شرخ بين النقاد والجمهور
ينتهي موسم الدراما الرمضانية 2010، تاركاً الكثير من الأسئلة الإشكالية التي ربما تستحق النقاش حولها حتى حلول الموسم المقبل. وفي الغالب لن نجد أجوبة جازمة لكثير من الأسئلة حولها..ومنها سؤال عن مصطلح العمل الجماهيري، الذي يبدو وفق ما انتهت إليه قائمة الأعمال الجماهيرية للموسم الحالي أنها لن تضمّ النقاد..بل حدث هذا العام شرخ واسع بين الجمهور وأصحاب الأقلام، أرى أنه في الغالب مرشح لمزيد من التوسع في الأعوام القادمة، ما دامت عملية الإنتاج الدرامي تبدو عرضة لمخاوف الخسارة. وطالما أن كثيرين ممن يديرونها يعتمدون في التخطيط والتفكير على قناعة حدسهم الغريزي الذي يحكم تجار السوق العاديين، بأن المنتج الذي يلقى بيعاً إضافياً هذا العام من شأنه أن يضمن بيعاً مكفولاً في العام القادم.
سلوك الإنتاج السابق من شأنه أن يكرس سيطرة ظاهرة في سوق الإنتاج الدرامي السوري يسميها الاقتصاديون في سوق الاستثمارات بـ«إتباع التوجه»..وهو الأمر الذي بدا واضحاً في إنتاج أعمال البيئة الشامية الذي شهد منذ النجاح الكبير الذي حققه الجزء الأول والثاني من مسلسل «باب الحارة»، ارتفاعاً ملحوظاً وصل إلى خمسة أعمال في أحد الأعوام وهو مرشح للاستمرار عامين على الأقل..فقد أعلن منذ الآن عن ثلاثة أعمال درامية ستنتج في رمضان 2011 تنتمي إلى أعمال البيئة الشامية هي: «طالع الفضة»، «خان الشكر»، والجزء الثاني من «الدبور»، وربما جزء سادس من «باب الحارة» ، إن رغب الجمهور بذلك بحسب تصريح لصناع العمل.
ووفق ظاهرة «إتباع التوجه» يبدو أن الأعمال الجماهيرية في الموسم الفائت هي من سترسم «التوجه» في العام اللاحق..ولا يمكن التكهن بقدرة النقاد على إحداث انحراف ولو جزئي في هذا التوجه، فقد سبق وعجزت آلاف الأوراق التي هاجمت «باب الحارة» عن أن تخفف شيئاً من جماهيريته أو حتى تخفف من اندفاع المنتجين نحو صناعة أعمال مماثلة..وهو السيناريو ذاته الذي نتوقع أن يعود ويتكرر مع عدة أعمال كوميدية تابعناها هذا العام، وجمعت حولها جمهور واسع عريض («أبو جانتي»، «صبايا»..)، ودخلت منافسة حقيقية مع مسلسلات البيئة الشامية («باب الحارة»، «أهل الراية»...) على لقب العمل الجماهيري عام 2010. في وقت يبدو النقاد في الطرف الأبعد، وتبدو كتاباتهم النقدية عاجزة عن التغيير..والنقد الذي لا يغير..كأنه لم يكتب.
في جميع الأحوال لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية مواكبة العملية النقدية للمنتج الدرامي، وبالتالي لا تعني النتائج التي انتهينا إليها أعلاه أن يقف النقد جانباً، موقف المتفرج..في الوقت ذاته وبالنظر إلى أن كثيراً من المنتجين ولا سيما الصغار منهم لا يحتملون الخسارة والكثير الكثير منهم يعملون بصيغة المنتج - المنفذ، وبالتالي لا يملكون القدرة، إلا بحدود دنيا، على صياغة شكل إنتاجي درامي خارج ما يريده الرأسمال. وهذا الأخير ينظر إلى سوق الدراما من نافذة سوق الإعلان لا من نافذة إنجاز مشاريع فنية..بالتالي لا يمكن أن نقول لهؤلاء لا تأبهوا بزخم البيع والإعلان الذي يحققه عمل ما واتجهوا نحو استثمارات درامية جديدة...والأمر سرعان ما سيزداد صعوبة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار واحدة من القناعات التي ترسّخت في سوق الإنتاج الدرامي، وهي أنه من الصعب المراهنة على أن هذا العمل الدرامي سيكون (ضارب) عند الجمهور، فكثيراً ما تنجز أعمال تستوفي كامل شروطها الفنية لكنها لا تلقى الحضور الجماهيري ذاته الذي قد يلقاه عمل صنع على عجل وباستسهال.
ما العمل إذاً..هل سيبقى الإنتاج الدرامي أسير أهواء جمهور لا يمكن بالأصل تحليل وتحديد ماذا يحب أو يكره..هل على صناع الدراما أن يستسلموا لقناعة «الجمهور عاوز كده» وأن يأخذوا الدراما السورية بقوة « إتباع التوجه» من موقعها كفن مسلٍ – مفيد إلى موقع تصير فيه مجرد مادة للاستهلاك..؟
بالتأكيد أن ذلك ليس قدراً..ولكن كل ما يحدث يستحق أن يبنى عليه، فالنقاد وصناع الدراما، مدعوون جميعاً لمجاهدة الأفكار الجاهزة عما يجب أن يكون..والالتفاف حول طاولة مستديرة نعيد فيها توصيف عمل درامي يحبه الجمهور ويقتنع به ويرضى عنه النقاد في آن معاً..وبذلك نبعد المنتج الدرامي عن شبح الخسارة والسقوط في هوة الاستهلاك أيضاً..فهل يمكن فعل ذلك..؟
بالغالب يمكن فعل ذلك ما لم يمارس كل منا، نقاد وصناع الدراما، العقلية الإلغائية تجاه ما يعتقده الآخر..ولنتذكر أن في تاريــخ الدراما الــسورية من أعمال ما يشهد على أن اجتماع النقاد والجمــهور مـمكن..لنتذكر «التغريبة الفلسطــينية» أو «بقعة ضوء1» أو «نهاية رجل شجاع»..ربما هي جميعها تصلح لأن يكون أكثر المتشائمين من مستقبل الدراما..محكوماً بالأمل.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد