سارتر ودو بوفوار وأكاذيبهما البيضاء
هازل رولي الكاتبة والصحافية الفرنسية حدث وأن قابلت سيمون دو بوفوار العام 1979 في شقتها في شارع شولشر المواجه لمقبرة مونتبارناس. حين كانت تعد رسالة دكتوراه حول دو بوفوار الوجودية والنشيطة في الحركة النسائية. لهذا جاء جديد كتابها هذا متمثلاً بأسئلتها الساخنة حول علاقة بوفوار بسارتر حول الصدق والغيرة والمعايير المزدوجة بالنسبة إلى الرجال والنساء. تروي «رولي» كيف أن بوفوار كانت تجيب عن تلك الأسئلة من دون تأمل ولا تردد.
توفي سارتر العام 1980 وبوفوار العام 1986. لم يتلفا رسائلهما، وكان من الواضح أنهما خططا لتنشر بعد موتهما، وقد نُشر الجزء الأكبر منها بعد سنوات عدة. كانت صدمة القراء قوية، إذ تبين في النهاية أن هذين المدافعين عن قول الصدق كانا يكذبان دائماً على العديد من الفتيات غير المستقرات عاطفياً. (كان سارتر يدعوها «أكاذيب بيضاء» أو «نصف حقائق» أو «أكاذيب كاملة»).
وهناك بوفوار، التي كانت طوال حياتها تعلن أنها لم تُقم أية علاقة جنسية مع امرأة، نجدها تخبر سارتر في رسائلها عن الليالي الممتعة التي قضتها وهي تمارس الجنس مع فتيات!
في السنوات الأخيرة باح سارتر وبوفوار بأسرارهما المتشابكة من وراء قبريهما. فقد نشرت في العام 1997 رسائل الحب التي وجّهتها بوفوار إلى عشيقها «نيلسون الغرين». وقد أدهشت القراء. وفي العام 2004 نُشرت الرسائل المتبادلة بينها وبين عشيق آخر هو جاك - لوران بوست. وفاجأت القراء ثانية في كل مكان. وكتب أحد النقاد متسائلاً: «كيف استطاعت العيش مع ذلك الشخص ذي النظارتين والصوت المعدني والبذلة الزرقاء المجعّدة والمهووس بالسرطانات والشاذين جنسياً. في حين تمتلك تلك الحيوية والذكاء والعذوبة؟ يا له من لغز!».
يقول سارتر «من الطبيعي ألا ينجح أحد في كل شيء، لكن ينبغي عليه أن يريد كل شيء». ومن شعارات طلبة العام 1968 كان شعارهما المفضل «عش من دون وقت مستقطع». كلاهما كان متمرداً طوال حياته. وعندما كانا طالبين لم يستطيعا الإنجاز بتألق أكبر في ظل نظم التعليم الفرنسية آنذاك، فأدارا ظهريهما للصرامة الأكاديمية والأناقات البورجوازية.
كان سارتر يكره الغيرة، فهو يعتقد بأنها هامة بالنسبة إلى الأفراد ليتحكموا بانفعالاتهم، لا أن يدعوا انفسهم تنجرف بتأثيرها، وإلا فهم ينكرون حريتهم، وينساقون وراء ردود أفعالهم بدلاً من التصرف بمعزل عنها.
بالعودة إلى الثمانية عشر شهراً الأولى من علاقتهما، كتبت بوفوار تقول: «إن سارتر أصبح عالمها كله، وبفضله أصبحت أكثر فتنة»، حتى إنها نسيت نفسها وكفت عن أن تحيا لمصلحتها الخاصة.
في هذا الكتاب سنكتشف كم كانت ألفة سارتر وكرمه أسطوريين. كان مسلياً ومرحاً ومبتكراً ومقلداً لامعاً، كان يدفع الناس إلى الضحك حتى البكاء. كان مولعاً بمساعدة الناس وتشجيعهم ومنحهم الهدايا. ولكن على الرغم من دفئه وحبه للتآلف مع الآخرين، كان مكتفياً بذاته. لم يبد أنه في حاجة إلى أي شخص. حتى إلى شخص متميز.
لم تكن بوفوار تميل إلى التذمر. فمنذ بداية علاقتهما بذلت جهداً كبيراً لترى الأمور من منظور سارتر. وذلك بسبب شعورها بأنها، جزئياً، تدين له بكل شيء، وأيضاً بسبب أنها كانت على قناعة بأنها تحبه أكثر مما يحبها. لقد تصرفت بعقلانية فهي إن أحبت سارتر فذلك يعود، جزئياً، إلى أنه علمها أن تجابه الأمور على نحو مباشر.
ميزة هذا الكتاب أنه ليس سيرة حياة سارتر وبوفوار. إنما تفاصيل حياتهما المعقدة والغنية جداً. هذه قصة علاقة أرادت الكاتبة هازل رولي أن تصور هذين الشخصين عن قرب في لحظاتهما. وسواء اعتقدنا أنها واحدة من أعظم قصص الحب في التاريخ أم لم نعتقد، فهي بالتأكيد قصة حب عظيمة. تماماً كما أراد سارتر وبوفوار لحياتهما أن تكون.
(*) الكتاب ترجمة محمد حنانا - صادر عن وزارة الثقافة دمشق .
لينا هويان الحسن
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد