مركز الهجرة والجوازات .. "روحة بلا رجعة"
الجمل ـ طرطوس :يسعدلي هالصباح..معلمي..تاج راسي..زعيم.. كل هذه الإطراءات والمدائح النفاقية يتلفظ بها المواطن عندما يمثل بين يدي المساعد وفي حضرة الشرطي في مراكز الهجرة والجوازات.
يدخل (طارق) بثيابه الأنيقة ونظاراته الشمسية ورائحة "هوغو" تهفهف منه مخترقة عفونة "كاريدورات" مركز الهجرة والجوازات، ومعه والدته "الليدي" إلى غرفة "أبو محمد" أحد أهم مفاتيح تسريع المعاملات وتنشيط دورتها الدموية وصاحب الرقم القياسي في سرعة استخراج جوازات السفر. ويطلب طارق منه مساعدته في معاملة تجديد جواز سفر والدته، فما كان من أبو محمد إلا أن انتفض ورمى سيجارته "المالبورو" أرضاً وأخذ يقرع طارقاً: لماذا لم تتصل بي على الجوال؟ كنت وفرت على "الحجة" مشقة الاستيقاظ الباكر وتعكير صبحيتها باللون "الخاكي". قم الآن وخذ الحجة ودعها تستريح في السيارة وعد ومعك المعاملة لنتفاهم.. و"الحجة" هو المصطلح المتعارف عليه والذي يطلقه الأهالي في محافظة أبو محمد على أي سيدة.
بعد ثلاث ساعات قضاها طارق والحجة في تناول الفطور في أحد المطاعم "الهاي كلاس" والتنزه بالسيارة، عاد إلى أبو محمد الذي استقبله بوجه بشوش وقد أنهى معاملته وقبض "المعلوم".. في وقت كانت طوابير الموطنين والمواطنات أصحاب معاملات تشبه معاملة الحجة وغيرها، المستجدين نظرة اهتمام واحترام، من الملطوعين الواقفين في ممر يهوج ويموج وقد أسكرته حرارة الازدحام و"نشادر بيت الراحة " المشرع الأبواب! حيث لا يصحصح المنتظرين سوى انفتاح موارب لباب مكتب رئيس المركز (المغلق أبدا) وهو يسرب خلسة خيطا من نسيم الكونديشن البارد العليل.
إن سخرية القدر والطابع "النقائضي" لهندسة دوائر الدولة هو ما جعل صورة أولئك الناس وعجقتهم وقوفاً وانتظاراً وحنقاً مكبوتاً، تبقى حاضرة في ذهننا، عندما استقبلنا "سيادته" في مكتبه الرحب الأسطوري الفخامة، الشاسع المساحة، والجلدي التأثيث المزين في وسطه بطاولة زجاجية coffee table تعلوها كتل من أصناف الحلويات والملبسات. . .
على بعد أربع خطوات من غرفة أبو محمد نرى (معين) وهو يزاحم العباد والخلق للدخول إلى " قسم اقامات الأجانب" وهو غرفة صغيرة مساحتها التقديرية حوالي الخمسة أمتار ويشغل 90 % من مساحتها طاولات المكاتب الثلاث مع خزانات الأرشيف الحديدية وعدد من الشرطيين وحشود غفيرة من المواطنين والمقيمين: مواطنين يريدون إنهاء معاملة خادمة أو موظف لديهم، ومقيمين لبنانيين وعراقيين وفلسطينيين وأردنيين و..و..ممن حضروا ومعهم أسرهم (نساؤهم واطفالهم) ليستحصلوا أو يجددوا إقاماتهم..
هذا القسم أو الغرفة، ليس من الإجحاف وصفها بالحقيرة أو بالمهزلة، فإذا افترضنا أننا كمواطنين قدرنا على غض النظر والتغاضي عن هذه الأمور، لكن أن ننشر غسيل بيروقراطيتنا وتخلف إداراتنا على عيون الأشهاد من ناس نزعم أننا نرحب بهم وأنا نهيء لهم سبل الراحة وحتى إننا في "تخطيط" دائم لاجتذابهم الى بلدنا؟! اللهم إلا إذا كانت هذه المناظر المقززة جزء من خطط تشجيع السياح والمغتربين! أو هي أفضل طريقة لتحسين دخل "معقبي المعاملات" وشركائهم من مافيات ادارية حكومية هرمية الوظيفة والمنفعة.
حسان عمر القالش
إضافة تعليق جديد