90%من شركات صناعة الألبسة السورية لا يوجد لديها مصمّمي أزياء
تفتقد شركات صناعة الألبسة السورية إلى تصميم الأزياء الخاصة بها والتي تدلّ عليها، كما يتم تجاهل مصمّمي الأزياء المحليين، ويرى المنسّق الفني الوطني لبرنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية فؤاد اللحام أن 10 بالمئة فقط من الشركات لديها قسم أو مسؤول مختص بالتصميم، مقابل 90 بالمئة من أصل أربعين شركة مستفيدة من البرنامج لا تمتلك قسم أو مسؤول عن التصميم. وهذا ما أفرز مشكلة وتحدٍّ كبيرين لصناعة الألبسة السورية التي وضع البرنامج يده على بعض جراحها، إذ إن البرنامج المذكور يهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للصناعة السورية وبشكل خاص في صناعة النسيج والملابس، ويعد التسويق والتصميم أحد مجالات التعاون بين البرنامج والشركات، وتبين أن أحد أوجه الشكوى من ضعف التسويق هو الغياب المطلق عن بعض الشركات لكل ما يتعلق بالتصميم رغم أهمية هذا المجال في صناعة الملابس، وأشار البرنامج في دراسة له أن التصميم هو من أهم نقاط الضعف في صناعة النسيج والملابس في سورية.
دور الشيف
ربّ سؤال يطرح نفسه بقوة: هل فعلاً شركات الألبسة والنسيج السورية لا تعي تماماً أهمية تصميم الأزياء ودورها في التسويق وجذب الزبائن؟
المسألة كما يعبّر عنها بعض الصناعيين ليست بهذه البساطة، فهناك حاجة ماسة إلى مصمّم أزياء في كل شركة يبتكر أزياء تناسب الشركة وزبائنها، وأن يكون فعلاً أحد أعمدة الشركة.
يقول الصناعي هيثم أقبيق من شركة HORIZON للألبسة الرجالية: إن أي شركة تحتاج إلى مصمّم أزياء، ومن الطبيعي أن يمتلك المصمّم خبرات معينة وتأهيل ما، حتى يستطيع الدخول للشركة والعمل فيها، ومنها تعليم أكاديمي وخبرة كافية. ويؤكّد أقبيق أن مصمّم الأزياء السوري هو شخص أكاديمي بالدرجة الأولى، وتغلب الناحية الأكاديمية عنده على الخبرة التي تبحث عنها الشركات وتتطلّبها مهنة تصميم الأزياء، إذ تعتمد صناعة الأزياء في العالم على الخبرة والمعرفة والتطور.
تتعلق المسألة بالنظرة التي يرى فيها الصناعيون إلى مصمّم الأزياء ومطالبهم منه، يقول مدير عام شركة رفال للألبسة الصناعية هيثم حلبي: إن المصمّم هو جسر المعمل والمنشأة النسيجية، لأنه يلعب دوراً مهماً في الشركة يشبه دور الشيف الماهر في المطاعم.
ويدلّل حلبي على أهمية المصمّم بقوله: أي تاجر يدخل إلى شركة معينة وقبل أن يختبر الجودة ينظر إلى الموديلات الخاصة بهذه الشركة ويحدّد إن كانت جميلة أم لا. ويضيف حلبي نحن نبخس المصمّم دوره لغياب الوعي بأهميته ودوره الأساسي في العملية الإنتاجية بالمعمل.
هجرة المصمّمين
تعاني مهنة تصميم الأزياء من بعض المشكلات التي أدّت إلى تحييدها وإغفال أهميتها، تقول رئيسة فريق العمل في مركز تطوير النسيج والملابس في حلب لارا السيد: هناك ضعف في إتقان اللغات الأجنبية لدى غالبية مصمّمي الأزياء السوريين ما خلق فجوة وصعوبة في متابعة أخبار الموضة العالمية وعدم الاشتراك بالمواقع الإلكترونية الخاصة بأخبارها والمصمّمين العالميين، إضافة إلى التكاليف العالية لدراسة التصميم في المعاهد المتخصّصة وندرة هذه المعاهد في سورية. وتشير السيد إلى وجود سوء فهم بين مايطلبه الصناعي من المصمّم وبين ما يقوم به المصمّمون، وترجع هذا إلى ضعف مفهوم التصميم لدى الأطراف المعنية وغياب المكتبات المختصة بتوفير المراجع والمجلات عن صناعة الألبسة والموضة، وصعوبة وصول المصمّمين إلى معارض الأقمشة المتخصّصة ولاسيما PARIS وPRIMA VISION، مما يحدّ من إمكانات الإبداع لدى المصمّمين الشباب، وهذا أدّى إلى انخفاض في عدد المصمّمين وهجرة المبدعين منهم إلى الخارج.
ويكشف اللحام عن أبرز نقاط الضعف التي تعتري مهنة التصميم لدى الشركات السورية ومنها أن صاحب أو مدير الشركة أو أحد أفراد العائلة يقوم بهذه المهمة, والاعتماد على التقليد والمحاكاة والنماذج المقدمة من المستورد الخارجي، إضافة إلى ضعف المستوى الفني الموجود.
كما يشير اللحام إلى ضعف التدريب والتأهيل في هذا المجال لدى الشركات وعدم القدرة على المحافظة على الكوادر الموجودة, وضعف ثقافة العمل والالتزام وتطوير الذات ومحدودية استخدام التقانات الجديدة في التصميم.
ماركات دون تصميم
تنبّهت بعض المؤسسات إلى أهمية ودور مصمّم الأزياء، وافتتحت مراكز تدريب من أجل ذلك، ومنها فرع دمشق لجامعة إسمود الدولية المتخصّصة بتعليم تصميم وتفصيل الأزياء، يقول المدير الإداري جورج حلاق: إن السوق السورية متأخرة في هذا المجال لعدم وجود ثقافة لدى مصنّعي الأزياء والأقمشة والإكسسوار وقلة متابعة تطوّر صناعة الأزياء العالمية وتيارات الموضة وتطوّرها الموسمي، إضافة إلى تهميش وإقصاء المصمّم السوري المحترف والمؤهّل للإبداع والابتكار، والاستيراد العشوائي للألبسة ولوازمها من قبل التجار المحليين وغياب مفهوم قطاعات الألبسة على اختلاف مستوياتها، وتبعية السوق السورية لبعض البلدان المجاورة مثل لبنان وتركيا، وعدم وجود أي رقابة حقيقية على تراخيص ومستوى إنتاج الماركات العالمية الموجودة في السوق السورية.
كما تدرك الجمعية السورية لمصمّمي الأزياء العقبات التي تواجه مصمّم الأزياء ونقاط ضعفه، يقول رئيس الجمعية محمد ماهر المهاجر: هناك ضعف في تأهيل المصمّمين بسبب غياب المنهجية في التدريب، وقلّة مؤسسات التدريب الأكاديمية، إضافة إلى ضعف المعرفة باحتياجات سوق العمل، وغياب سياسات التأهيل المستمر في الشركات وعدم اعتمادها خطط لتطوير مواردها البشرية. ويضيف المهاجر: يوجد ضعف في استخدام التكنولوجيا المتطوّرة وغياب الوعي بأهميتها في تطوير التصميم والصناعة.
مسافات بعيدة
يُبرز رئيس الجمعية السورية لمصمّمي الأزياء دور مصمم الأزياء بالنسبة للشركات من خلال ارتباط التصميم بالقيمة المضافة للمنتج، ويقول: إن التصميم يحدّد هوية الشركة وصورتها، ويؤثر على العملية الإنتاجية باعتباره جزءاً مهماً من الدورة الإنتاجية، وينعكس دوره على جودة وتكاليف المنتج.
ويرى مصمم الأزياء نادر المهايني أنه يوجد تصميم أزياء خاص بسورية، على عكس الآخرين الذين ينفون هذا، وتكمن المشكلة برأي المهايني بعدم وجود تقارب بين المنتجين والمصمّمين، إذ إن عملية اكتشاف مصمّم مبتكر ومؤهّل مسألة صعبة، والأمر بحاجة إلى مؤتمرات وتنسيق لتبادل الآراء والأفكار.
ويحدّد المصمّم سمير الحبش، والذي يعمل في شركة ألماسة للانجري، المشكلة بعلاقة المصمّم وصاحب الشركة التي تفتقد دائماً إلى الثقة، إذ إن أصحاب الشركات يرون في التصميم الخارجي أفضل من التصميم الداخلي كما أنهم لا يملكون رؤية عن دور المصمّم والمطلوب منه، بل يحملونه مسؤولية كل شيء.
ويقترح الحبش أن يكون هناك عروض أزياء سورية للمساعدة في حل هذه المعضلة، وأن يكون لدينا موضة سورية شرقية تُصدر للخارج.
أساليب متنوعة
ما نراه من موديلات وموضة لدى الشركات السورية، ليس بالضرورة أن يكون موضة محلية، لكن أن لا نرى ما يشكّل موضة محلية إطلاقاً، فهنا هو التحدي الأكبر للشركات التي تبحث عن زبائن آخرين، وتحافظ في الوقت ذاته على منتجاتها الممهورة بماركتها المحدّدة.
تلجأ الشركات السورية إلى أساليب أخرى لتأمين الموديلات المناسبة لصناعتها ومنتجاتها، وتتناسب في الوقت ذاته مع أذواق المستهلكين ومتطلباتهم. يقول الصناعي هيثم حلبي: قسم كبير من المعامل السورية تعتمد على الخارج لإحضار مساطر واقتباس الموديلات الموجودة، ويضيف نتمنى أن يكون لكل معمل قسم خاص بالتصميم، إذ لا ينقصنا شيء لنكون مبدعين ونصمّم ونعمل على تعديل الموضة العالمية لتتناسب مع الذوق السوري والشرقي العام وأن تكون لنا بصمتنا في هذا المجال.
يبحث الزبائن عن الموضة الجديدة، وبدأ المجتمع السوري يولي هذا الجانب الاهتمام بعد الانفتاح الاقتصادي والسماح باستيراد الألبسة الجاهزة، وظهر تجار يعتنون في إحضار آخر الموديلات والموضة العالميتين وطرحها في الأسواق المحلية. يرى المدير الإداري في إسمود جورج حلاق أن غالبية المجتمع السوري هو من الطبقة المتوسطة أو ما دونها وهذا ينعكس على نوعية البضاعة المصنّعة أو المستوردة.
كما يحدّد الصناعي هيثم أقبيق مدى حاجة السوق المحلية لمصممي الأزياء بقوله: إذا كان العمل على ألبسة النخبة فهي بحاجة إلى هذا، لافتاً إلى ضرورة انتقال مصمّمي الأزياء السوريين من تقليد الموضة والأزياء القادمة من الخارج والتركيز على الابتكار.
قيم مضافة
إنّ الاستثمار في مصمّمي الأزياء بصفتهم ورقة رابحة وقيمة مضافة، يعد من متطلّبات تطوير تصنيع الألبسة بمختلف أنواعها، ويرى فؤاد اللحام أن التحديث الصناعي ليس تحديث آلات فقط بل هو تحسين في نوعية المنتج وتطويره والتصميم جوهرها، وهو–أي التصميم–مدخل صحيح للنفاذ للأسواق وتفعيل التسويق وتحقيق القيمة المضافة، كما أنه وسيلة فعّالة لمواجهة المنافسة الخارجية. ويدعو اللحام إلى ربط التصميم الجيد بالنوعية وبالسعر المناسب.
وأوضحت لارا السيد بناءً على الدراسة التي قام بها مركز تطوير النسيج والملابس في حلب لاستبيان احتياجات صناعة الألبسة في مدينة حلب، أنه تم رصد الحاجة الملحّة إلى وجود مراكز متخصّصة في التدريب على فن تصميم الأزياء بما يتوافق مع التطورات العالمية في هذا المجال. وأشارت السيد إلى أن المركز نظّم مسابقة في حلب لتصميم الأزياء المستوحاة من الموروث الثقافي المحلي وشارك فيها 10 متبارين قاموا بتقديم أعمالهم في حفل حضره أبرز الصناعيين بهدف استقطاب المصمّمين المحليين وتعريف أصحاب الشركات على أعمالهم وتحفيز الاستفادة من الخبرات المحلية الموجودة.
ودعا محمد ماهر المهاجر إلى تأسيس بيئة صحية وصحيحة بين الشركات والمصمّمين وتشجيع المبادرات الفردية للمصمّمين ومساعدتهم على إنشاء أعمالهم، إضافة إلى وضع الاستراتيجيات الخاصة بتطوير التعليم والتدريب المهني، وتطوير القوانين والتشريعات ومنها قوانين العمل وحماية الملكية الفكرية والشركات، وإحداث حاضنات أعمال خاصة بمصمّمي الأزياء، وإنشاء كلية لتعليم تصميم الأزياء، وذلك من أجل ضمان تطوير مهنة تصميم الأزياء والاستفادة منها.
استثمارجديد
لم يعد تصميم الأزياء ضرورياً في شركات تصنيع الألبسة لزيادة المبيعات من خلال تلبية أذواق المستهلكين ومواجهة المنافسة الشرسة التي تتعرّض لها المنتجات، بل أصبح تجارة حقيقية واستثماراً بحد ذاته، ومع تزايد الانفتاح وتبدّل أنماط الاستهلاك وتوافر البيئة والظروف والمستلزمات الأساسية لتصميم الأزياء، باتت الحاجة الموضوعية تستدعي التوجّه إلى هذا النمط الجديد من الاستثمارات سواء لجهة الشركات أو المصمّمين أو إحداث مؤسسات أكاديمية تعنى بتعليم مصمّمي الأزياء وتدريبهم.
ثامر قرقوط
المصدر: مجلة الاقتصادي
التعليقات
بصراحة
انامصممه ازياء
إضافة تعليق جديد