حرب لبنان الثالثة: المقدمات والنتائج
الجمل: ظهرت مجدداً بعض التحليلات السياسية وتعليقات الخبراء التي تتحدث عما أطلقت عليه تسمية حرب لبنان الثالثة, وفي هذا الخصوص نشير إلى أن التوقعات باندلاع هذه الحرب انحصرت بشكل غالب في أوساط الدوائر الأمريكية والإسرائيلية, وبدرجة أقل في أوساط بعض الدوائر الأوروبية الغربية: فماهي حقيقة هذه الإحتمالات وماهي أبرز التصورات المتعلقة بها, وماهي دلالتها لجهة التوقيت والمعطيات الشرق أوسطية الجارية حالياً؟
- فرضية حرب لبنان الثالثة؟
درجت معطيات خبرة تطورات الوقائع والأحداث على التأكيد بشكل متزايد بأن التحليلات السياسية لا تظهر من الفراغ, بل توجد على الدوام ماتستند عليه من الوقائع والمعطيات, هذا, وتأسيساً على ذلك فإن التحليلات الجارية التي راهنت على احتمالات اندلاع حرب لبنان الثالثة لم تظهر من الفراغ, وفي هذا الخصوص, يشير المحلل السياسي الأمريكي دانييل سي كورنزير الخبير في مركز العلاقات الخارجية الأمريكية, في ورقته البحثية التي حملت "حرب لبنان الثالثة" إلى بعض النقاط لجهة اعتبارها بمثابة مؤشرات الإنذار المبكر التي تفيد لجهة احتمالات اندلاع حرب لبنان الثالثة والنقاط تتمثل في الآتي:
- تزايد انتقادات حزب الله اللبناني ضد إسرائيل.
- تزايد انتقادات الإسرائيلين ضد حزب الله.
- تزايد استعدادات حزب الله اللبناني لاحتمالات مواجهة إسرائيل.
- تزايد استعدادات إسرائيل لجهة احتمالات المواجهة مع حزب الله اللبناني.
هذا, وتجدر الإشارة إلى أن الحديث عن فرضية حرب لبنان الثالثة قد برز أيضاً على خلفية الورقة البحثية التي سبق أن قام بإعدادها ديفيد شينكر خبير اللوبي الإسرائيلي المختص بشؤون سوريا ولبنان, ونشرها معهد أورشليم للسياسة العامة الذي يشرف عليه الخبير دوري غولد الليكودي النزعة والوثيق الصلة بزعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وأبرز ديفيد شينكر نفس الموضوع في الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
- السيناريوهات الافتراضية لإشعال حرب لبنان الثالثة:
تحدثت التحليلات السياسية عن مدى ثراء البيئة الشرق أوسطية وعلى وجه الخصوص الساحة السياسية اللبنانية بالمعطيات الجارية المؤاتية لجهة بناء الذرائع المؤدية للمواجهة العسكرية والحرب, وفي هذا الخصوص تطرقت الافتراضات إلى الآتي:
- افتراض أن يكون حزب الله اللبناني هو البادئ بإشعال الحرب. يرى هذا الافتراض باحتمالات أن يسعى حزب الله اللبناني إلى استغلال تحليق الطائرات الإسرائيلية في لبنان, أو يبادر بشن الهجوم لجهة تخفيف الضغط عن إيران, أو ربما أن تظهر المزيد من الخلافات داخل الحزب, فتضطر قيادة الحزب إلى إشعال الحرب من أجل إعادة توحيد صفوف الحزب.
- افتراض أن تكون إسرائيل هي البادئة في إشعال الحرب. يرى هذا الافتراض باحتمالات أن تسعى إسرائيل إلى إشعال الحرب عن طريق شتى وسائل الهجوم ضد مخازن أسلحة حزب الله أو قواعده المنتشرة في جنوب لبنان و البقاع, أو مهاجمة أي أهداف أخرى تحت ذريعة أنها تابعة لحزب الله.
يقول الخبير دانييل سي كورتزير في معرض تقييم هذا الافتراض بالآتي:
- الاحتمال الضعيف الحدوث هو أن يسعى حزب الله اللبناني إلى البدء بإشعال الحرب ضد إسرائيل.
