بيئة واحدة وموقع تصوير موحد
الإقبال الواسع الذي شهدته دراما البيئة الشامية في السنوات الخمس الماضية دفع عدداً من شركات الإنتاج لتقديم أعمال مشابهة، حتى وصل عدد هذه المسلسلات الى 18، منها: «الحصرم الشامي» بأجزائه الثلاثة، «أولاد القيميرية» بجزءيه، «الشام العدية» بجزءيه، «أهل الراية» بجزءيه، «الدبور» بجزءيه، «أسعد الوراق»، «شام شريف»، إضافة إلى «باب الحارة» بأجزائه الخمسة...
يرى عدد من النقاد أن التشابه والاختلاف بين هذه الأعمال يبدأ بالطروحات مروراً بطرق المعالجة وانتهاءً بالعناصر الفنية المشاركة. لكنّ أكثر الأمور تشابهاً هي مواقع التصوير، إذ اعتمدت معظم هذه الأعمال على موقع موحد لتصوير الأحداث داخل الحارة الشامية... ونعني به موقع الرحبي في درعا جنوب دمشق الذي شيدته شركة «الرحبي للإنتاج الفني» لصحابها المخرج والمنتج السوري هيثم حقي. طبعاً لا ينطبق هذا الامر على مسلسل «باب الحارة»، مثلاً، الذي صوّر في القرية الشامية في دمشق التي شيدت خصيصاً له. التشابه في المواقع لم يتوقف عند الحارات، بل امتد الى البيوت العربية. فغالبية هذه الأعمال أيضاً تستخدم البيوت والأكسسوارات ذاتها. ويبدو الأمر جلياً في أعمال الموسم الحالي، بخاصة في مسلسلي «أهل الراية 2» و «الدبور»، ما يزيد حال التشابه بين هذه الأعمال...
ويعتبر كثر أن استخدام موقع مخصص لأعمال البيئة الشامية، يساهم في ارتفاع جودة العمل الدرامي على مستويات، أهمها المستوى الفني (الصوت والصورة). كما أنه يزيد صدقية العمل ومرجعيته التاريخية، ويضيف لمسة فنية ويفسح في المجال للخيال ليكون محركاً فاعلاً في تطور الفعل الدرامي. لكن هذه الأمور بدأت بالانحسار نتيجة الاستخدام المتكرر للموقع نفسه، كما أنها اتخذت مفعولاً عكسياً. فالاستخدام المتكرر أفرغها من صيغتها الفنية المتفردة، وأثر في شكل كبير في المرجعية التاريخية والصدقية الفنية التي قد تحملها هذه الأعمال. ذلك ان الفروق التاريخية بين هذه الأعمال كبيرة، وتصل في بعض الأحيان الى ما يزيد عن 500 عام في بعض الأحيان، ومع ذلك يبقى الطراز العمراني متشابهاً ومتكرراً فيها... كل هذا من دون ذكر الاستخدام المتكرر للممثلين نفسهم في تلك الأعمال والتي أضحى معها من الصعب على المشاهد التفريق بين الشخوص من عمل الى آخر....
ولعل السبب الرئيس الذي يدفع شركات الإنتاج لاستخدام الموقع ذاته والاستعاضة عن بناء مواقع جديدة، يعود في المقام الأول الى ضغط النفقات، كما أنه يساهم في توفير الوقت والجهد. لكن ذلك لم يعد مقنعاً، مع تزايد عدد مسلسلات البيئة الشامية. من هنا، فإن شركات الإنتاج مطالبة بسدّ هذه الثغرة إن أرادت لهذه الأعمال النجاح. وإذا لم يكن بناء مواقع جديدة ضمن قدرات شركات الإنتاج المالية، فمن الأجدى البحث عن مواقع واقعية داخل مدينة دمشق تكون قادرة على احتضان هذه الأعمال. والأمر ذاته ينطبق على البيوت العربية التي يجب التجديد فيها، واختيار منازل غير مكررة، خوفاً من الوقوع في التكرار او التنميط الذي بدأت أعمال البيئة الشامية تزج نفسها فيه.
غيث حمور
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد