«أعداء سـوريـا» يهاجمون روسيــا ويكررون مؤتمراتهم السابقة
نفّذ «أعداء سوريا» في باريس أمس، الخطوة الأولى من أجندتهم الهادفة إلى إعادة تأويل اتفاق جنيف بشكل يؤهلهم لـ«عزل» روسيا ديبلوماسياً، بغية التوصل إلى إصدار قرار دولي ضد سوريا، أو التحرك خارج إطار مجلس الأمن الدولي.
وصعّدت واشنطن بشكل لافت من لهجتها ضد موسكو، داعية الأطراف الدولية إلى تدفيعها «ثمن» دعمها للحكومة السورية، ما استدعى ردّ موسكو التي انتقدت هذه اللهجة، وشددت على تمسكها بالفحوى الأساسية المتفق عليها في جنيف، مؤكدة في الوقت نفسه أن موقفها ليس دعماً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وكان لتأكيد نبأ انشقاق العميد السوري مناف طلاس، وقع لافت لدى بعض أطراف المعارضة السورية في باريس، والتي أبدت «تململا» من هذا النبأ، وخاصة بعد تصريحات اولية أشارت إلى توجهه نحو باريس. وأشادت كل من باريس وواشنطن بهذا الانشقاق واعتبرته إشارة إلى «تغير الموقف» في سوريا.
وفي حين أوصى الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بتركيز عمل بعثة المراقبين الدوليين في سوريا في اتجاه «التسوية السياسية»، وجّه المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي أنان انتقاده للتنافس بين الغرب وروسيا ودول عربية، والذي اعتبره سبباً وراء تأزم الاوضاع وتأخر التسوية.
وفي البيان الختامي للمؤتمرين في باريس، الذي صادقت عليه قرابة مئة دولة غربية وعربية شاركت فيه أن المشاركين يطالبون مجلس الامن الدولي بأن «يفرض اجراءات... تضمن احترام هذا القرار»، اي فرض عقوبات من الامم المتحدة ضد دمشق. ولا تواجه سوريا حاليا سوى عقوبات قررتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي او الجامعة العربية كل على حدة.
كما اتفق المشاركون على «ضرورة رحيل الرئيس الاسد» مشددين في هذا الصدد على ضرورة استبعاد الاشخاص الذين يمكن ان يزعزع وجودهم مصداقية العملية الانتقالية. وأوضح البيان من جهة ثانية ان المشاركين قرروا «تكثيف» المساعدة للمعارضة .
كما دعا البيان «المعارضة الى الاستمرار في التركيز على اهدافها المشتركة» بعدما ظهرت هذا الاسبوع الى العلن انقساماتها حول المرحلة الانتقالية وحول تدخل عسكري اجنبي محتمل في سوريا. كذلك تعهد المشاركون في المؤتمر بـ«دعم جهود الشعب السوري والاسرة الدولية لجمع الادلة التي ستسمح في الوقت المناسب بالمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة والمنهجية لحقوق الانسان على نطاق واسع وخصوصا الانتهاكات التي ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية».
وقـالت وزيرة الخارجية الأمـيركية هيلاري كلينتون للمؤتمـر: «اقول لكم بكل صراحة انني لا اتصور ان روسيا والصين تعتقدان بأنهما تدفعان ثمنا ـ أي ثمن ـ لدعمهما نظام الاسد». واستطردت «الطريقة الوحيدة لتغيير ذلك هي ان تقوم كل دولة ممثلة هنا بالتوضيح بشكل مباشر وملح ان روسيا والصين ستدفعان ثمنا لانهما تعطلان التقدم وهذا لا يمكن السماح به بعد الآن».
وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في باريس «ماذا سنعمل اذا استمر الوضع علي ما هو عليه. يجب عمل غير هذا العمل للوصول الى موقف مشترك. هل نستطيع عمل شيء أكثر. نعم... خارج مجلس الأمن. نعم».
وقال رئيس «المجلس الوطني» الإخونجي عبد الباسط سيدا «لا بد من اتخاذ كل الاجراءات لاقامة منطقة حظر جوي وممرات انسانية»، مشيرا الى ان هذه الاجراءات يجب ان ترد ضمن قرار يصدر عن مجلس الامن الدولي «بموجب الفصل السابع» الذي يجيز فرض عقوبات دولية واللجوء الى القوة.
الى ذلك، نقلت وكالة انباء «ايتار ـ تاس» عن نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف رفضه «قطعيا مقولة ان روسيا تدعم نظام بشار الاسد في الوضع القائم في سوريا»، مؤكدا ان «المسألة ليست دعم هذا الزعيم السياسي او ذاك، بل الحرص على ان تتم معالجة الازمة على ارضية سياسية طبيعية». وأوضح المسؤول الروسي ان «روسيا لا تهتم بدعم هذا الزعيم السياسي او ذاك في سوريا، بل بحصول الحوار الضروري بين ممثلي السلطة والمعارضة».
وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف لوكالة «انترفاكس» ان «هذا التصريح (تصريح كلينتون) غير صحيح. ونحن قد سمعنا ذلك غير مرة في السابق ايضا، ولكن ما يثير القلق الأكبر هو ان تصريحات من هذا القبيل تتعارض مع الوثيقة الختامية لمؤتمر جنيف التي تم التصديق عليها بمشاركة وزيرة الخارجية الاميركية». وتابع غاتيلوف قائلا ان «هذه الوثيقة ثبت فيها التزام كافة اللاعبين الخارجيين بالمساهمة في ترتيب العملية السياسية في سوريا، وإبداء التأثير المناسب على كافة الاطراف السورية، اي الحكومة والمعارضة على حد سواء».
وأشار غاتيلوف الى ان روسيا تتمسك باتفاقات جنيف بدقة. وقال ان «الوثيقة الختامية لا تتضمن اية شروط لبدء الحوار الوطني السوري. اما رئيس الجمهورية العربية السورية، فقد اكدنا مرارا اننا لسنا محامي الرئيس السوري، وأن هذه المسألة يجب ان يبت فيها السوريون بأنفسهم في سياق العملية السياسية».
أما أنان وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان» البريطانية، فرأى أن «الانتقاد الغربي لروسيا لم يكن كافياً، فهي تتمتّع بنفوذ ويمكن أن تشجّع الحكومة السورية على التنفيذ الكامل لخطة النقاط الست وقرارات مجلس الأمن، غير أن هذه المهمة لا يمكن تركها للروس وحدهم»، وتوقّع أن «إيران قادرة على لعب دور أيضاً، لكن يتعين على حكومات الولايات المتحدة ومجموعة أصدقاء سوريا، التي تتمتع بنفوذ مع المعارضة السورية أن تلعب أيضاً دوراً في ذلك، لأن الجميع سيخسر في حال استمرت هذه المنافسة المدمرة»، مشيرًا إلى أن «الغرب يتّهم الروس بتسليح الحكومة السورية، فيما تتّهمه موسكو بتسليح المعارضة وإغراق سوريا بالأسلحة، بدلاً من أن يقفا معاً لرؤية ما يمكن القيام به».
واعلن انان أنه يتعيّن على الأسد أن «يدرك أن الأمور لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه الآن»، مشيرا إلى أنه أثار مسألة الانتقال السياسي في أول لقاء عقده مع الأسد في آذار الماضي «من دون أن يحدث أي شيء»، وأضاف: «هناك خريطة طريق لتمكين الأطراف المعنية من معرفة أن هناك بديلاً إذ توقّفت عن القتال، والمهم هو أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن اتفقت للمرة الأولى على التحول السياسي في سوريا، وتحدثت عن المؤسسات بما في ذلك القطاعات الأمنية ونوع القيادة المطلوبة».
ويوصي تقرير قدمه بان كي مون لمجلس الأمن بتحويل عمل بعثة الأمم المتحدة من مراقبين عسكريين الى فريق من نحو 100 موظف مدني يركزون على الحل السياسي وعلى قضايا مثل حقوق الإنسان. وبموجب هذا الخيار سيبقي المجلس على التفويض الحالي الممنوح للمراقبين الذين يصل عددهم إلى 300 مراقب لكن ستكون هناك حاجة لعدد أقل بكثير لدعم الاهتمام الجديد للبعثة.
وقال تقرير بان «إذا أعيد توجيه بعثة مراقبي الأمم المتحدة إلى سوريا على هذا النحو فإنه سيعاد نشر البعثة من الميدان إلى العاصمة (دمشق) لتقليل المخاطر والحفاظ على طاقة فريق المراقبين المدنيين والعسكريين الرئيسي للتركيز على مجموعة من المبادرات الداعمة للعملية السياسية.» وأضاف التقرير «سيدعم فريق مخفض من المراقبين العسكريين هذه الأنشطة التي يقودها مدنيون إلى جانب فريق اتصال عسكري كما هي الحال الآن يقوم بزيارات لمواقع الحوادث ليقوم بمهام تقصي الحقائق والتحقق».
وقال بان «كحد أدنى يشير (هذا النهج) إلى أن تثبيت وقف مستمر للعنف ليس احتمالا قريبا ويقيد بالتالي القدرة على المراقبة وتقديم تقارير متعلقة بانتهاكات وقف العنف. ومع هذا فإن المخاطر المتصلة بهذا النهج قد تكون مقبولة بدرجة أكبر مقارنة بمزايا التواصل القوي وغموض البدائل». وطرح بان بدائل أخرى من بينها سحب البعثة بالكامل أو زيادة عدد المراقبين العسكريين أو إضافة قوة مسلحة للحماية أو الإبقاء على البعثة كما هي لكنه قال إن هذا الخيار الأخير يعني أن بعثة الأمم المتحدة في سوريا «ستبقى مكلفة بأداء مهام لا تستـطيع القيام بها».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد