الأخوان ملص في عرضهما الجديد (.. تؤجل إلى البارحة)
ثمة سؤال محرج يأتي بعد مشاهدة كل عمل فني مؤثر مفاده: من أين نبدأ الكتابة؟
لأن الأعمال المؤثرة تترك لك العديد من الخيارات والمفاتيح والأبواب لتبدأ،.
فما بالك بعرض مسرحي يحاور لحظة سياسية معاصرة تعيشها سورية، بلدنا الذي نرى فيه أحلامنا ونرى فيه خيباتنا أيضاً بلدنا الذي نختلف في التعبير عن حبه لكننا بالتأكيد لا خلاف بيننا على أن هذا البلد هو سقف الجميع، لكنه لن يكون سقفاً للذين يتاجرون باسمه وبه.
حديثنا عن العرض المسرحي (الثورة غداً تؤجل إلى البارحة) للأخوين ملص ويقدم حالياً في غرفة الأخوين ملص في حي العدوي بدمشق، في هذه الغرفة الحنونة اجتمعنا لنشاهد عرضاً مشغولاً بإرسال رسالة فكرية إلى عموم الناس في البلد، رسالة تقول بأن هذا البلد قوي بتكوينه المتنوع، قوي بهذه الفسيفساء التي تشكل بنيته العامة، كان واضحاً أن ضابط الشرطة الذي تعوّد على أساليب قسرية مع الذين يحقق معهم، رجل الشرطة هذا بدأ تحقيقه مع المتظاهر بالأساليب القسرية ذاتها، لكن هذا القسر العام في التعامل المتوارث عند رجال الشرطة، سوف يذوب لاحقاً بسبب المسرح الذي طوع النص لخدمة الرسالة الفكرية النبيلة التي يريدها الأخوان ملص، حيث سيذهب الحوار نحو الهمّ العام الذي يجمع الرجلين، همّ اقتصادي، وهمّ بيروقراطي، ويبدو أن سلسلة الهموم كبيرة، وحين يبدأ رجل الشرطة بتفريغ همومه يطالبه المتظاهر بالصبر لأن الإصلاح يحتاج إلى وقت (فهذا بلد وليس حارة).
ويستمر الحوار الساخن بين الاثنين لنكتشف بلحظة ما أن رجل الشرطة خائف من المواطن المتظاهر، والمتظاهر خائف أيضاً من رجل الشرطة، والحوار المهم يجمعهما ونكتشف أن الاثنين يريدان الإصلاح، وحين يحتاجان إلى لحظة تفكير يأتي الشيخ إمام ليغني لنا جميعاً (تخاصمني كتير، تصالحني كتير..) لحظة الشيخ إمام كانت انتقاء ذكياً ومهماً من عشاق المسرح الذين اختاروا فضاء غرفتهما لتكون خشبة مسرح.
النقد العام في هذا العرض طال أيضاً مجلس الشعب والإعلام، وطال الكثير من المفاصل العامة في الحياة السياسية السورية، لكنه نقد أوصلنا إلى حوار آخر استمر طيلة ساعة بعد نهاية العرض، حيث حضر العرض الفنان المبدع نضال سيجري الذي رأى: (أن هذا العرض يجب أن يقرأ قراءة صحيحة، لأنه عرض يدعو لمصالحة وطنية عامة، ويشبه 70% من الشعب السوري، هذا العرض يحمل في طياته لغة معتدلة، لغة غير متشجنة، عرض يقول إن الشعب السوري طيب، ولا يجوز أن نقف مع طرف ضد طرف، هذا العرض يقف ضد أي فتنة طائفية، كما يدعو المواطن السوري للتفكير بصوت عال، ويصر هذا العمل المهم على محاورة الجزء الجميل في الإنسان.
لم ينته العرض بعد لأنه أخذنا كما قلت إلى حوار يكمل العرض ويغنيه لذلك اقترحت نقل هذا العرض مباشرة إلى خشبة المسرح القومي، لأنه يساهم في إيصال رسالة مهمة إلى عموم الناس في البلد، وقد تبنى هذا الاقتراح الفنان سيجري ووعد بالتحدث مباشرة إلى السيد مدير المسارح وها نحن ننتظر ونتمنى أن تنتبه إليه وسائل الإعلام المحلية وتقدم له الدعم الذي يستحقه.
دخل على خط الحوار الزميل إياد شربجي وقدم وجهة نظر تنحاز للناس وتنقد الحكومة ورد عليه الفنان سيجري وشرح أيضاً تفاصيل من المبادرة التي اشتغلها في اللاذقية برفقة الفنانين باسم ياخور والليث حجو وأدت إلى فك الاعتصام في منطقة الصليبة، وطالب الفنان سيجري بضرورة الاعتدال في هذا الزمن العصيب، وشارك في هذا الحوار أيضاً عدد من الحضور (لا نعرف أٍسماءهم) وقدم معظمهم وجهات نظر تدل على الجدية والوعي الوطني المهم.
شخصياً قد يكون لدي مجموعة من الملاحظات الفنية على العرض، لكنني أرى أن هذا العرض (استثنائي) في مضمونه الفكري لأنه يقدم خطاباً سياسياً هادئاً ويدعو إلى الإصلاح من منطق الحفاظ على البلاد وعدم الدخول في فتن وما شابهها من أشكال التخريب.
السؤال المهم: هل ستسمع مديرة المسارح نداءنا بضرورة نقل العرض إلى خشباتها؟ أم إننا سنضطر إلى إرسال نداء سريع للسيد وزير الثقافة ليستجيب بالسرعة الكلية.. صدقوني إن هذا العرض أهم بكثير من كل ما يقوله بعض الفاسدين من أبناء جلدتنا على الفضائيات.
مصطفى علوش
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد