عبد المنعم عمايري: فتح الباب ودخل من دون إذن أحد
في زحمة الإعداد للموسم الرمضاني الجديد، سرق عبد المنعم عمايري دقائق من جدول أعماله، وخصصها لـنتحاور في مقهى أحد فنادق دمشق الفخمة. هناك راح يستمتع بحرق سجائره على مهل، من دون أن تهدأ حركة يديه، أو تغفل عيناه عن مراقبة كل حركة في المكان. أحد أكثر نجوم الدراما السوريّة شهرةً، لا يزال طفلاً تشبّع بصخب أحياء دمشق الشعبيّة، وتحديداً منطقة البرامكة. هناك، كان العنوان العريض ليومياته: الشغب. هذه سمة لم تفارق حياة عمايري يوماً «أكان في المدرسة أم في المنزل، لم أتعلّم كيف أسمع كلمة وأنفذها. كنت مشاغباً ومختلفاً حتى بالمعنى السلبي للاختلاف. لم أكن يوماً طالباً متفوقاً أو متميزاً في أي شيء»، يقول.
من أبناء ذلك الحيّ، ورفاقه الذين لم يتجاوز تحصيلهم العلمي المرحلة الابتدائية، سيختار عمايري شخصيات يؤدّيها في ما بعد. يعود الفضل في إكماله دراسته لوالده أستاذ الفلسفة. «كنت مشتتاً بين أصدقاء عرفوا كيف يتعاملون مع الشارع، وفضولي لاكتشاف ما في داخل مكتبة والدي». لم يفكّر يوماً في أنّه سيصبح فناناً مشهوراً. قرّر احتراف التمثيل من دون أن يسيطر عليه هاجس الشهرة. أحلامه كانت تتجلّى في خشبة المسرح لا أكثر. «لا يعنيني أن أكون مشهوراً. القصّة أنني لم أستطع التعبير عن ذاتي إلا من خلال التمثيل».
صدى كلمات قالها له والده لا تزال تتردد في أذنيه: «أن تكون ماسح أحذية يتقن عمله جيداً أفضل بمليون مرة من أن تكون طبيباً فاشلاً». هكذا بدأ العمل في المسرح، ليصعد السلم درجة تلو أخرى من دون أن تأتيه الفرص على طبق ذهبي أو «نحاسي حتى». «جعلت الحظ يأتي بنفسه إلى جانبي وحفرت بأظفاري. صنعت لنفسي فرصاً نتيجة تراكمات». حبّه الكبير لوالده، دفعه لدراسة الحقوق ثمّ الأدب العربي، قبل أن يدرك أنّ أحلامه تبدأ من عتبة «المعهد العالي للفنون المسرحية». تقدّم لامتحان القبول مرتين، وكانت اللجنة ترفضه كل مرة. لكن ذلك الرفض لم يثنه عن الالتحاق بأنشطة «المسرح الجامعي»، ومن ثمّ القيام بمحاولته الثالثة، لكنّه كان قد تجاوز العمر المحدد للقبول. أنقذه يومها أستاذ الموسيقى الراحل صلحي الوادي. قال له: «افتح الباب وادخل من دون أن تنتظر إذن أحد». وبالفعل، دخل ليلتقي بشيخ المخرجين السوريين هيثم حقي على رأس اللجنة التي بهرت بأدائه وقبلته متجاوزة شرط العمر. «عندما قبلت، شعرت بأنَّني قد أمسكتُ طرف الخيط بالتعرف إلى ذاتي، لكنَّني كنت سأستمر حتى لو لم أقبل في تلك السنة أيضاً».
عمايري عاد ليقف أمام حقي في امتحان أكثر صعوبة. إنّها اللقطة الأولى التي وقف فيها أمام الكاميرا في مسلسل «الثريا»، حين أدى الدور الذي يتذكره الجميع: وفائي. تعيده تلك اللقطة إلى اجتهاد ممثل المسرح وجهوده التي لا يتوانى عن إظهارها حتى في مشهد تلفزيوني واحد. «كنت أعمل بتقنيات المسرح لأنّني كنت أجهل تقنيات التلفزيون ولغة التكثيف والتعامل الصحيح مع اللقطة. لكنّني كنت أرى في عيون كل من حولي نظرة إعجاب ما، وتنبؤاً لي بمستقبل جيد على المستوى المهني».
لم يضع عمايري مثلاً أعلى نصب عينيه، لكنّه تأثّر وتعلّم من كلّ من التقى بهم أو قرأ لهم. «تأثرت بالجميع بدءاً من أفلاطون وصولاً إلى أمي». الأنثى أخذت حيزاً كبيراً من حياته. من بيت عائلته الذي تربى فيه على احترام أختيه الأكبر منه، وصولاً إلى نصوص مسرحياته التي كتبها وأخرجها: «صدى»، و«فوضى» و«تكتيك»... «كانت علاقتي بالأنثى علاقة متكاملة. أشعر بقوة الرابط بيني وبينها أكثر من علاقتي مع الرجال». هكذا مرت في حياة عمايري نساء لسن بكثيرات، حتى جاءت أمل عرفة لتختصر له كل ذاك العالم. «أمل صديقتي منذ البداية. وعندما قررنا الزواج، اتفقنا على أن نبقى صديقين. عندما نختلف، أسألها إن كنا صديقين وهو المَخرج الوحيد لنا من أي خلاف»، يخبرنا.
قدوم ابنتيه سلمى ومريم جعل علاقته بالأنثى تتعمّق أكثر. أجمل لحظات حياته يقضيها بالقرب منهما. «كل ما تعلمته من التمثيل قد لا يوازي ما تعلمته من العودة إلى عالم الطفولة»، يقول. يفكر عمايري في عائلته كثيراً، حتى إنه ينتظر اليوم الذي يقرر فيه الاعتزال ليبقى معها... لكنّه لن يفعل ذلك حتّى يشعر بأنّه وصل إلى ضمان كل احتياجات عائلته. يواري خوفه من اتخاذه هذا القرار، لكنّ الجهد الذي بذله مع شريكته أمل عرفة قد أضناهما. هكذا، قررا أن يبعدا ابنتيهما عن هذا النوع من العمل حتى يوفرا عليهما التعب الذي أحاط بهما خلال مشوارهما الفني.
ذكريات كثيرة لا تزال تحضر في حياة عمايري بكل جموحها. أكثرها حضوراً حتى الآن، لحظة قرر معظم طلاب دفعته في «المعهد العالي للفنون المسرحية» إبعاده عن المعهد. «لم يكن هناك سبب غير تفوقي كممثل». في المقابل، يتذكّر بنشوة لحظة فوزه بجائزة أفضل عرض وأفضل إخراج خلال «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» عن عرضه المسرحي «فوضى» عام 2005.
اليوم، ينهي عمايري تجسيد مشاهده لأكثر من دور تلفزيوني: في مسلسل «لعنة الطين» لأحمد إبراهيم أحمد، و«الخبز الحرام» لتامر إسحق، و«ما بعد السقوط» لسامر البرقاوي، إضافةً إلى بعض اللوحات في مسلسل «بقعة ضوء» لناجي طعمي. كذلك يضع اللمسات الأخيرة على مجموعته القصصية الأولى التي ستحمل عنوان «ماذا لو؟»، ويستمتع بصداقته الجميلة مع من يسميه «آخر الشعراء الصعاليك لقمان ديركي». رغم الوضوح في شخصية عمايري، وقدرته الدائمة على تصدير شعور مريح لمن حوله، بقي يختزن أغلب أسراره من دون أن يسمح لنفسه بلحظات بوح.
«قد يكون للاعتداد بالنفس دور في هذا الأمر، أو ربما الخجل الذي يرافقني. صحيح أنني ممثل، لكنني حتى اليوم لا أعرف المصارحة إلا أمام نفسي».
5 تواريخ
1970
الولادة في دمشق
1995
تخرج من «المعهد العالي للفنون المسرحية»
1998
دوره الأوّل أمام كاميرا هيثم حقي في مسلسل «الثريا»
2005
جائزة أفضل عرض وإخراج لـ«فوضى» في «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي»
2010
انتهى من تصوير ثلاثة مسلسلات سوريّة من بطولته للموسم الرمضاني
وسام كنعان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد