الوثائقي «أكاذيب محرّمة» وجاذبية الموضوع والأسلوب
أقل ما يمكن أن يقال حول الفــيلم الوثائقي الطويل «أكاذيب محـرّمة» للمخرجة الأسترالية أنا براونسكي أنه جذّاب. ولا تكمن جاذبيته في اختياره للموضوع بحدّ ذاته، ألا وهو صورة العرب والمسلمين عند الغرب، بل لكونه أجرى تحقيقاً في صحّة وقائع كتاب «الحبّ المحرّم»، الذي كتبته الأميركية - الأردنية الأصل نورما خوري.
وتدور أحداث الكتاب الذي نشر في العام 2003، عن يوميات خوري في الأردن التي شهدت جريمة شرف بحقّ صديقتها داليا، وقد قتلها والدها وشقيقها لمواعدتها شاباً مسيحياً. وبتلك الأحداث تستهل براونسكي فيلمها، فتستعيد خوري بلسانها قصة صديقتها بطريقة لا تبتعد عن الصورة النمطية التي يرى الغرب فيها العرب والمسلمين. بعدها تتحول الكاميرا إلى تصوير شخصيات مختلفة حضرت لتفنيد ما روته الكاتبة، فيكتشف المشاهد أنه ابتلع مغالطات وأكاذيب كثيرة، كان يمكن أن يصدّقها بسهولة لو لم يعرّفه الفيلم بوقائع جديدة. فمثلاً نهر الأردن لا يمر بعمّان، ولا توجد صالونات حلاقة مختلطة في الأردن تقص فيها سيدة شعر رجل، وليس «كل» بنات ونساء الأردن مجبرات على تغطية شعورهن، أو على مرافقتهن الى خارج المنزل من قبل أحد ذكور العائلة. وهي أمور ذكرتها خوري في الكتاب واستعادتها في الفيلم على أنها «حقيقة» .
وقد برهن الفيلم أن نورما خلطت الحقائق بالأكاذيب، لتبدو الصورة مطابقة للتصور الغربي الرائج عن المرأة العربية الشرقية. وتلك كانت الوصفة السحرية التي حقق من خلالها «الحب المحرّم» مبيعات قياسية في كل اللغات التي ترجم إليها، فقد باع في أستراليا وحدها 200 ألف نسخة، وصنف من الكتب الأكثر مبيعاً.
وأتى التكذيب على لسان الصحافية الأردنية رنا الحسيني، فوصفت الكتّاب بالإهانة لكل امرأة عربية ومسلمة و«كل ما جاء به ملفق». وقد استعانت بالبحث عما يثبت تفاصيل ذكرتها خوري في كتابها، بمرافقة الكاميرا، الا أنها لم تجد أي منها.
ولعلّ ما يضيف سحراً وجاذبية إلى الفيلم، هو ارتكاز المخرجة على مبدأ الصدمات، بدءاً من تبيان عدم صدقية القصة التي روتها الكاتبة في الفقرة الأولى من الوثائقي، وصولاً الى الفقرة الثالثة عبر قرارها الغوص في شخصية الكاتبة نفسها. وهنا سألت: «هل نورما صادقة ومناضلة وصاحبة قضية، أم أنها مخادعة ومختلة وباحثة عن الشهرة؟»
ومن أجل الوصول للإجابة، بدأت براونسكي بالتفتيش عن اسم الضحية – صديقة نورما - في سجلات الطب الشرعي في عمّان، إلى اختبار الكاتبة بجهاز كشف الكذب. ومن ثم حاورت ناشر الكتاب حول تصديقه رواية نورما وتأكده لاحقاً من أنه خدع. لتنتقل إلى البحث في ماضي خوري الجنائي، ثم تتبع رد فعلها في كل مرحلة من المراحل، في تدرّج «سيكولوجي»، أدى إلى اكتشاف الخلل والاضطراب في شخصية الكاتبة، والوصول إلى إثباتات دامغة بأن قصة نورما خوري مختلقة.
رغم ذلك، لم يغب عن ذهن المشاهد أن جريمة الشرف عموماً موجودة في الأردن وأن هناك قياديات نسائية وحقوقية أردنية يعملن لمكافحتها، ومنهن رنا الحسيني نفسها، الأمر الذي تم التعبير عنه بوضوح في سياق الفيلم .
يذكر أن «أكاذيب محرّمة» فاز بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم تسجيلي طويل في مهرجان «الجزيرة» الدولي الرابع للفيلم التسجيلي في العام 2008، كما حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي وأفضل مونتاج من «المعهد الاسترالي للأفلام». وعرض الفيلم ونظمت حوله ندوة في «الهيئة الملكية للأفلام» في الأردن.
سها النقاش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد