عن رحيـل «الأم» نبيلـة النابلـسي
رحلت «الأم» نبيلة النابلسي.. ولقب الأم هنا لا يحدّده دفتر العائلة وعدد الأولاد فيه وحسب، كما لا يحدّده عدد أدوار الأم التي أدّتها النابلسي على امتداد حياتها... ببساطة لقب الأم هو ممارسة وفعل كانت الراحلة تبديه أمام آلة التصوير كما خلفها وبعيداً عنها على حد سواء. ثلاث نقاط يستطيع المرء أن يتعلّمها من مسيرة الراحلة نبيلة النابلسي الحياتية والفنية:
في الحياة يتعلّم المرء من نبيلة النابلسي معنى أن تكون المرأة أماً... وهل من بلاغة في المعنى أكثر من أن تواجه الأم مع ابنها محنة إصابته بشلل الأطفال منذ صغره، وتحمله أكثر من عشرين عاماَ في رحلة مقاومة المرض وعلاجه. هل من بلاغة في وصف فيض حنانها أكبر من القول إنّ الكثيرين في الوسط الفني يفضّلون مناداة نبيلة النابلسي بلقب «ماما».. وأن يتفق الجميع على أن «نبيلة النابلسي «ما بتقصر» وتقف مع الجميع في محنهم».
في الفن يتعلم المرء من نبيلة النابلسي معنى الإخلاص للفن، والإخلاص للفن في حياة نبيلة، ربما تختصره حكاية يعرفها جميع العاملين في مسلسل «ليالي الصالحية» للمخرج بسام الملا، الذي أدت فيه الفنانة النابلسي دور زوجة المختار «أم حاتم»، وفيه تعثّرت السيدة بثوبها الطويل وهي تنزل درجات البيت الشامي المرتفعة، فسقطت وكسرت ساقيها، الأمر الذي استدعى نقلها إلى المستشفى. لكن نبيلة سرعان ما غادرت المستشفى في اليوم الثاني لتلتحق بفريق عمل «ليالي الصالحية» وتتابع تصوير بقية مشاهدها وهي جالسة بسبب كسر ساقيها..
تروي الراحلة الحادثة، ثم تبتسم معلّقة: «ربما تكون المرة الأولى في العالم التي يتم فيها إحضار فنان من المستشفى في اليوم الثاني على إصابته وساقاه مكسورتان ليكمل دوره في المسلسل».
وفي الفن يتعلّم المرء من نبيلة معنى الصدق في الأداء.. فهذه المرأة التي اكتفت في السنوات الأخيرة بأداء دور الأم، كانت قد خدعتنا جميعاً حين نجحت بتلوين أدائها على إيقاع شخصيات نمطية للأم كان المخرجون قد أطّروها فيها، هكذا في كلّ مرة كانت نبيلة النابلسي تؤدي شخصيات أمهات تكاد تكون متشابهة على الورق، ولكنّها في كل مرة كان تضفي عليها ما يجعل كلّ شخصية منها مختلفة عن الأخرى، محطّمة بأدواتها كممثلة أيّ تأطير قدرته لها طبيعة أدوار الأم التي تعرض عليها.
عملت الراحلة نبيلة النابلسي في السينما والتلفزيون، ولعلّ الفتاة التي اكتشفها نبيل المالح وقدّمها في أول أدوارها السينمائية في فيلم المخاض من ثلاثية «رجال تحت الشمس» عن رواية للشهيد غسان كنفاني، لم تكن لتحب العمل في التلفزيون، مع أدوار في أعمال سينمائية مهمة منها «العار» للمخرج وديع يوسف، و«وجه آخر للحب» للمخرج محمد شاهين و«دمي ودموعي وابتسامتي» للمخرج حسين كمال، وأخيراً «ناجي العلي» للمخرج عاطف الطيب..
ومن أهم أدوارها المسرحية: لحظة من فضلك، ومطلوب من مسؤول، وشباب آخر زمن، وخيوط العنكبوت.
وكانت سنوات المخاض التي عاشتها السينما السورية كفيلة بأن تدفع الفنانة النابلسي للعمل في التلفزيون كمرحلة «مؤقتة»، فعملت بداية مع المخرج غسان جبري في مسلسل «دموع الملائكة» للكاتب محمود دياب والمخرج غسان جبري عام 1986، قبلها كانت الفنانة النابلسي قد غابت نحو ثماني سنوات، تزوجت خلالها وأنجبت ولديها سامر وأنس.
وكان دور نبيلة النابلسي في «الفصول الأربعة» للمخرج حاتم علي الأبرز في تجربتها الفنية ولا سيما أنّها قدّمت في شخصيتها في آن واحد دور الأم والجدة وزوجة الأخ... وأبدت فيه ديناميكية كبيرة في الأداء وعلى نحو ينسجم مع طبيعة الحلقات المنفصلة للمسلسل...
أما آخر أدوارها فكان في مسلسل «ليس سراباً» للمخرج المثنى صبح منذ عامين، بعدها أقعدها المرض في البيت، لتبدأ رحلة مواجهته على أمل أن تستطيع العودة للوقوف أمام الكاميرا.. ولكن نبيلة النابلسي وبعد غياب موسمين اثنين، خلفت لأول مرة وعدها مع هذه الكاميرا، فغابت برحيلها عن واحد وستين عاماَ.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد