إسرائيل تقلل من الأزمة مع لندن وتخشى مواقف غربية مماثلة
في وقت التزمت إسرائيل الرسمية الصمت على قرار الحكومة البريطانية الطلب من أحد الديبلوماسيين الإسرائيليين في لندن (رئيس بعثة جهاز الاستخبارات الخارجية - موساد) مغادرة أراضيها لتورطه في تزوير جوازات السفر البريطانية التي استخدمت في اغتيال القيادي في حركة «حماس» محمود المبحوح في دبي قبل شهرين، تباينت قراءات وسائل الإعلام العبرية لهذا القرار، وإن مالت إلى الاعتقاد بأن لا أزمة خطيرة في العلاقات بين الدولة العبرية والمملكة المتحدة، لكنها حذرت من أن القرار البريطاني يشكل «منحدراً زلقاً» يتمثل في احتمال أن تحذو كل من ارلندا وأستراليا وفرنسا، وربما ألمانيا، حذو بريطانيا.
وأشارت صحيفة «يديعوت أحرنوت» في عنوانها الرئيس أمس إلى أن ممثلاً جديداً عن «موساد» سيصل إلى العاصمة البريطانية بعد شهر ليحل محل ممثل الجهاز المطرود، ما يؤكد برأيها أن لا أزمة حقيقية في العلاقات بين البلدين، وأن «التفجير بقي تحت السيطرة»، بحسب توصيف جهات إسرائيلية رفيعة المستوى. وعزت هذه الجهات الخطوة البريطانية إلى «دوافع سياسية داخلية»، في إشارة إلى الانتخابات النيابية في بريطانيا بعد شهر. وأعربت عن ثقتها بأن التعاون الأمني الوثيق بين البلدين سيتواصل.
ووصف معلقون في الشؤون الأمنية والسياسية في الصحيفة قرار الحكومة البريطانية بـ «الأنيق واللطيف»، مشيرين إلى أنها لم تطرد «الديبلوماسي» أو تعلن عنه «شخصية غير مرغوب بها»، إنما طلبت منه المغادرة، «ما يؤكد عدم رغبة الحكومة البريطانية بالتصعيد أو المس بالعلاقات الأمنية الوثيقة للغاية بين البلدين».
ورأى مسؤول سياسي كبير في الموقف البريطاني «قراراً سياسياً يرتبط بجهود حزب العمال الحاكم لخطب ود المسلمين في بريطانيا عشية الانتخابات العامة». وأضاف أن جهات مناوئة لإسرائيل ضغطت على وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند لاتخاذ خطوة متشددة، وهذا «وجد ضالته» في هذه القضية وتجاوب مع الفكرة لدوافع سياسية - انتخابية. وتابع المسؤول أن بريطانيا أرادت نقل رسالة شديدة اللهجة لإسرائيل بأنها لن تحتمل مرة أخرى استخدام جوازات سفر مواطنيها، «لكنها تجنبت خلق أزمة متدحرجة ... الأمر (التزوير) ليس لطيفاً بل مهيناً، لكنه ليس نهاية العالم».
وذكّرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بخطوة متشددة أكثر اتخذتها رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر قبل 22 سنة حين أمرت بطرد جميع ممثلي «موساد» في لندن وإغلاق محطته على خلفية تزوير جوازات سفر وتشغيل عميل مزدوج (لإسرائيل والسلطة الفلسطينية) في لندن شارك في اغتيال رسام الكاريكاتير ناجي العلي. وآنذاك أيضاً، التزمت الحكومة الإسرائيلية عدم تزوير جوازات سفر لبريطانيين، لكنها عادت وخرقت تعهدها.
وكتب معلق الشؤون الاستراتيجية رونن برغمان أن «الغضب المؤدب» لبريطانيا لن يمس بـ «وحدة المصالح الناجمة عن الرؤية المشتركة (لإسرائيل وبريطانيا) لعدد من التهديدات المتربصة بإسرائيل، وفي مقدمها التهديد النووي الإيراني»، مشيراً إلى أن لندن هي الأكثر تشدداً بين دول العالم ضد إيران.
لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية توقعت أن تدفع الخطوة البريطانية بكل من ارلندا وأستراليا وألمانيا وفرنسا إلى اتخاذ قرار مماثل على خلفية استخدام «موساد» جوازات سفر لمواطنيها وتزويرها للمشاركة في عملية الاغتيال.
في المقابل، حذرت أوساط أخرى من انعكاسات القرار البريطاني على التعاون الأمني والاستخباراتي بين لندن وتل أبيب «في محاربة الإسلام المتطرف». وكتب أمير اورن في «هآرتس» أن الخطوة البريطانية «ضربة للعنجهية الإسرائيلية في كل مراحلها»، فيما اعتبرها السفير السابق في لندن موشيه رفيف «استثنائية ومضرة». وقال إنه «كان ممكناً إيجاد صيغة أخرى لحل الإشكال ... بريطانيا متشددة للغاية في مسألة سيادة جوازات السفر البريطانية، هذا تقليد من القدم. ويزعجها تكرار عمليات التزوير». ورأى أن «القرار مرتبط بالرغبة البريطانية في استرضاء الجانب العربي، والنشر الواسع عن الموضوع يثير الريبة بأن القرار البريطاني لا يخلو من الدوافع السياسية الداخلية».
إلى ذلك، أعلنت استراليا أمس أنها تنتظر نتائج التحقيقات التي تقوم بها في تزوير 4 جوازات سفر تابعة لها استخدمت في اغتيال المبحوح، قبل اتخاذ إجراءات. وقال وزير الخارجية الأسترالي ستيفن سميث في حديث إلى الإذاعة الوطنية: «نتعاطى مع هذه المسألة بكثير من الجدية، إلا أن مقاربتنا لها ستكون منهجية». وأضاف: «طبعا نأخذ في الاعتبار الإجراءات التي اتخذتها دول أخرى، وبريطانيا ليست البلد الوحيد الذي أُقحم بهذه المسألة، بل للأسف هناك أيضاً فرنسا وإرلندا وألمانيا، إلا أننا سنتحرك على مراحل، وسأطلع على تقرير الشرطة الأسترالية، ونتخذ عندها القرارات التي نعتبر أنها تدخل في نطاق أمننا القومي».
وفي برلين، أعلنت النيابة العامة الألمانية أن تحقيقاً فُتح لكشف مصدر جواز سفر ألماني صحيح تم تغيير اسم صاحبه واستخدم خلال اغتيال المبحوح. وقال ناطق باسم النيابة إن التحقيق فتح ضد مجهول «لقيامه بنشاطات لخدمة جهاز استخبارات أجنبي، ولانتحاله هوية»، والهدف معرفة كيف تمكنت هذه المجموعة من الحصول على جواز سفر ألماني صحيح. وأشار إلى أن لا علاقة للتحقيق بعملية اغتيال المبحوح نفسه لأن لا شيء يؤكد حتى الآن أن القاتل استخدم جواز السفر المذكور. وأوضحت وزارة الخارجية الألمانية أن هذا التحقيق فتح «منذ أكثر من شهر».
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد