الإعلام المصري «يصلّي» ضدّ الفتنة
في اليومَين الماضيَين عرض التلفزيون المصري لقطات من التظاهرات الشعبيّة التي تلت التفجير المروّع الذي طال «كنيسة القديسين» في الإسكندرية. وقد تكون هذه المرة الأولى التي يصرّ فيها التلفزيون الرسمي على تكرار هذه المشاهد. أما السبب فواضح: المتظاهرون كانوا يهتفون «يحيا الهلال مع الصليب»! ورغم أن التغطية الإعلامية الحكومية كانت متوقعة لجهة التركيز على أن التفجير الإرهابي أصاب كل المصريين من دون استثناء ــ وهو فعلاً ما شعر به القسم الأكبر من المواطنين ــ إلا أن التفسيرات والتبريرات اختلفت بين التلفزيون والشارع. رفض المصريون الذين عبّروا عن غضبهم على «فايسبوك»، تبريرات الحكومة بأن الإرهاب يقع في كل مكان في العالم ولا يمكن السيطرة عليه. بل إنّ السياسة الإعلامية الحكومية أكّدت بعد وقت قصير من الحادث أنّ آثاره انتهت سريعاً. هكذا أطلّ محمود سعد في «مصر النهاردة» (السبت الماضي) من أمام الكنيسة في الإسكندرية، واستضاف شخصيات بارزة ورجال دين مسلمين ومسيحيين، ركّزت جميعها على ضرورة عدم إلغاء احتفالات عيد الميلاد يوم الخميس المقبل، بينما فتح رئيس «مركز أخبار مصر» عبد اللطيف المناوي، الاستديو أمام الوجوه نفسها التي تتحدّث في القضايا المحلية والدولية مثل مصطفى الفقي، ونقيب الصحافيين مكرم محمد أحمد، ورئيس مجلس إدارة «الأهرام» عبد المنعم سعيد... باختصار، أعادت حادثة الكنيسة إلى برامج الـ«توك شو» بريقها بسبب التقارير التي صوِّرت في موقع الحادث، واستضافة محللين لا يغلب عليهم الطابع الحكومي. مثلاً، أطلّ الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ضياء رشوان مع منى الشاذلي على قناة «دريم»، وقال إن الحادث الأخير لا يمكن أن ينفصل عن باقي الحوادث الطائفية التي شهدتها الكنائس المصرية في العقد الأخير «حتى لو كانت أيادي «القاعدة» ظاهرة بوضوح في جريمة الإسكندرية». وقد أجمع أغلب المحللين على أنّ التفجير حصل بأياد مصرية، حتى لو كان تنظيم «القاعدة» هو من خطّط له.
وفيما أعلنت قناة «الحياة» مبادرة «معاً نصلي»، نقلت عن أسقف المعصرة وحلوان الأنبا بيشوي تأكيده عدم إلغاء البابا شنودة احتفالات عيد الميلاد (6 كانون الثاني/ يناير الجاري). أما «المحور» فالتزمت كعادتها وجهة النظر الرسمية، بينما تذكّر المصريون أول من أمس قناة «النيل للأخبار» التي لجأ إليها الجمهور خلال النهار لمعرفة تطورات الحادث قبل أن ينصرفوا إلى برامج الـ«توك شو» الليلية. ولم تتردّد القناة الحكومية في استضافة المصادر المحسوبة على الدولة فقط، وخصوصاً رؤساء تحرير الصحف الحكومية. ولم يقدّم هؤلاء أي جديد، بل بدا كلامهم أشبه بالـ«كليشهات» التي تخرج عند كل حادث طائفي. وتبقى الإشارة ضرورية إلى أنّ كل القنوات الرسمية والخاصة حرصت على تكرار كلمة الرئيس حسني مبارك التي وجّهها إلى المصريين بعد ساعات من وقوع الجريمة.
- مثلما كان متوقعاً، توالت ردود فعل الفنانين المصريين على جريمة الإسكندرية طوال يوم السبت الماضي، وإن جاء معظمها على شكل تصريحات أو نيات لا تبلغ مستوى تحرك حقيقي وفعّال.
هكذا، خرجت إسعاد يونس في برنامج «الحياة اليوم» على قناة «الحياة»، لتدعو الفنانين المصريين إلى حضور قداس عيد الميلاد يوم الخميس المقبل في الكنائس القريبة منهم. وشدّدت على أنّها اعتادت هذا الأمر منذ الصغر وقبل أن تشهد مصر الفتنة الطائفية والتفجيرات الإرهابية. لكنها هاجمت ما سمته وسائل الإعلام غير الواعية التي تسهم في زرع بذور الشقاق بين المصريين على أساس ديني. وفوراً، دشّنت القناة حملة «معاً نصلّي» دعت فيها المسلمين إلى حضور ليلة عيد الميلاد في الكنائس المصرية. وفيما كان يُفترض أن تظهر شيرين عبد الوهاب مع أنغام في برنامج «مصر النهاردة» لمناسبة الاحتفال بالعام الجديد، أُلغيت الدعوة، ودعا غروب المغنية على «فايسبوك» إلى التبرع بالدم للمصابين في الحادث الأليم. وطلب عادل إمام من المصريين وضع علم أسود على منازلهم، حداداً على أرواح ضحايا حادث «كنيسة القديسين» في الإسكندرية. وقال «الزعيم» في مداخلة مع برنامج «مصر النهاردة» إنّ هذا العلم الأسود سيكون أبلغ رد على المروعين لأمن المصريين والمغرضين، والساعين إلى زعزعة الاستقرار، وضرب الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة. وفي البرنامج نفسه، قال محمد منير إنّه عاد إلى القاهرة بعد إجراء عملية جراحية في ألمانيا، ليجد جرحاً أكبر، لم يشعر به مثلما شعر بجرح حادث الإسكندرية. وأضاف أنّه لا ينبغي أن يمرّ هذا الحادث مرور الكرام، «بل يجب تنظيم يوم للغضب يشارك فيه جميع شعب مصر، ضد من يحاولون ضرب الوحدة الوطنية». وفي الإطار نفسه، أصدرت نقابة المهن التمثيلية بياناً تقليدياً أدانت فيه الحادث، بينما صرّح الممثل لطفي لبيب بأنّ ما جرى في الإسكندرية حادث إرهابي وليس طائفياً، واستهدف مصر كلها لا المسيحيين فقط. وأضاف أنّه يشعر بالحزن الشديد كمواطن مصري وليس كمسيحي فقط، مع ذلك، فهو لا يتوقع أن يتحول الحادث إلى فتنة طائفية لأنّ «الشعب المصري أصبح واعياً لما يحاك ضده من ألاعيب ومؤامرات». وعلى المنوال نفسه، قالت الفنانة هالة صدقي إنّ الهجمة الإرهابية الأخيرة على كنيسة الإسكندرية، أصابت المصريين جميعاً بالألم والحزن في أول أيام العام الجديد «إلا أنّه كان لها تأثير عكسي، وهو وحدة مشاعر المسيحيين والمسلمين».
-تضامن فني
مثلما جرت العادة، لم يفوّت المغنّي المصري تامر حسني، فرصة التعليق على حادثة تفجير الكنيسة في الإسكندرية، لكن هذه المرة أيضاً، اختار «نجم الجيل» شكلاً خاصاً للتضامن مع الضحايا وأهاليهم من خلال... إقامة حفلات غنائية، وكأن هذه الحادثة المفجعة مناسِبة لتقديم أغان مثل «يا بنت الإيه»، و«أجمل حاجة بحبها فيكي».... وكان تامر حسني قد اختار برنامج «الكورة مع شوبير» على قناة «مودرن كورة» للتعبير عن تضامنه مع الضحايا الأقباط الذين سقطوا ليلة رأس السنة في التفجير الإرهابي. ولم يترّدد مقدم البرنامج أحمد شوبير في أن يطلب منه تقديم حفلات مماثلة للأقباط الذين يعيشون في طنطا!
محمد عبد الرحمن
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد