عابد عازرية يحلق مع أشعار الحلاج وابن عربي في دار الأوبرا السورية
فاجأ المغني السوري العالمي عابد عازرية جمهوره بمغناته الموسيقية ملحمة جلجامش وذلك في حفل استضافه مسرح دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق مساء أمس بصحبة مجموعة من أهم الموسيقيين السوريين .
وأتبع عازرية برنامج حفلته التي اشتملت على 13 مقطوعة غنائية من أرشيفه الصوفي الكبير بمقطوعتي أنا من أهوى و يانسيم الريح للحلاج لينشد بعدهما مقطوعة ياحبيبي لعمر الخيام إضافةً إلى مقطوعتي القلب كالماء لأبي العلاء المعري ومقطوعة لقد صار قلبي قابلاً كل صورة لمحي الدين ابن عربي.
وتألق المغني السوري في أداء أشعار نخبة من الشعراء العرب القدماء والمعاصرين حيث أدى قصيدة مجنون ليلى لقيس بن الملوح وموشح ياغزال لشاعر أندلسي مجهول من القرن الحادي عشر وختم عازرية الحفل بقصيدتي زهر الكيمياء لأدونيس وغريب في مدينة غريبة لمحمود درويش.
وفي توزيعه الجديد لأشهر مقطوعاته الموسيقية التي اختارها من أرشيفه الغنائي الخاص الممتد على طول ثلاثين عاماً قدم عازرية لوحة طربية فسيفسائية كبيرة مستعينا بأعضاء فرقته المكونة من ثمانية عازفين هم خالد الجرماني عود توفيق ميرخان قانون محمد فتيان ناي ربيع عازر فيولا بشار شريفة تشيلو باسم الجابر كونترباص فراس حسن ومهند الجرماني إيقاع .
وقال عازرية في حديث خاص لوكالة سانا إن هناك خطاي جمع أعمالي كلها رغم أن ما أقدمه يبدو ظاهريا أعمالا قديمة كنص جلجامش موضحا أن هذه النصوص هي تلخيص لأهم الأيقونات المؤسسة لحضارة الشرق الأوسط بشكل يبرز غنى الإنسان في هذه المنطقة.
وأوضح صاحب أسطوانة توابل أنه كان دائما يركز في أعماله على الموضوع اذ انجز في هذا الإطار أسطوانة عن الصوفية وأخرى عن ملحمة جلجامش واسطوانات عدة عن الشعر الأندلسي والشعر المعاصر وتابع قائلا .. ان دليل الموسيقي هو القصيدة النص ومنه استمد النغم واتبعه وليس هو من يتبعني لأن موسيقاي تشبه الموسيقا الكلاسيكية وموضوع النص فيها مهم فمن خلاله أرى الحروف المخبأة لأكون قراءتي الشخصية عنها.
وحول موضوع الدمج بين الموسيقا الغربية والشرقية أضاف صاحب لازورد أن ذلك يرتبط بالهارموني فهناك طرب فكري وطرب روحي أو عاطفي لكن المشكلة اذا استخدمنا الطرب الغربي فقط وهو الفكري الذي يمكن أن يوءذي الموسيقا العربية كثيرا ويمكن أن نأخذ منه جانبا ما بعد عصر النهضة فالتوزيع أو الكتابة الموسيقية فيه أقرب للعربية وقال ..يجب ألا ننسى أهمية العازف فهو يعيد صياغة الموسيقا وهي عمل إنساني قبل كل شيء .
ونجح عازرية في حفلته الدمشقية بإضفاء أسلوب لا يخلو من الجرأة بمقاربة الشعر العربي كوسيط موسيقي بين أزمنة مختلفة للتخفيف من حدة القطيعة المعرفية مع التاريخ والتراث عبر تنقيبه المستمر في الحداثة والصوفية والحقبة السومرية وأمهات النصوص العربية الأولى ملاقحاً في أغنياته بين الإنساني والكوني بأدوات تعبير معاصرة انتقل عبرها بخفة بين الموسيقا العربية المعاصرة وأنماط أخرى ذات مكونات شرقية.
وعمد عازرية إلى كسر القوالب الغنائية العربية الكلاسيكية كما في كل حفلاته من خلال مزاوجته بين الغناء الغريغوري الكنسي و بين الموسيقا المعاصرة الغربية والشرقية حيث أصدر منذ عامين مغناة إنجيل يوحنا من فئة الـ أوراتوريو استطاع فيها إتمام رحلته الفنية في نبش النصوص الأولى عبر موسيقا وضعها لآلات غربية وشرقية مزاوجاً بين حساسية هذه الآلات فكتب للعود كما كتب للفيولا دامجاً بين روح الفلامنكو الإسباني وبين الموشح الحلبي السوري كما في أسطوانته نصيب .
واستقبل جمهور دار الأوبرا السورية غناء وموسيقا عازرية بكثير من التصفيق والحماس من خلال ذاكرة ربطت هذا الجمهور بأسطوانات المغني السوري منذ سبعينيات القرن الفائت حيث وقف الجمهور في آخر الحفل تحيةً لفنانهم الملتزم وفرقته مطالبينه بالمزيد من الأغنيات التي حفظوها له كأيقونات فنية خالصة.
يذكر أن عابد عازرية من مواليد حلب 1945 تشبعت طفولته بالأناشيد الدينية الشرقية ليكتشف منذ طفولته الموسيقا الشعبية الغربية والأغنية الفرنسية والأميركية والإيطالية والإسبانية ليدرس بعدها الأدب العربي في الجامعة اللبنانية في بيروت وخلال رحلة اكتشف باريس التي لا يزال يعيش ويعمل فيها منذ عام1967 معمقاً مداركه بشتى أنواع الموسيقا في مدرسة مارتينو أولا ثم في مدرسة المعلمين في باريس.
ولعازرية أكثر من عشرين أسطوانة وموسيقا العديد من الأفلام وهو كاتب لعدة مؤلفات منها ملحمة جلجامش بالفرنسية اشتهر بأسلوبيته الخاصة التي مزج فيها بين الآلات الكلاسيكية القادمة من أصوله الشرق أوسطية والآلات الغربية التي ميزت أعماله بالتوليف بين الموسيقا القديمة والمعاصرة .
سامر اسماعيل
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد