«الدولار» ليس بعيداً عن أزمة «اليورو»
السؤال الأكثر إلحاحاً في أسواق القطع المالية هذه الأيام: هل يسقط «اليورو» إذا ما أفلست اليونان وانتقلت عدواها؟ أم ستبقى أوروبا تدافع عن مشروعها النقدي الوحدوي مهما كلّف الأمر رغم اختلاف المواقف؟
العملات الآمنة باتت من الماضي. عندما تهاوى الدولار منذ غزو أفغانستان، احتمت الرساميل بـ«اليورو» و«الين». انتفخ سعرهما استجابة لقوانين العرض والطلب، وشعر المستثمرون بأن أوروبا أكثر أمناً من الولايات المتحدة. لكن ذلك الوضع لم يدم طويلاً، وجاء الدور على أوروبا، وربما يأتي غداً على اليابان.
اليوم تحوّلت الأزمة المالية اليونانية إلى «بعبع» يثير الهلع حيال مستقبل «اليورو»، رغم أن اليونان من أصغر الاقتصادات الأوروبية وأقلها شأناً. وإذا كانت أزمة اليونان وأزمات الدول التي تقف خلفها في الطابور، كالبرتغال وإسبانيا وإيرلندا، تهدد اليورو بامتحان مصيري، فما الذي يمنع أن تتحول أزمة كاليفورنيا المالية إلى مفجّر لوضع مماثل في منطقة الدولار؟ تقول مؤلفة كتاب «800 عام من الدَين»، كارمين راينهارت، إن أزمة اليونان تهدد الدول الأخرى، لأن البنوك وصناديق الاستثمار الدائنة للحكومات مشتركة، وكلّما مُنيت الجهات الدائنة بخسائر في بلد ما، قلّصت نسبة الأموال التي يمكن أن تضخّها في بلدان أخرى. ويلي ردة فعل المؤسسات الدائنة ميل عام لدى المستثمرين لكي يحذوا حذوها.
وهذ يعني حدوث تقلّص في حجم الكتلة النقدية المتاحة للإقراض وتلطيف الأزمات، فتتفاقم الأزمة على شكل عدوى متفشية. ولهذا لجأ الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إلى إقامة سدّ مالي يراد منه طمأنة المستثمرين إلى أن الاتحاد الأووربي عازم على الدفاع بشدة عن «تجربة اليورو». وهو إجراء مشابه لتجربة «تارب» الأميركية التي أريد منها تعزيز الثقة بالمؤسسات المالية الأميركية بعد انهيار «ليمان براذرز».
إجراء يستبق أي خفض لمراكز سندات اليونان من قبل وكالات التصنيف، ومن شأنه أيضاً أن يمنح الحكومات هامشاً زمنياً ضرورياً لمعالجة المتضررين الآخرين. وسيتعيّن على هذه الحكومات أن تطبّق سياسات تقشفية على غرار ما تفعله كاليفورنيا. حلول مؤقتة في انتظار عودة الربيع الاقتصادي. لكن الخشية تبقى من ألّا تهطل الأمطار وألّا يتحمل السكان التقشف، فيتمرد طابور العاطلين من العمل الذين يتزايدون.
أما الرهان على تعديل الميزان التجاري، فيحتاج إلى تقليص كبير في قيمة العملات لكي تصبح الصادرات مغرية ومنافسة. والسؤال هو هل تقليص الإنفاق العام يترافق عادة مع انكماش اقتصادي يؤدي إلى زيادة الصعوبة في معالجة الأزمات جراء تقلص إيرادات الدولة؟ أمر يتجلى كثيراً في إيرلندا التي شهدت ضموراً في ناتجها المحلي الإجمالي بلغ 18 في المئة، فكيف ستتمكن الدول من «تقليع» اقتصاداتها إذا فشلت في اجتذاب مستوردين لبضائعها من الخارج؟
هناك مؤسسات مالية كبرى في فرنسا وألمانيا مهددة بخسائر كبيرة من الديون التي قدمتها لليونان. ولسوف يتعين على أثينا إعادة جدولة ديونها بالتفاهم مع الدائنين على قبول الخسائر الجزئية من الدخول في فشل كامل على غرار الأزمة الأرجنتينية التي انتهت بخسائر بلغت 75 في المئة.
إزاء هذا الوضع، تخشى الباحثة راينهارت أن تفرض الضغوط الاقتصادية على أعضاء الاتحاد الأوروبي الخروج من العملة الأوروبية الموحدة بهدف خفض قيمة عملاتها المحلية لتخفيف أعبائها بالعملات «الصعبة».
وإذا كانت الغاية من العلاجات الحالية تسكين الأوجاع، فقد يتعرّض «اليورو» لتصحيح كبير في قيمته مقابل العملة الأميركية، لأن كل الدول الأوروبية تمارس التقشف في آن. والأزمات لن تنحصر في أوروبا، بل يتوقع أن تواصل التنقل من مكان إلى آخر ومن عملة إلى أخرى حتى يستقر الاقتصاد العالمي على نظام جديد. إنها عوارض المخاض الذي تعيشه الرأسمالية في مرحلة ما بعد العولمة.
نزار عبود
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد