«The actor» سماجة الطرح واستغباء المشاهد
الجمل - أنس زرزر: قبل عدة أشهر عقد فريق العمل المشرف على برنامج the actor » الممثل» مؤتمراً صحفياً في فندق الشيراتون بدمشق، قدمت فيه خطة عمله وفكرة البرنامج الذي انتهت حلقاته مؤخراً على شاشة تلفزيون الدنيا، عندها اعترض بعض الحضور وأولهم الفنان أسعد فضة على منهجية العمل المقترحة، والتي تتلخص باختيار عدد من المشتركين وإخضاعهم لدورة أعداد ممثل مكثفة ومن ثم أجراء تصفيات على عدة مراحل لاختيار الفائز الذي ستعمل إدارة محطة الدنيا الفضائية على تأمين دور بطولة في إحدى المسلسلات للمثل النجم الذي تلقى علوم التمثيل كلها في زمن قياسي! عندها اعترض فضة على المنهج العملي المشتت وفكرة البرنامج بحد ذاتها معتبراً أن فترة الإعداد قصيرة جداً وغير الكافية ولن يستطيع أحد من المشاركين مهما كان يمتلك من موهبة استثنائية الوقوف أمام الجمهور وتحقيق النجاح والشهرة، مستشهداً بالمناهج المتعبة في المعهد العالي للفنون المسرحية والتي تتطلب أربع سنوات كاملة من التدريس والتدريب المكثف، هذا ما لاقى تأييداً من قبل بعض الصحفيين والإعلاميين والمهتمين الذين حضروا المؤتمر، وفي معرب دفاعهم عن البرنامج وفكرته شرح محمد كفرسوساني مدير البرامج السابق في قناة الدنيا وعلي ديوب مخرج البرنامج –والذي تنحى عن إخراجه لاحقاً بعد فشله في السيطرة على برنامج يبث على الهواء مباشرة!- إن خطة عمل البرنامج ستوفر حصول كل مشترك على قدر كاف من التدريب والخبرة، أما الهدف الأساسي من البرنامج ليس تجارياً أو دعائياً بل هو تشجيع الشباب السوري الموهوب على تقديم أنفسهم ضمن شروط فنية وأكاديمية مناسبة، لكن الذي تابع حلقات the actor بمراحله المختلفة يمكنه أن يدرك مدى الفوضى والفشل التي رافقت البرنامج حتى لحظاته الأخيرة.
بعد الحلقات الأولى من البرنامج التي عرضت التصفيات لعدد كبير من المشتركين، اختارت اللجنة التي تألفت من الدكتور سامر عمران والممثل باسل خياط والنجمة يارا صبري 15 مشتركاً للانتقال إلى المرحلة الثانية، لندخل بعدها في إطالة غير مبررة استمرت لأسابيع طويلة، لدرجة تحول معها البرنامج إلى رحلة ترفيهية وممتعة عاشها المشتركون 15 في إحدى المنتجعات السياحية الكبرى، عندما أختصر معد البرنامج مع فريق عمله الفني والتقني المساحة المخصصة لاطلاع المشاهد على مراحل التدريب والإعداد، بينما حظيت الفقرات الترفيهية والأنشطة والتسالي بحصة الأسد من كل حلقة، وهنا نطرح التساؤل التالي هل المشاهد معنى بتفاصيل الحياة اليومية للمشتركين؟ وما الذي يعنينا بالمشتركين كيف يأكلون ويشربون ويتسامرون؟ كان من الممكن يضع معد البرنامج الأستاذ خيام قدور خطة ذكية تتضمن مجموعة من محطات والمواقف التي تعرف الجمهور على السوية الثقافية والفنية التي يتمتع كل مشترك لا على خفة دمه المصطنعة غالباً من أجل كسب مودة واهتمام جمهور البرنامج، الذي بدأ يتململ ويبتعد تدريجياً عن المتابعة بعد أن مل انتظار المنافسة الحقيقية بين مجموعة الشباب المتحمس لأحراز اللقب والشهرة، أما أولى السقطات التي تعرض لها البرنامج جاءت مع الحلقة الأولى من حلقات التصفيات التي كان من المفترض أن تبث على الهواء مباشرة، فبعد أن دعت إدارة المحطة عدداً من الإعلاميين والمهتمين استمر التصوير أكثر من 7 ساعات متواصلة لكثرة الأخطاء التقنية والفنية هذا ما استنكره الحضور الذي بدأ بالانسحاب تدريجياً من الصالة، أيضاً لم يستطع المخرج إخفاء استياء لجنة التحكيم عن طريق المونتاج لتعليقاتهم وآرائهم حيث بدت الراكورات والأخطاء بشكل واضح، هذا ما اضطر إدارة المحطة استعداء المخرج سيف الدين سبيعي لإنقاذ البرنامج كما كلفت في الوقت نفسه المذيع ومقدمة البرامج ريم معروف في محاولة منها المحافظة على ماء الوجه بعد أن تكلفت كثيراً على ترفيه وتسلية المشتركين 15 بدلاً من الاعداد الجيد لانطلاقة البرنامج الحقيقة والمرتقبة. تتالت بعدها النكسات واستبدل عدد كبير من الفنيين بما فيهم مخرج المشاهد التمثيلية المبتذلة شكلاً ومضموناً وأداء في كل حلقة، كما أعرب مجمل الفنانين الضيوف عن استيائهم من سوية الشباب المشاركين كما حصل مع الفنان سليم صبري الذي لم يستطع لجم غضبه واستيائه الشديدين مما شاهده وهو المعروف عنه الهدوء والوقار في مثل هذه المواقف خاصة وأن أحلام وطموحات جميع المشتركين ربما ستتأثر بما سيقوله، كذلك رفضت اللجنة في إحدى الحلقات اختيار أحد من المشتركين الخمسة للانتقال إلى التصفيات النهائية لضعف أدائهم وسويتهم جميعاً، مما تتطلب أعادة الحلقة مرة أخرى والتي لم تكن الثانية أحست حالاً من سابقتها أو من بقية الحلقات جميعاً، والملفت في كل حلقة جديدة من البرنامج المسابقات الفنية الأول في فكرته ومضمونه الذي تقدمه محطة سورية لم يحقق مجمل المتسابقين تقدماً او تطوراً ملحوظاً لا في عروضهم المسرحية الهزيلة ولا في مشاهدهم التلفزيونية المسجلة، وبعد طول انتظار جاءت الحلقة الأخيرة التي ستعلن عن الممثل النجم المنتظر حاملة معها مفارقات بالجملة، انحصرت المنافسة بين محمد حسن وشربل كريم أما اللجنة فقد اختارت أن تعطي درجاتها الثلاثون إلى المتسابق محمد حسن الذي استحقها بجدارة لسرعة بديهته وأداءه المقنع بعكس منافسه شربل كريم الذي لا يتقن سوى البكائيات ومشاهد الميلودراما، لدرجة أنه استحضر حكاية وفاة والده أكثر من مرة في فقرة المونولوج دون أن يأتي بجديد، لكن النتيجة النهائية رجحت كفته وصدمت اللجنة والحضور الذي توقع فوز حسن، عندما اختاره تصويت الجمهور ليكون the actor إنها لعبة التصويت أذاً ولا شيء غيرها دون إعطاء التقييم الصحيح حقه وحيزه في تحديد الفائز الذي يستحق بالفعل هذا اللقب، ماذا لو كانت نسبة تصويت اللجنة 50% من أصل التويت؟ ربما اختلف النتيجة حتماً وفاز باللقب من كان يستحقه بالفعل، دعونا نتذكر هنا «برنامج استوديو الفن» الذي قدمته محطة l b c اللبنانية قبل سنوات والذي تخرج منه الكثير من الفنانين الحقيقيين الذين استطاعوا ان يثبتوا حضورهم على الساحة الفنية العربية والعالمية، في ذلك الوقت لم يكن هناك شيء يسمى تصويت الجمهور ولا لعبة رسائل sms التي تعود على المحطة بأرباح خيالية من جيوب الجمهور الذي يصطاد الطعم، من منا يتذكر من فاز بلقب برنامجي «سوبر ستار» أو «ستار أكاديمي» الذي يمكننا اعتبار the actor استنساخاً مبتذلاً لهما؟ إنها لعبة التصويت التي تغري المواطن العربي في تحديد مصير إنسان شاء له القدر أن يخوض منافسة أو الدخول في لعبة الربح أو الخسارة لا أكثر ولا أقل دون النظر في السوية الفنية أو الموهبة الحقيقية للمشترك الذي سيختاره، أما النتيجة فمن المؤكد أنها لن تبتعد كثيراً عن تلك التي قدمها لنا the actor مؤخراً.
الجمل
إضافة تعليق جديد