركيز على هذا الجانب قد دفع بالكاتبة لأن تقدم الجانب المهني بشكل معقم... ففي مهنة الطب الكثير من التجاوزات التي يعرفها المواطن السوري، وفيها الكثير من القصص والحكايا الصادمة التي صار الحديث عن أصحاب القلوب الرحيمة من الأطباء وخصوصاً عن كانوا من أصحاب المشافي، حديثاً عن استثناءات نادرة وشبه منقرضة... وثمة بالتالي الكثير النماذج السلبية التي كان يمكن أن تقدم من أجل أن تجعل الصورة أكثر توازناً، وأغنى صراعاً، بما يقنع المشاهد السوري أو العربي بأن ما يراه يعكس واقعاً معاشاً، يعاني منه الكثيرون... حيث طغيان النزعة التجارية على مهنة الطب، وتحولها بيد الكثير من الأطباء إلى وسيلة للثراء السريع، انطلاقاً من الاعتقاد أن أي طبيب تعب وتفانى في دراسته طويلاً حتى وصل إلى اللحظة التي يستطيع فيها أن يجني ثمار تعبه وجهده... من دون تقدير لمتطلبات مهنته الإنسانية في أحيان كثيرة.
أيضاً هناك لحظات توتر وتعب وإرهاق تصادف الأطباء أثناء عملهم، وتوقعهم في أخطاء غير مقصودة يجرّمون عليها بقسوة غير مبررة أحياناً... كان يمكن أن تكون مادة درامية شديدة الغنى، إلا أن المسلسل تعامل معها باعتبارها تفصيلا عابراً ينتهي فور الخروج من غرفة العمليات... ومن هنا جاء النص فقيراً بالأحداث والتفاصيل المهنية رغم أن قسماً كبيراً من مشاهده تدور في أروقة مستشفى... وربما لم يكن لهذا الفقر والخواء أن يظهرا بهذا المظهر المؤثر سلباً على بنية المسلسل، لو أن الجانب العاطفي بدا أكثر ثراء... إلا أن ما قدمته الكاتبة في هذا السياق، لم يكن أكثر من( تيمة) تصلح كموضوع لخط درامي في مسلسل، وليس كمحور لمسلسل كامل في ثلاثين حلقة!
الصراع الدرامي الأساسي في حياة بطل العمل (د. بشر) تدور حول زواجه المتأخر من فتاة تصغره في العمر بدافع الاستقرار وإنجاب الأطفال، إلا أن المسلسل يقدم لنا هذه العلاقة في البداية بشكل إشكالي، فهو لا يوضح بشكل مقنع لماذا يريدها صغيرة السن، ولماذا تنطبع علاقتها منذ البداية بشيء من الحذر والبرود... ثم يقع في حب زوجة زميله الطبيب دون أن يتوقف كثيراً عند مبدأ خيانته لصديقه أولاً... وهكذا فثمة تناقض في بناء الشخصية المحورية ما بين مثالية سلوكه المهني، والقلب الرحيم الذي يعامل به مرضاه، وبين هذه الخيانة العاطفية التي يخون فيها زوجته من جهة، وزميله الطبيب الذي تربطه به صداقة متينة من جهة أخرى. وثمة محاولة غير مستساغة اجتماعياً لتصوير هذه (الخيانة) بمظهر حب عذري... ما دامت أنها لم تصل إلى العلاقة الجسدية... وهي لم تصل إلى هنا لأن (أمل) زوجة صديقه أصرت ألا تدمر الأسرتين، ورفضت أن تتجاوز علاقة الحب المشاعر المتبادلة التي تكتفي بحب صامت يحاول ألا يتجاوز حدود الصداقة والمشاعر المضمرة!
إن محاولة تبرير شرعية هذه (الخيانة المعنوية) تبدو مسألة إشكالية في عمل تلفزيوني يتوجه إلى مشاهدين محكومين بقيم الحياة الأسرية، وثمة فرق كبير بين موضوع قد يطرح في رواية أو فيلم سينمائي، وبين ذاك الذي يقدم في مسلسل تلفزيوني... وهذه ليست محاولة لتقييد آفاق العمل التلفزيوني بقيود ومفاهيم متخلفة كما يحلو للبعض أن يصرخ محتجاً، بل هي مسألة تتصل بطبيعة وشروط تلقي هذا الفن... ومن المعروف في تاريخ الفن أن طبيعة وشروط التلقي تساهم في أحيان كثيرة في تحديد طبيعة الموضوعات المطروحة... ومن هنا فقد بدا بطل العمل رغم أداء الفنان عباس النوري الجيد والذي سعى لأن يكون حاراً في كثير من المواضع، بدا شخصاً غريباً عن المشاهد وعن مفاهيم الحياة التي نعيشها، فقد ظهر كأنه خارج من رؤية ذهنية مركبة لخيال كاتب منعزل عن الحياة، ولم يستطع لا أن يكون مثالا إيجابياً يحبه الناس، ولا شخصية سلبية تستثير مشاعر الرفض لما يمثله سلوكها من ظواهر أو تجاوزات... فهو شخصية متناقضة إلى درجة محيرة... تناقضاتها لا تغني دراميتها بل تسهم في تشتيت مسارها، فالمشاهد لا يجد معنى لهذا البرود الذي يعيش به حياته منذ البداية، كما لا يشعر بالتعاطف مع قسوته السادية إزاء زوجته الشابة، وبالتالي فإن آلام الحب التي يعيشها مع زوجة صديقه لاحقاً لا تدفعنا لتأمل الحالة، ولا محاولة النظر إليها باعتبارها جزءا من أسرار الحب الغامضة، أو قدرية الحياة التي تلعب بالمصائر والقلوب... وهكذا لم تسلم الشخصية المحورية في النهاية من الرسم البارد الذي طبع النص بمجمله، والرؤية التصالحية لحياة هذه الشريحة الاجتماعية، ومحاولة معاينة وجوه حياتها المختلفة... ولم يسلم من هذا البرود سوى الخط الدرامي الجميل للممرضة اعتدال وزوجها الذي جسدته ببراعة الفنانة سلاف عويشق بما يشهد بموهبتها التي ظلمها الوسط الفني السوري... مع الفنان أيمن رضا في أداء مفعم بالحس الشعبي الجميل.
فقر النص بالتفاصيل والأحداث، عكس نفسه على عمل المخرج الذي جاء إيقاعه بطيئاً، ومشاهده طويلة ملأى بحوار مكرر... ومن المؤسف أن المخرج سامر برقاوي لم يقرأ النص قراءة نقدية، ولم يقدم رؤية إخراجية تعي مشكلاته وتعالجها من أجل تحسين فرص نجاحه، بل تعامل معه باستلاب وكان همه على ما يبدو (تصوير النص) بحس تقني جيد، شأنه شأن أترابه من المخرجين الشباب الذين أثبتوا في هذا الموسم أنهم لا يمتلكون ثقافة درامية تساعدهم على تشكيل رؤية ما تجاه النص... فالمخرج الحقيقي هو دراماتورغ قبل أن يكون مشرف تصوير... ومن الواضح أن سامر برقاوي كان يعمل بحس المخرج المنفذ لا أكثر!
إن مسلسل (قلبي معكم) دراما ذهنية تناقش فرضية درامية عن الحب في وسط أسري يقاوم الانهيار... دراما بحبكة ضعيفة، وسرد بصري ممل، ورؤية مترفعة لواقع مهني كان يستحق أن يشرح بصدق أكثر، من أجل بعض الاقتراب من صورة الحياة وواقع الناس، وهمومهم المعيشية والاجتماعية التي تصالح معها هذا المسلسل السياحي!
إلهاء الرأي العام: مسلسل مصري يتجاوز الخط الأحمر!
مما لا شك فيه أن اتهام فنان كبير مثل نور الشريف بالمشاركة في شبكة دعارة تمارس الشذوذ الجنسي، يمثل قمة الانحطاط الإعلامي من قبل المطبوعة التي أثارت القضية... ومن المؤسف فعلاً أنني بدأت أقرأ بعض التعليقات في المواقع الالكترونية التي انتشر فيها الخبر انتشار النار في الهشيم، وهي تشكك أو تطرح احتمالات متضاربة... وكأن الناس أصبحوا بلا ذاكرة... فهذا الفنان الذي عرف على الدوام بأخلاقه الرفيعة في الوسط الفني هو رب أسرة، وهو من أكثر الممثلين حرصاً على صورته الاجتماعية طيلة عقود من احترافه الفن... ومن المؤلم أن تلصق مثل هذه التهم بهذه السهولة، وكأن كل المعايير قد انهارت دفعة واحدة!
المحطات المصرية سارعت إلى تغطية هذا الموضوع في برامج (التوك شو) التي كان فيها نقيب الفنانين أشرف زكي قاسماً مشتركاً... والموضوع راح ينتقل من محطة إلى أخرى مصحوباً بالانفعال التلفزيوني تارة، وبالألم الحقيقي طوراً، وبكل( بهارات) الموضوع المثير في كل الأحوال!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك جهة ما في مصر... تتعمد بين فترة وأخرى أن تلهي الرأي العام بموضوع ساخن؟! موضوع يمس نجوم الفن أو المجتمع أو المال أو الرياضة... تكثر فيه الروايات، وتصنع عنه الحلقات الطارئة في المحطات التلفزيونية، وتعقد من أجله الندوات، ويصبح حديث الناس في الواقع الحقيقي والافتراضي معاً؟!
سؤال يتبادر إلى الذهن حين نعلم أن الرقابة المصرية، صادرت العدد الذي نشر التقرير المزعوم، ثم أفرجت عنه بعد يومين لينفد في مراكز البيع بعد توزيعه بساعات!! فلماذا صادرته إذا كانت تريد العودة إلى توزيعه... ومن هي الجهة التي ترى أن من الضروري الإفراج عن صحيفة تنشر هذه الاتهامات الباطلة وبالأسماء الصريحة؟!
إذا كان هذا (الموضوع) يدخل في السياق نفسه... فمن المؤلم فعلاً أن تمس كرامة وسمعة فنان كنور الشريف من أجل أي هدف من هذا النوع!
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد