شتاء الديمقراطية الخمسيني في سوريا 2/2

15-10-2011

شتاء الديمقراطية الخمسيني في سوريا 2/2

الجمل ـ عبد الله علي: إن الفشل الذريع الذي أصاب تجربة النظام البرلماني في سورية في خمسينيات القرن الماضي، يعود إلى الأسباب السابقة التي ذكرناها أعلاه. لكن بالإضافة إلى هذا الفشل الذي انتهت إليه التجربة البرلمانية فإن ما يجب الإشارة إليه أن التجربة السورية لم تكن أمينة في تطبيق النظام البرلماني بشكل دقيق وإنما تدل جميع المؤشرات إلى أن هذا النظام كان يتخذ غطاءً يخفي وراءه سيطرة طبقة برجوازية معينة على مقاليد الحكم وإن الانقسام في الكتلة الوطنية الذي نتج عنه الحزب الوطني وحزب الشعب ما هو في الحقيقة إلا انقسام في هذه الطبقة الحاكمة نفسها بينما بقيت الأغلبية من عامة المواطنين بعيدة عن التأثير في لعبة الانتخابات والديمقراطية المصطنعة.

والدليل على ذلك أن الهيمنة على مفاصل صنع القرار وتنفيذه كانت بيد السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء ورئيس الجمهورية أما البرلمان الذي يفترض أن يكون بموقع الأفضلية من حيث الرقابة والمساءلة والتوجيه فلم يكن أكثر من أداة بيد مجلس الوزراء وهذا يناقض بشكل تام الأساس الذي يقوم عليه النظام البرلماني.

والغريب أن هذا الواقع الذي نتج عن النظام البرلماني هو عينه الذي نعيشه في ظل الديمقراطية الشعبية التي جاء بها دستور عام 1973 من حيث غلبة مجلس الوزراء على مجلس الشعب وإمساكه بسلطة القرار الحقيقية رغم أن الدستور نفسه يعطي لمجلس الشعب صلاحيات تفوق صلاحيات مجلس الوزراء وتمكنه من فرض رقابته عليه وعلى أعماله، هذا دون أن ننسى أن الكتلة الوطنية كانت تسعى ضمن مبادئها إلى تطبيق روحية الحزب القائد دون أن تعلن عنه صراحة.

على ضوء ما سبق يمكننا أن نفهم ما يسميه المتحمسون لديمقراطية الخمسينات بـ تداول السلطة وحديثهم عن المرة الأولى التي يجري فيها استلام وتسليم بين رئيس سابق ورئيس لاحق قاصدين استلام شكري القوتلي الرئاسة من هاشم الأتاسي واعتبار ذلك مظهراً من مظاهر الديمقراطية. والحقيقة أنه رغم ما يحمل مشهد الاستلام والتسليم من مثالية على صعيد الظاهر إلا أنه في الواقع وكما نراه لا يتضمن أي دلالة على سلوك ديمقراطي لأن الانتخابات كانت تعكس الواقع الذي فرضه النظام السياسي آنذاك من تسلط طبقة معينة على مقاليد الحكم وإن اختلفت التسميات ولم تكن تعبر عن حقيقة الرأي العام الذي كان يعيش بأغلبيته بعيداً عن إطار التأثير. ثم كيف يمكن أن نستخلص سلوكاً ديمقراطياً من أشخاص لم يعرف عنهم أي توجه ديمقراطي فالقوتلي والأتاسي كانا معاً في الكتلة الوطنية التي قلنا وأثبتنا أنها كانت تسعى إلى فرض قيادتها على الدولة والمجتمع وحظرت في مبادئها تشكيل الأحزاب، والقوتلي سعى في نهاية الأربعينيات إلى تعديل الدستور من أجل التجديد له لولاية رئاسية جديدة وهذا سلوك يناقض تداول السلطة ويؤكد رغبة الكتلة الوطنية في الاستئثار بالسلطة والقيادة، إضافة إلى أن الرجلين كانا من محبي المناصب ولا يجدون حرجاً في سبيل الحصول عليها من التعاون مع أي انقلاب عسكري مما ينفي النزعة الديمقراطية ويجعلنا نحمل ما رأيناه من مشهد الاستلام والتسليم على غير سبيلها بل على سبيل التدخلات الإقليمية والدولية التي كانت سورية عرضة لهما بشكل كبير في تلك المرحلة ولا نعتقد أنه من سبيل المصادفة أن يجري مشهد التداول المشار إليه بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر عام 1953.

لذلك فإننا نعتقد أن الترويج لتجربة الخمسينات على أنها مثال للديمقراطية المرتجاة أمر يراد به الطعن في الواقع القائم حالياً أكثر مما يعبر عن حقيقة الأمور في ذلك العهد لأنه يقف عند المظهر والشكل ويتغاضى عن المضمون، والديمقراطية ليست هيكلاً يبنى بقدر ما هي روح تسري.

وعليه لا نعتقد أن في تجربة الخمسينات ما يمكن الاستفادة منه في عملية الإصلاح السياسي إلا أمر واحد وهو فسحة الحرية التي كانت تتمتع بها الصحافة ومنظمات المجتمع المدني آنذاك حيث كانت القيود على هذه الحرية أقل مما هي عليه الآن. وهذا ما يدفعنا إلى اقتباس العبارة المشهورة للسياسي اللبناني الكبير سليم الحص واصفاً الوضع في بلاده ونحن نستخدمها لوصف فترة الخمسينات: "في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية".

التعليقات

أحسنت يا عبد الله .. ولكنك نسيت من فترة الخمسينات ( الرجل الرحيم !) الحسن الذكر!! عبد الحميد السراج .. الذي أبدع وأبلى بلاءً حسناً في وضع الناس في مراجيح لكي يناموا هانئين ..!!!!!!!!!!!!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...