الكنيسة المريمية من أقدم كنائس الشرق
يعود تاريخ الكنيسة المريمية إلى القرن الأول المسيحي، وأُعلن عنها في عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير، حيث اعترفت الدولة الرومانية لرعاياها بحريّة العبادة، وأصبح المسيحيون قادرين على إعلان إيمانهم صراحةً، دون التعرض إلى الاضطهاد، وظهرت الكنائس علانية، بعدما كانت حتى هذا التاريخ في الكهوف والدياميس.
تقع الكنيسة المريمية في منطقة دمشق القديمة إلى اليسار من الطريق المستقيم المتّجه إلى باب شرقي، وعلى الرغم من تعرّضها إلى الخراب عدّة مرات في التاريخ، إلا أنّها من الكنائس التي حافظ عليها الفتح الإسلامي، الذي دخل دمشق عام 635 م، حيث فتحت الجيوش العربية الإسلامية دمشق من بابين: الباب الشرقي بقيادة خالد بن الوليد لتعلن الحرب، ومن باب الجابية الغربي، بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح، معلنةً الصلح بوساطة سرجون النصراني، جدّ القديس يوحنّا الدمشقي، والتقى الجيشان عند المئذنة البيضاء بجوار الدار البطريركية الأنطاكية حالياً؛ أي الكنيسة المريمية، فأغلقت الكنيسة، واعتبرت من أملاك الدولة لوقوعها على الحدّ الفاصل بين دخول جناحي جيش المسلمين.
وبعد (635) تعرّضت الكنيسة المريمية إلى الإهمال، حتى العام 706 في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، حيث استعادت شيئاً من رونقها، وأعيدت الكنيسة إلى أصحابها تعويضاً لهم عن الجامع الأموي، فعمروها عمارة عظيمة، ثمّ احترقت عام 926، فأعاد بناءها في السنة عينها الخليفة العباسي المقتدر بالله، وتعرّضت للحريق عام 1009 بأمر من الحاكم بأمر اللّه الفاطمي، لكنّه عاد وسمح بإعمارها بعد عام واحد، وتخربت من جديد عام 1260، وأعيد بناؤها، ثمّ خرّبها جنود تيمورلنك عام 1400، ونهبوا كنوزها وأمتعتها وأوانيها... فأعاد البطريرك ميخائيل الثالث إعمارها، ورُمّمت، أو أعيد بناؤها، عام 1524م، ولمّا تشققت جدرانها بزلزال دمشق المدمر عام 1759، هدمها البطريرك دانيال، وأعاد إعمارها (1777)، وفي أحداث «سنة الطوشة» 1860 أحرقت وتخرّبت، فأعاد البطريرك إيروثيوس الأول بناءها، وضمّ إليها ساحة كنيسة كبريانوس ويوستينا، وألغى كنيسة القديس نيقولاوس لعدم الحاجة إليها، ودمج هذه الكنائس في كنيسة واحدة سمّيت «المريمية»، ثم جدّدها البطريرك ألكسندروس طحان عام 1953، وهدم سقفها المتشعث، وأعاد ما هُدم، وزخرفته بالنقوش والألوان والرسوم.
هذا، وتبرّع بترميمها وتجميلها المُحسن ميشيل مرهج عام 1998.
نعتب على مديرية دمشق القديمة، ومحافظة دمشق، بسبب العشوائية التي أتصفت بها عمليات ترميم الشارع المستقيم.. فبالرغم من أن حفريات الترميم كشفت عن مدن رومانية، لم نر منها إلا بعض الأعمدة التي وزعت على طرفي الشارع المستقيم.. وهذه الأعمدة تعرضت للكثير من التخريب والتكسير، حتى أن بعضها بات لايحمل أي قيمة عمرانية وفنية، ورحلة الأعمدة أو بقايا الأعمدة مع الاهمال بدأت منذ لحظة إخراجها من تحت الأرض، حيث تعرضت للتكسير لتكوم بعد ذلك بجانب سوق الهال، وبعد أن وضعت في المكان الذي تنتمي إليه، أكمل بعض الماريين مأساتها، فبينما حولها البعض إلى دفتر ذكريات، حولها بعضهم إلى مقاعد..
تتسع الكنيسة المريمية إلى ستمئة شخص، وتقام فيها الشعائر الدينية المختلفة، وهي مبنية على الطراز البيزنطي، تتوسطها قاعة، وعلى الجانبين منبران من الحجر لكلٍّ منهما سلماً ملتوياً، كانا يستخدمان لقراءة الإنجيل، وفيها على الجانبين اثنتان مما يسمى بالبيما، وهو مكان وقوف الكورال؛ أي الكورس الذي يردد الصلوات والتراتيل الدينية خلف الكاهن، والذي يقوم بالغناء الكورالي في الاحتفالات الدينية.
في واجهة الكنيسة توجد المنصّة الحمراء، التي يقف عليها الكهنة لتأدية الصلوات، وخلف الواجهة (المنصة الحمراء) يوجد المذبح، والغرف المخصصة للطقوس الدينية. يجاور المنصة عن اليمين واليسار مقاعد حمراء مخصصة للضيوف، وفي السابق خصّص المكان العلوي لصلاة النساء...
وسقف الكنيسة مصنوع من الخشب، ويعدّ لوحة فنية لما فيه من نقوض وزخارف، أمّا جدرانها، فهي لوحات فنية وأيقونات رائعة، أهمّها أيقونة المسكوبية، وللكنيسة فناء أمامي، وآخر جانبي، فيه البرج الجرسي للكنيسة..
¶ لابد لزائري الكنيسة المريمية من المرور بالشارع المستقيم، وهو الشارع الذي يحمل الكثير من الأهمية الدينية والتاريخية للدمشقيين.. بناه الرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وكان الشارع الرئيسي لمدينة دمشق القديمة، التي كان اسمها آنذاك «داماسكس»، وقد سمّى الرومان الشارع باسم فيا ريكتا (باللاتينية: Via Recta)؛ أي الطريق المستقيم، والشارع جاء بناؤه بما يتناسب وأسلوب بناء المدن اليونانية والرومانية؛ أي أسلوب البناء الشطرنجي الهلنستي، والمقسم بالشوارع الصغيرة إلى أحياء صغيرة..
وذكر الشارع المستقيم في الإنجيل، وذلك في سِفر أعمال الرسل، الإصحاح التاسع، الآيات من 10 إلى 11.. الشارع الحديث مقسم اليوم إلى قسمين؛ القسم الأول يعرف باسم شارع باب شرقي، ويمتد من قوس النصر، وحتى باب شرقي، أما القسم الثاني، فيعرف باسم شارع سوق مدحت باشا، وهو يمتد من باب الجابية وحتى قوس النصر، بعض أجزائه مغطاة بسقف حديدي.
في دمشق القديمة أيضاً، وتحديداً في حارة حنانيا تقع كنيسة التلميذ، واسمه حنانيا.
والكنيسة تقع تحت الأرض، لأنّها تعود إلى بدايات المسيحية، حيث كان المسيحيون يتعرّضون إلى الاضطهاد، لذلك كانوا يجتمعون في سراديب تحت الأرض، تحمل الكنيسة قيمة دينية كبيرة، لأنّ حنانيا عمّد فيها الرسول بولس.
آلاء عامر
المصدر: بلدنا
التعليقات
شو هيدا يا آلاء
إضافة تعليق جديد