- الاحتمال القوي الحدوث هو أن تسعى إسرائيل إلى البدء في إشعال الحرب ضد لبنان.
وإضافة لذلك أكد الخبير دانييل سي كورتزير, بأن إسرائيل درجت على الدوام لجهة السعي لإستثمار الفرصة العملياتية, وبالتالي, فعلى الأرجح أن تكون إسرائيل فد رتبت العديد من سيناريوهات إشعال الحرب الجديدة الثالثة ضد لبنان, وتبدو النوايا الإسرائيلية واضحة تمام الوضوح من خلال إجماع المسؤولين الإسرائيلين والرأي العام الإسرائيلي حول ضرورة أن تسعى إسرائيل لجهة الخيار العسكري من أجل إضعاف قدرات حزب الله اللبناني بحيث تكون ضمن أقل حد ممكن..
- خارطة حرب لبنان الثالثة: أبرز الملامح العامة
تشير المعطيات والتحليلات إلى وجود العديد من التخمينات المتعلقة باستقرار الأوضاع الكلية العامة والأوضاع الجزئية الفرعية المتعلقة بالصراع اللبناني – الإسرائيلي, وتحديداً صراع حزب الله اللبناني مع القوات الإسرائيلية, وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى النقاط الرئيسية البارزة في الخارطة على النحو الآتي:
- السياق: يتضمن وجود خلفية سياسية لبنانية ذات مستويين, الأول مستوى داخلي, ويتضمن وجود العديد من الخلافات والخصومات المتجددة العداوة, وعلى وجه الخصوص على خلفية ملفات تفكيك شبكات التجسس الإسرائيلية, إضافة إلى وجود الزعماء السياسيين الأكثر ارتباطاً بإسرائيل وحلفاءها, والثاني مستوى خارجي, ويتضمن وجود العديد من الملفات الإقليمية والدولية التي تتقاطع بشكل حاد ضمن الساحة السياسية اللبنانية, منها ملف أمن إسرائيل الذي يشكل أحد أهم العوامل المحفزة للتحركات الأمريكية والأوروبية الغربية في منطقة الشرق الأوسط عامة, ولبنان خاصة, وأيضاً ملف البرنامج النووي الإيراني, وملف الضربة العسكرية المحتملة لإسرائيل ضد إيران, إضافة إلى رغبة إسرائيل المتزايدة لجهة استخدام الساحة اللبنانية كوسيلة تهديد ضد سوريا, وإضافة لذلك هناك ملف المحكمة الدولية, والذي تسعى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدامه هذه المرة ضمن مفاعيل الحراك باتجاه استهداف حزب الله اللبناني.
- الفاعلين: يوجد عدد كبير من اللاعبين الفاعلين في الساحة السياسية اللبنانية, وعلى المستوى الأول اللاعبين المحليين: حزب الله اللبناني – تيار المستقبل– حركة القوات اللبنانية – حزب الكتائب – حركة أمل. إضافة إلى الحكومة اللبنانية (السطلة التنفيذية) ومجلس النواي اللبناني ( السلطة التشريعية). وعلى المستوى الإقيلمي توجد: سوريا والسعودية وإيران وإسرائيل.. وأما على المستوى الدولي فتوجد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبدرجة أقل بعض دول الاتحاد الأوروبي, إضافة إلى الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والجامعة العربية..
- القضايا: توجد الكثير من القضايا العالقة بلا حل في الساحة السياسية اللبنانية, وجميع هذه القضايا يمكن أن تصلح لجهة الاستخدام والتوظيف في حملة بناء الذرائع المبررة لإشعال الحرب فهناك: ملف المحكمة الدولية – ملف الصراعات الطائفية – ملف الخصومات السياسية – ملف أسلحة المقاومة اللبنانية – ملف القرار الدولي 1701 – ملف القرار الدولي 1009 – ملف القوات الدولية – ملف الخلافات في مجلس الوزراء اللبناني – ملف الخلافات في مجلس النواب اللبناني.. وهلمجرا..
بعد التوقيع على اتفاق الدوحة بدت الساحة السياسية اللبنانية أكثر قابلية لجهة المضي قدماً في طريق التفاعل بإيجابية أكبر مع الملفات الخلافية.. ولكن لاحقاً وبعد مرور فترة من الوقت بدأت هذه الإيجابية في التحول إلى سلبية، بما أصبح يمكن معه القول بأن عملية التعبئة الإيجابية الفاعلة بدأت تتحول آخذة شكل التحول باتجاه التعبئة السلبية الفاعلة، والتي لابد وأن تقصى في نهاية المطاف إلى أحد خيارين: الأول هو التهدئة والتوصل إلى اتفاق جديد.. والثاني هو الحرب، والتي إن لم تحدث بواسطة إسرائيل فمن المحتمل أن تحدث بواسطة الأطراف اللبنانية نفسها، وذلك ضمن سيناريو يمكن أن يسعى من خلاله أحد حلفاء محور واشنطن – تل أبيب إلى قدح الشرارة وإشعال النار، والتي تتيح لإسرائيل التدخل وتحويلها إلى حريق كبير في المنطقة..
-الموقف الأمريكي: القراءة بعيون واشنطن
يقول الخبير الأمريكي بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية دانييل سي بأن واشنطن تواجه حالياً احتمالات مواجهة وضع طارئ في لبنان, وفي هذا الخصوص فإن الخيارات المتاحة الآن أمام واشنطن هي خمسة:
- خيار ردع إسرائيل من مغبة السعي لإشعال الحرب في لبنان.. مع التأكيد لإسرائيل بالتزام أمريكا لجهة الوقوف إلى جانبها..
- خيار التحرك المبكر وإسقاط الترتيبات الدبلوماسية الوقائية الأمريكية في المنطقة.
- خيار تكثيف الضغوط الأمريكية على سوريا
- خيار التفاوض مع حزب الله اللبناني والحكومة اللبنانية.
- خيار التوافق مع إسرائيل لجهة القيام بشن حرب محدودة.
وإضافة لذلك أشار الخبير دانييل سي كورتزير إلى ضرورة أن تسعى واشنطن لجهة إعداد نفسها من أجل التصرف إزاء احتمالات حدوث أي وضع طارئ, وذلك بما يتيح لواشنطن القدرة والفاعلية في السيطرة على تداعيات تطورات الأحداث والوقائع, وفي هذا الخصوص يتوجب على واشنطن الاستعداد المبكر لجهة القيام بالآتي لخيار إذا اندلعت الحرب:
- خيار تعزيز مساعي السيطرة على السلوك الإسرائيلي.
- خيار دعم إسرائيل وفي الوقت نفسه السعي من أجل ضبط إسرائيل.
- خيار دعم إسرائيل بشكل غير محدود مع القيام بإدانة حزب الله اللبناني وسوريا وإيران.
- تأطير أزمة الحرب ضمن مبادرة دبلوماسية أمريكية واسعة.
هذا, وعلى خلفية هذه الخيارات, أكد الخبير دانييل سي كورتزير, بأنه وبرغم كل شيء, فإنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسعى من أجل الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة على مستويين, الأول لجهة الاسستقرار والتحضير الجيد لاحتمالات اندلاع الحرب, والثاني لجهة الاستقرار والتحضير الجيد لاحتمالات دبلوماسية مبادرة مابعد الحرب..
القراءة في معطيات الوقائع والأحداث الجارية على جانبي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية تشير بكل وضوح إلى أن حزب الله اللبناني لن يسعى لإشعال الحرب، وأن إسرائيل هي التي سوف تسعى لإشعال هذه الحرب، إذا تأكد للإسرائيلين بأن نتيجتها سوف تكون مضمونة لصالح إسرائيل.. وعلى مايبدو, فإن واشنطن ماتزال غير قادرة على ضبط الإنفلات الإسرائيلي والذي أصبح معظم الخبراء الأمريكين أكثر إدراكاً بأنه انفلات سوف لن يترتب عليه سوى إلحاق المزيد من الأضرار بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والعديد من أنحاء العالم الأخرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد