تيسير السعدي من خيال الظل وصولا للمسرح والسينما والتلفزيون
يجلس تيسير السعدي ابن حي القيمرية بدمشق 1917 في بيته في مشروع دمر تفصله عن الشارع ثمانية طوابق وعن دمشق عدة كيلو مترات لينظر إلى المدينة مستذكراً قرناً كاملاً من الحب والإنجاز والفن وليلوح بهذه الذاكرة ويبوح بها لمن يزوره محاولاً قدر الإمكان استعادة التفاصيل بجزئياتها ..تفاصيل تقدم صورة واضحة المعالم لقرن كامل من تاريخ سورية الفني.
يتذكر الفنان تيسير السعدي محطات أساسية في مسيرته فيعود إلى تلك السنين التي أسس فيها عدد من الفنانين أرضية الفن السوري بجهودهم الشخصية في مسارح صغيرة معتمدين على نصوص مترجمة وكاميرات قديمة جداً قد يعيد خلالها الممثلون فيلماً كاملاً لمجرد وجود خطأ صغير في نهايته على اعتبار أن المونتاج لم يكن متوفراً في تلك المرحلة.
ويقول الفنان: اتجاهي نحو الفن بدأ بإعجابي بعروض خيال الظل والدمى المتحركة التي كانت تقوم على حوارات كوميدية بسيطة والتي مهدت لنا لنؤسس أعمالا كوميدية بسيطة مستوحاة من هذه العروض يعشقها الكبير والصغير وبعدها تعلقنا بالسينما الصامتة وتجربة شارلي شابلن التي تقدم الكوميديا دون أي تكلف أو ادعاء وبالفعل هكذا كنا ننظر للكوميديا هذا الفن الصعب الذي قدمناه خلال مسيرتنا الفنية والذي كان له تأثير كبير بالناس سواء كانوا مثقفين أو غير مثقفين.. صغاراً وكباراً.. رجالاً ونساء.
عشقه للفن كان مبكراً وتجربته مع المسرح أيضاً حيث قدم أولى تجاربه المسرحية وهو طالب في المرحلة الإعدادية ووقف حينذاك أمام الممثل الفرنسي جان أوليفييه في /أوديب/ لسوفوكليس مجسداً أحد أبناء الملكة جوكاستا وبعدها ازداد عشقه للفن وخلال تواجده في مطلع الثلاثينيات في مدرسة اللاييك قام بعدة أدوار مسرحية في أندية دمشق الفنية حيث لعب دور قيس في مسرحية مجنون ليلى.
وعندما قرر الفنان احتراف هذه الهواية اتجه في مطلع أربعينيات القرن الماضي إلى مصر ليدرس التمثيل في المعهد العربي في القاهرة ويتعرف هناك على نخبة من رجال الفن والفكر أمثال إحسان عبد القدوس ويوسف وهبة وجورج أبيض ونجيب الريحاني الذي عمل معه في مجال المسرح في دار الأوبرا المصرية وهي أعرق المسارح في الوطن العربي وكان من الأساتذة الكبار في المعهد المفكر الكبير طه حسين وأستاذ الرقص علي رضا صاحب فرقة رضا.
خلال وجوده في مصر وقف السعدي إلى جانب نجوم كبار أمثال عمر الحريري وفاتن حمامة وسناء جميل وشارك في الكثير من الأفلام المصرية القديمة بأدوار بسيطة كان أهمها وقوفه إلى جانب فاتن حمامة ليعلمها اللهجة السورية ثم يشاركها دوراً هاماً في فيلم الهانم من إخراج هنري بركات.
ويتذكر الفنان.. عدت إلى سورية في نهاية الأربعينيات لنؤسس الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا مع مجموعة من الفنانين أمثال معتز الركابي ورفيق شكري وحكمت محسن وأنور البابا ورفيق سبيعي وفهد كعيكاتي ومصطفى الحلاق والتي قدمت عروضاً كوميدية مميزة.
ويضيف.. قدمنا برنامجاً عن المسرح بعنوان /انسى همومك/عملنا فيه مع الأخوين رحباني حيث كانت الفنانة فيروز في الكورس وهو برنامج منوعات تمثيلي فكاهي وغنائي.
من الحوادث الهامة في تاريخ الفنان توقفه وزملاؤه عن العمل مع إذاعة الشرق الأدنى (بي بي سي) البريطانية إثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حيث وقف الفنانون حينها ضد العدوان ورفضوا استمرار العمل مع الإذاعة البريطانية التي لم يكن يتوفر غيرها للعمل.
ويشير الفنان إلى أن المسلسل الإذاعي (صابر وصبرية) الذي قدمه مع زوجته صبا المحمودي وبث منه حوالي 3000 حلقة هو الذي جعل شهرته تعم أرجاء الوطن حيث كان لهذا العمل حيز كبير من الجماهيرية وكانت فئات المجتمع تتابعه ويقول: كنت أمشي في الشارع بعد الإفطار في رمضان فأسمع أصواتنا تخرج من كل نافذة وكل بيت وكل سيارة .. كان الجميع يحبنا.
لم يقتصر عمله في الإذاعة على صابر وصبرية فقط بل قدم مئات التمثيليات الإذاعية التي أخرجها الراحل حكمت محسن والذي جعلت من تيسير السعدي من أوائل الأصوات الإذاعية الذي تعتاد على سماعها أذن الجمهور المحلي كل يوم.
يركز الفنان في حديثه على الكوميديا وهي الجانب الأكثر تواجداً في الفن السوري في بداياته فهي برأيه ليست مجرد استعراض عضلات ومقدرات بقدر ما هي بساطة ووضوح وخفة ظل أسهمت الكثير من الشخصيات الفنية في تكريسها وترسيخها في ذاكرة الجمهور أمثال صابر وصبرية وأم كامل /أنور البابا/ وأم فهمي /فهد كعيكاتي/ ومن ثم /دريد ونهاد/.
ويتابع الفنان السعدي .. عندما تأسس التلفزيون كنت قد كبرت لذا لم أخض هذه التجربة في بداياتها إلا أنني وبعد التقاعد كنت بحاجة إلى العمل في التلفزيون فمثلت في الكثير من الأعمال وكنت وجهاً جديداً وقد تجاوزت الستين من العمر حيث مثلت مع نهاد قلعي في صح النوم كما عملت معه في مسرحية غربة ثم شاركت في الكثير من المسلسلات مثل الدنيا مضحك مبكي وزواج على الطريقة المحلية وتجارب عائلية وآخر أعمالي كان أيام شامية 1992.
يضيف السعدي.. أظن أنني تركت العمل في الوقت المناسب حيث حافظت على تاريخي الفني وصورتي في أذهان الناس.
يشجع شيخ الكار الفنانين الشباب ويدعوهم للابتعاد عن الابتذال واستعراض العضلات في الفن منوهاً بالكثير من التجارب الشابة المميزة والتي تستحق لقب الفنان حيث يرى في المخرج الشاب الليث حجو إمكانيات فنية عالية المستوى ظهرت من خلال مسلسلي الانتظار وأهل الغرام بينما ينتقد السعدي الكثير من الأعمال الأخرى خاصة أعمال البيئة الشامية باعتباره معاصرا للبيت الشامي ويحمل في ذاكرته كل تفاصيل ذلك البيت التي لا تنتمي له الكثير من تفاصيل البيوت الشامية في الأعمال الدرامية الجديدة.
استرجع الفنان السعدي نصيحة الفنان محمد عبد القدوس له عام 1947 بترك مصر والعودة إلى سورية لبناء مشروع فني في بلده وعودته وفي نفسه حزن شديد لكنه تذكر أهمية هذه النصيحة عام 2010 عندما تم تكريمه في بلده سورية حيث تفاجأ الفنان القدير عندما وقف ممثلو ومخرجو الدراما السورية وصفقوا له جميعاً فلم يكن يتوقع أن رواد المرحلة الحالية يحتفظون به في ذاكرتهم ولم يتوقع أن ما قدمه قبل أكثر من ستين عاماً قبل نشوء التلفزيون خالد إلى هذه الأيام.
نبيل محمد- رجاء العيسمي
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد