كيف نساعد أطفالنا في فهم حقيقة الموت؟
فجأة وجد نفسه وجهاً لوجه أمام حقيقة مؤلمة، ومازادها إيلاماً، كيف سيشرح لطفليه مفهوم الموت، وأن والدتهما التي لم يرتويا بعد من حنانها قد فارقت الحياة، إنه ليس بالأمر الهين على الكبار، ولكنه أكثر صعوبة وقسوة بالنسبة لبراءة طفولتهما وهما في السادسة والسابعة من عمرهما، ولم يدركا بعد الكثير من الحقائق في الحياة.
لم يكن هناك سبيل إلا باختراع كذبة صغيرة أمام حقيقة مؤلمة لانعرفها، فدعاهما للوداع الأخير وهي ممدة على سرير الموت بحجة أنها مريضة وستسافر لتلقي العلاج، فقبلاها وهما يتمنيان لها عودة قريبة لتحيطهما برعايتها وحبها ، ولم يدريا أنها لن ترجع أبداً، تلك الحقيقة التي اكتشفناها مع مرور الأيام، ومع تكرار السؤال عن موعد عودتها إلى أن أدركا أنه الموت ومن يذهب إليه لا يعود.
- غالباً ما نتهرب من شرح ماهية الموت للأطفال، ونحاول بشتى الطرق والأساليب للتحايل والدوران حول ذلك، خوفاً عليهم من الحزن من الصدمة وقسوتها، ولانجد أمامنا إلا ابتداع بعض الأكاذيب لشرح ما حدث بصورة مغلفة، مثل أن نقول لهم: « أخوك الآن مع الملائكة» أو « أمك ذهبت إلى السماء لترتاح» تلك الحيلة التي لجأ إليها المحيطون بالطفل« تيسير» الذي يبلغ من العمر سنتين، والآن وبعد أن بلغ الخمس سنوات، مازال ينظر إلى السماء ليخاطب والدته الغائبة عنه، ويدعوها ويرجوها للنزول إليه، لأنه اشتاق إليها ولعينيها وللمستها الحانية، وعندما تشتد حاجته إليها يصرخ بالمحيطين به، ليسأل عنها ويبكي، ويقول إنها لن ترجع لأنها ماتت، وليعيش في حالة من الاضطراب والترقب، بين اليأس تارة والأمل تارة أخرى...
- وهنا سؤال يتبادر إلى الذهن.. ما أفضل وسيلة لمساعدة الأطفال في التعامل مع موت أحد المحيطين أو المقربين، وخاصة أحد الوالدين؟ وهل نحاول أن نشرح لهم ماذا يعني، أم ننتظرهم حتى يكبروا ليتمكنوا من فهم حقيقة الموت؟..
فبهذا الخصوص أظهر بحث جديد نشر في مجلة علم النفس الاشتراكية ، أن أول مرة يبدأ فيها تطور فهم الأطفال للموت كسنة الحياة حول سن 5 أو 6 سنوات وفي الوقت نفسه يبدأ الأطفال في وضع نموذج مرئي في الكيفية التي يحفظ بها جسم الإنسان بعد الحياة.
- إن الكيفية التي ينقل بها خبر الموت، وكيف يعبر عن الحزن تتوقف على عوامل عديدة، من بينها عمر الطفل ونضجه العاطفي، ومدى قربه من المتوفى، والظروف التي أدت إلى الوفاة، فمعظم خبراء الطفل يوصون بأن حالة كل طفل ينبغي أن ينظر إليها كل على حدة، خاصة وأن الأطفال لا يعرفون كيف يعبرون عن مشاعرهم مثلما يفعل الكبار فالحزن هو رد فعل طبيعي يمثل الأسى ودرجات الحزن تختلف حسب الفجيعة.
إن الأطفال لا يعرفون ما يشعرون به، ولكن بعض الطرق التي يمكن أن يعبر فيها الطفل عن الحزن تتمثل بالآلام الجسدية مثل الصداع أو الآلام المعدية، وباضطرابات في النوم والأحلام المزعجة والكوابيس، أو أن يبلل فراشه، أو يرجع إلى عادة مص الإصبع أو باضطرابات الأكل، أو إحداث الشغب لجذب الاهتمام، أو بالشعور بالغضب وسرعة البكاء، وعدم القدرة على التركيز وتدهور الأداء المدرسي.
- ليس هناك طريقة مبسطة لشرح الموت للأطفال، ولكن الأبحاث أظهرت أنه من الأفضل أن يكون هناك صدق في التحدث إليهم وتبسيط المعلومات ، خاصة في حال فقد شخص وثيق الصلة، وكل طفل يختلف عن الآخر في قدرته على مدى استيعاب هذا الموضوع، وكيفية التعامل معه، كما يجد الأطفال صعوبة أكثر من البالغين في مواجهة الموت لأنهم ما زالوا في طور النمو العاطفي.
وبهذا الخصوص يقدم المختصون في علم النفس والتربية بعض المقترحات لمساعدة الطفل في التعامل مع الموت، منها ألا تتجنب الحديث عن الموت إذا سألك طفلك عنه، وإذا كان هناك وفاة أن تبين لطفلك أنه يمكنه البكاء والحزن وعدم كتمان مشاعره، وأن تكون بالقرب من طفلك لمنحه الحب والأمان خاصة أثناء الصدمة، كما ينبغي توفير بيئة آمنة ليستطيع التعبير عن مشاعره عن طريق الكتابة أو الرسم، والاتفاق مع مربيته والمدرسة لمساعدته وتفهم حالته النفسية، وإتاحة الوقت للحديث وطرح الأسئلة للتعبير عن مخاوفه، والاستعانة بشخص وثيق الصلة به إذا لم نتمكن من ذلك ، وألا يتم تجاهل حزن الأطفال، لأن ذلك سيزيد من الزعزعة العاطفية التي يشعرون بها، وعدم السخرية من الهلوسات السمعية والبصرية، لأنها بحسب رأي الخبراء قد تساعد الطفل بإعطائه الشعور بالراحة.
منال السماك
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد