هكذا يبني الصحافيون... العالم
صناعة الأخبار، مصادرها، علاقتها بالديموقراطية، الانحياز والتغيرات الحديثة في الصحافة، عناوين يناقشها مايكل سكدسن في كتابه «علم اجتماع الأخبار» الذي ترجمه إلى العربية أحمد رمو، ونشرته «الهيئة العامة السورية للكتاب» أخيراً.
يروي سكدسن في مقدمة كتابه قصة الصحافي الشاب لنكولن ستيفنس الذي ساهم في ظهور «موجة الجريمة» في نيويورك في تسعينات القرن التاسع عشر، كما ساهم في إيقافها، بمجرد تغييره كثافة أخبار الجرائم المنقولة عبر صفحات الصحف.
من ستيفنس يخرج سكدسن إلى فكرة «بناء الصحافيين العالمَ» من طريق الانتقاء وتسليط الضوء... والتعتيم، ما ينشر انطباعاً بأنهم يقدمون العالم الحقيقي لجمهورهم، ويتحول هذا العالم في النهاية إلى حقيقي حقاً.
فما هو الحقيقي؟ يجيب عالم الاجتماع جاي تتشمان قائلاً: «الحقائق هي معلومات مناسبة جُمعت بطرق متفق عليها مهنياً تحدد العلاقة بين ما يُعرف وكيف يُعرف».
تقود فكرة الانتقاء إلى الانحياز الذي استبدله العالم الاجتماعي بفكرة «التأطير»، والأطر في وسائل الإعلام هي «مبادئ الانتقاء، والتشديد والعرض، والتي تتألف من النظريات الضمنية الصغيرة حول ما يكون، وما يحدث، وما يهم».
ويلعب كاتب القصة وخلفيته دوراً مهماً في هذه المعادلة، فعندما يكتب القصة شخص من الأقليات، أو ممن عايش الفقر وسوء الحظ، يتسع المجتمع الذي تعرضه الأخبار ويتغير.
غطى مراسل صحيفة «سان فرنسيسكو كرونكل» راندي شيلتس كل ما يتعلق بمرض الإيدز لصحيفته، وقال في أحد لقاءاته: «كان يمكن أي مراسل جيد أن ينجز هذه القصة، لكنني أنجزتها شخصياً لأنني شاذ جنسياً وصادف أنني أهتم بهؤلاء الناس وأحبهم».
التأثير الفردي للصحافيين في «انحياز» ما يكتبون لا يغير من حقيقة انحياز وسائل الإعلام إلى الآراء التقليدية أكثر من الآراء المتعارضة، وإلى الجماعات ذات المراتب الرفيعة والدخول (الرواتب) العالية أكثر من الجماعات الفقيرة.
كما يدرس سكدسن التغيرات التي طرأت على الصحافة، في أميركا في شكل أساسي، بعدما انفصلت عن الأحزاب والحركات السياسية وارتبطت بالمؤسسات التجارية، والذي ساعد في رأيه على «حماية إنتاج الأخبار من الحكومة وتحريرها من تسلط الأحزاب، وخروج مبدأ الموضوعية إلى السطح».
علاقة الصحف بالاستهلاك غيّرت من طبيعة التحرير، فطغت الأخبار المنوعة على حساب تغطية القضايا المعقدة، وتضاءل الاهتمام بالقضايا السياسية في مقابل أسلوب الحياة والتسلية والفضيحة... حتى أصبحت أساليب نقل الأخبار أكثر «شكلية وخصوصية».
ويزداد اطمئنان قسم الأخبار كلما ازدادت المتعة التي تقدمها الإعلانات المبوبة والرسوم الكاريكاتورية والكلمات المتقاطعة وإعلانات الزواج.
إحدى نتائج هذا التحول في الصحافة هي ظهور ما يسمّيهم سكدسن «أشباه الصحافيين»، وهم الوكلاء الإعلانيون أو وكلاء الدعاية، حتى عدلت الأخبار عن كونها «ما يحدث وإنما ما يقول أحدهم إنها حدثت أو ستحدث»، بحسب العالم السياسي ليون سيجال.
وتعتبر البيروقراطيات المصدر الذي لا ينضب للمواد الإخبارية الخام الموثّقة، للصحافيين «الكسالى» الذين ينتظرون وصول الخبر إليهم في غرفة التحرير.
علاقة الديموقراطية بالصحافة شكلّت مبحثاً جدلياً في كتاب «علم اجتماع الأخبار»، إذ يستخدم سكدسن مثال «معايشة الصحافة للمستبدّين والأنظمة الديكتاتورية لعقود» لدحض فكرة ان الصحافة توفر الديموقراطية، مؤكداً أن الصحافة بحد ذاتها ليست ديموقراطية لكنها خطوة أساسية على طريق تحقيق الديموقراطية.
يقول عالم الاقتصاد الفائز بجائزة نوبل الذي درس الجوع في العالم أمارتيا سين: «لم تحدث أبداً مجاعة حقيقية في بلد فيه شكل ديموقراطي لحكومة وصحافة حرّة نسبياً».
وتشير إحصاءات مؤسسة «فريدوم هاوس» إلى أن 69 دولة في العالم فقط تتمتع صحافتها بالحريّة، بينما تملك صحافة 51 دولة أخرى حريّة جزئية، و66 دولة هي محرومة تماماً من حريّة الصحافة.
زينة أرحيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد