صفحة «التاريخ السوري» على «فايسبوك»
جمعٌ غفير من الرجال والنساء في قاعة كبيرة. بعضهم ينظر إلى الخلف حيث عدسة المصوّر وآخرون تركيزهم منصبّ على المنبر. هناك يجلس تاج الدين الحسيني رئيس الدولة السورية، وإلى جانبه رضا سعيد مدير الجامعة السورية. المكان: الجامعة السورية. الزمان: مطلع شهر حزيران عام ١٩٣٠. أما المناسبة فهي احتفالٌ كبيرٌ أقامته الجامعة بمناسبة توزيع دبلومات على متخرجيها من أقسام الحقوق والطب والصيدلة. بينهم كانت لوريس ماهر أول سورية تنال شهادة في الطب.
نعود ونقلّب بين الصور القديمة، تستوقفنا لقطة غريبة لفتاة تظهر بالزيّ العسكري. من تكون؟! إنها نازك مصطفى العابد، يوم مشاركتها ليوسف العظمة وزير الدفاع السوري في معركة ميسلون عام ١٩٢٠.
هكذا نقع في صفحة «التاريخ السوري» الفايسبوكية، على أرشيف ضخم من الصور النادرة التي توثّق الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية بكافة أشكالها ومختلف مراحلها.
«نحن مجموعة من الشباب السوري من مختلف الاتجاهات والانتماءات، متّفقين على شيء واحد وهو محبتنا لهذا الوطن... هذه الصفحة هي ملك الشعب السوري، بغض النظر عن انتماءاته السياسية والفكرية، هكذا تعرّف إدارة «التاريخ السوري» عن نفسها وتوجّهها. تتنوّع المواضيع في «التاريخ السوري»، ولكنّها بشكل عام تقسم إلى قسمين. الأول سياسي المضمون كصور رؤساء الجمهورية السورية واجتماعاتهم ورحلاتهم والانقلابات العسكرية، والآخر له طابع اجتماعي وثقافي وفني، كتقاليد الزواج عند اليهود في سوريا، وفرق الكشافة والحِرف الدمشقية التقليدية. بالإضافة إلى صور توثق المدن السورية وتطورها العمراني خلال القرن الماضي. إلا أن تركيز «التاريخ السوري» ينصبّ على المرأة السورية وإعادة الاعتبار لأهمية دورها في شتى ميادين النضال.
بين الألبومات نعثر على صورة لماري عبده شقرا أول سيدة حمصية أصدرت مجلة نسائية العام ١٩٢٨، أسمتها «دوحة الميماس». وها هي صاحبة مجلة «العروس» ماري العجمي ذات الأصل الحموي التي أسست أول نادٍ نسائي أدبي العام ١٩٢٠، وكان من أهم منجزاته تعليم الطالبات غير المقتدرات ماديّاً، وتشجيع المصنوعات الوطنية. وفي مكان آخر نكتشف صور لقمر قزعون شورى، سيدة العمل التطوّعي في ريعان شبابها. ناضلت قمر أيضاً من أجل الحصول على حق المرأة في الانتخاب دون الترشيح، وكانت هذه هي الخطوة الأولى في حصول المرأة على حقها الكامل في الحياة السياسية.
وهناك فرق كبير بين ما ينشره «التاريخ السوري» من صور موثّقة لنساء سوريات، يكافحن من أجل حقوقهنَّ في التعلم والعمل، وبين الصورة النمطية عن المرأة السورية «الثرثارة»، التي كرّستها بعض مسلسلات البيئة الشامية في السنوات الأخيرة.
ولا تقتصر اهتمامات مكتبة «التاريخ السوري» على نشر الصور الفوتوغرافية، بل تتعداها إلى مكتبة بصرية سمعية. إذ تنشر الصفحة مجموعة من الفيديوهات النادرة، منها الزيارة التاريخية للمناضل تشي غيفارا إلى الجمهورية العربية المتحدة في العام ١٩٥٩. إذ نشاهد غيفارا يتجوّل في الجامع الأموي الكبير ويزور ضريح صلاح الدين الأيوبي. كما يمكننا مشاهدة حديث مصور مع فخري بيك البارودي، المناضل الشهير، الذي قابله التلفزيون السوري في دمشق قبل عام واحد من وفاته سنة ١٩٦٦، وتحدث معه عن ذكرياته بمناسبة عيد الجلاء، وراح يسرد تفاصيل اليوم الطويل الذي قصفت فيه قوات الاحتلال الفرنسية البرلمان السوري وقلعة دمشق بالمدفعية في العام ١٩٤٥.
نوعية الصور العالية الجودة، والمعلومات الخاصة حول كل صورة واحدة، من ميّزات صفحة «التاريخ السوري» الذي يحاول الابتعاد عن وضع «لوغو» خاص به قد يفقد الصورة جماليتها وأهميتها. أما مصادر الصور التي تنشرها الصفحة، فهو الصحف والمجلات السورية في قسم منها، في حين بقيت بعض الصور مجهولة المصدر.
فكرة هذا المتحف الإلكتروني انطلقت العام ٢٠٠٤ عندما أسس سامي مبيّض الكاتب والمؤرخ السوري موقع «التاريخ السوري» الذي يضم أكبر مجموعة من الصور لسوريا. يقول مبيّض: «خلال السنوات السبع التي أعقبت بناءه، أصبح موقع «التاريخ السوري» اسماً مألوفاً ومتداولاً في سوريا، يتصفحه الكثير من الشباب والكبار ويتمتع بشعبية كبيرة بين أوساط المغتربين السوريين».
رواية التاريخ من خلال الصورة، هي خطوة فريدة لجذب الشباب السوري مجدداً نحو تاريخهم الذي ابتعدوا عنه بسبب جمود مادة التاريخ في المناهج التعليمية السورية وافتقارها للصورة التي تدعم الحكاية وتبرهنها.
اليوم وفي ظلّ الأحداث التي تشهدها البلاد تأتي محاولة «التاريخ السوري» لتشكيل ذاكرة بصرية عن سوريا في الواقع الافتراضي أمراً ضرورياً لاكتشاف الماضي السوري وتدفع الجميع للمحافظة عليه في أرض الواقع من الهجمة الممنهجة لسلب البلاد إرثها الحضاري والثقافي.
سامي رستم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد