البرامج الصباحية على الإذاعات اللبنانية «الفئة الثانية»: فقرات مستنسخة وتسطيح بهدف الربحية
عند الثامنة والنصف صباحاً، تطلق مذيعة في إحدى إذاعات موجة «أف أم»، قهقهتها المعهودة، تتبعها تنهيدة قائمة على الغنج والدلال، لتبدأ بعدها موسيقى «جنيريك» البرنامج المسمى على اسمها طبعاً. أما البرنامج فهو قائم على قراءة الرسائل القصيرة التي غالباً ما تثني على المذيعة «الملكة» وتمجدها، إهداءات لأغان قديمة وحديثة، أحجيات، نكات، أبراج، أحوال الطقس والطرقات.. والأهم من كل ذلك «المظلة» الإعلانية التي تحتل معظم حيّز البرنامج.
هذه حال بعض البرامج الإذاعية في لبنان، مما رصدناها على امتداد أيام، والتي تندرج في إطار إذاعات الفئة الثانية، أي تلك التي تخلو من السياسة حسب تصنيف «قانون المرئي والمسموع اللبناني». ومن بينها: «الغد»، «سترايك»، «ميلودي»، «روتانا دلتا»، «جرس سكوب»، «راديو سكوب» وغيرها. وهي تبث بشكل شبه يومي في الفترة الصباحية الممتدة من الثامنة والنصف، وحتى فترة الظهيرة.
يغلب على امتداد حوالى ساعتين من البث، الضحك والهزل والإثارة، من حيث الأسلوب، فيما يعتري المضمون ضعفا واضحا، بالإضافة الى استباحة للحياة الخاصة للمتصلين من المستمعين، ما خلا استثناءات قليلة من البرامج الصباحية التي تقدم مضموناً تثقيفياً.
ماذا تقدم هذه البرامج ذات الميزانيات الوافرة والمستنسخة عن بعضها للمستمع؟ كيف تستهل هذه الإذاعات برامجها بتقديم مادة صباحية مسطحة الى هذا الحد؟ وكيف تلعب على غرائز المستمع وتستغل أزماته الاقتصادية والنفسية؟
تلفت أستاذة الإعلام الدكتورة أميرة الحسيني والتي خبرت العمل الإذاعي لسنوات عدة، الى أن الإذاعة، التي تتوجه الى شرائح واسعة من المجتمع، تحتاج الى مستوى ثقافي عالٍ لدى المعدّ كما المذيع. لأنه يتم التركيز في هذه الحالة على المضمون، بخلاف التلفاز الذي قد يلهي المشاهد عبر إبهار الصورة والديكور. وتشير الى أن معظم البرامج الصباحية تتشابه بفقراتها، لا سيما تلك المتعلقة بالتبصير والأبراج، بغية خلق ارتباط بين المستمع والإذاعة، عبر ايجاد عالم حالم له، يخبره عن الغد.
أما هدف هذه الإذاعات، تقول الحسيني، فهو «تحصيل الربح باعتبارها تجارية تريد استقطاب جمهور محدد، عبر ضخ كمّ هائل من الإعلانات. ولكي تحصل هذه العملية، فإنها تقدم هذه البرامج بقالب من الترفيه والتسلية». وتلفت الى أن هناك إساءة لمفهوم إعلام الترفيه الذي يحتاج الى جهد في تقديم التسلية، ويفترض رفع الذوق العام عبر نشر الإفادة، وليس كما يحصل اليوم إذ تحول معظم البرامج الإذاعية الى مساحة من الثرثرة، يستطيع المستمع الإستغناء عنها في أي وقت من دون ترك أثر في نفسه.
وتعتبر أن الترويج للتفاهة والتسطيح يؤدي الى إلهاء الجمهور عن قضاياه الجادة ومصالحه المحقة، عبر تحويله الى مستهلك وليس الى مواطن. فهذه الإذاعات تخلق عالماً من الرغبة الاستهلاكية لدى المستمع، من خلال استغلال أزماته الاجتماعية. «فالناس تلجأ الى الشراء كنوع من الترفيه وللخروج من الأزمات». وتؤكد أن وسائل الترويج لا تنحصر فقط في السلع من قبل مطاعم ومحال تجارية، بل تتعداها الى تقديم أغان هابطة تؤدي الى تدني الذوق العام الى أدنى درك.
خرق الخصوصية !
تخصص معظم البرامج الصباحية فقرة لتلقي اتصالات المستمعين، للحديث عن مشاكلهم العاطفية والاجتماعية، وتتحول المذيعة بدورها الى اختصاصية نفسية تسدي لهم النصح والإرشاد. وبالطبع لا ينتهي الأمر هنا، بل يصار في كثير من الأحيان الى استدراج المتصلة لتبوح بأمورها الشخصية والحميمية على الهواء مباشرة. وفي إحدى المرات تسأل المذيعة صاحبة المشكلة وهي متزوجة: «هل أقمت علاقة حميمة مع حبيبك؟» فصمتت المتصلة لبرهة، خشية أن يكون شريكها «على السمع» على الأرجح، في حين وصلت الإجابة الى العموم بشكل ضمني وغير مباشر!
تعلق الحسيني على هذه الظاهرة بالقول إنه عندما يبادر شخص ما ويتصل بمذيع لا يعرفه ليشكو إليه أمره، فذلك يؤشر الى وجود مشكلة في التواصل الإنساني لدى شرائح معينة من الناس. وتنتقد استغلال الأزمات النفسية للمتصلين الذين يجهلون الى أين يتوجهون وإلى من يتحدثون، وكذلك الاعتداء على خصوصيتهم الذي سيؤدي في نهاية المطاف الى أذيتهم، وتعميق عزلتهم، «من خلال شعورهم في النهاية بعدم الاكتفاء بكلمة تعاطف.. قالها لهم مذيع».
أما أساليب تقديم البرامج الصباحية فتتشابه على محطات عدة. فالمذيعات يتسابقن على تقليد بعضهن البعض، في جو يخلو من الرصانة غالبا. كما يتنافسن على حصد لقب «ملكة جمال المذيعات» أو «أفضل مذيعة» عبر استفتاءات شركات الإحصاء. ويعمد بعضهن الى تسمية البرنامج على أسمائهن، وإرفاقه بأغاني جنريك تتغنى بأسمائهن وبجمالهن. وذلك كله تكريسا للشخصنة ورغبة في الشهرة. كما تقول الحسيني، وسعيا نحو صناعة نجومية، وما سمته بـ «الشللية» في المؤسسة، التي تميز فرداً عن آخر. وذلك بغض النظر عن المضمون الذي تقدمه المذيعة، وما إذا كان يستأهل كل ذلك أم لا.
زينب حاوي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد