علاء الأسواني: من يطرد الخرفان؟
حدث ذلك في واحدة من أجمل الغابات وأكثرها خيرا وثراء، ابتليت الغابة بحكم الفيل الظالم الفاسد الذي استعان بالذئاب والخنازير لإخضاع الحيوانات. كانت الذئاب تهاجم الحيوانات كل ليلة وتلتهمها والخنازير تأكل الجيف وتتناسل. لم تعد الحيوانات آمنة على حياتها ورزقها وفاحت رائحة الخنازير الكريهة في أنحاء الغابة، ولما فاض الكيل بالحيوانات، أعلنت الثورة ضد حكم الفيل، وجرت موقعة ضارية قتل فيها مئات الحيوانات، لكنهم في النهاية انتصروا على الفيل وطردوه مع خنازيره وذئابه خارج الغابة. فوضت الحيوانات الزرافة للحديث باسمها فذهبت للقاء الأسد وقالت:
ـ أيها الأسد العظيم أنت تقود مجــموعة من الأسود الشجعان ولطالما دافعتــم عــن غابــتنا ضــد كــل من يريد بها شراً.. أرجوك تولَّ أمرنا فنحن نحبك ونثق بك.
تولى الأسد أمر الغابة وسادت حالة من التفاؤل والسرور في البداية ولكن بمرور الأيام لاحظت الحيوانــات أن الأســد يستعــين دائــماً بالخــرفــان، حــتى بدا واضحاً أنه سوف يسلم حكــم الغــابة إليهــم. عندئذ اجتمعت الحيوانات للتشاور فقال الهدهد:
ـ احــذروا يا زملائــي. مــن الواضــح أن الأســد عــازم عــلى تسليــم السلــطة الى الخرفــان. الخــرفان كــاذبون وأنذال لا يحفظون العهود ولا يراعون الحقوق. كل ما يهمهم هو تحقيق مصالحهم بأي طريقة.
صاحت النعامة:
ـ لقد ثرنا على الفيل الظالم وذئابــه وخنــازيره مــن أجل أن نعيش بأمان وكرامة. وها هو الأسد سيمنح الحكم للخرفان الأنذال. يا لضيعة الدماء التي راحت هدراً.
على أن الحمار كان له رأي آخر فقد أصدر نهيقاً وقال:
ـ يا جماعة لماذا تتوقعون الشر قبل وقوعه؟ من قال لكم إن الخرفان سيحكمون الغابة؟
قال الهدهد:
ـ إفهم يا حمار. كل الدلائل تؤكــد أن هــناك اتفــاقاً بين الأســد والخــرفان. لقــد قــمنا بثورة على حــكم الفيل حتى نقــضي على الظلــم ونعــيــش في أمـان. سترى بنفسك أن حكم الخرفان ليس أفــضل من حكـم الفـيل.
يوماً بعد يوم تحققت المخاوف، اذ تــولى الخرفان حكم الغابة بالكامل وانسحب الأسد الى العرين. سرعان ما اكتشفت الحيوانات ان حكم الخرفان ليس إلا الوجه الآخر من حكم الفيل. نفس الظلم ونفس الاعتداء على الحقوق ونفس الأكاذيب، بل إن الخرفان استعانت بالذئاب المتوحشة التي عادت الى مهاجمة الحيوانات الآمنة، تماماً كما كانت تفعل أيام الفيل. ساد الإحباط بين الحيوانات، وذات ليلة بينما الزرافة تتجول وحدها وهي حزينة اعترض طريقها خنزير وقال:
ـ مســاء الخــير أيتهــا الزرافــة. أعــلم أنــك حــزينــة مــن أجــل مــا يفــعلــه الخرفــان. نــحــن الخنــازيـــر أيـضــاً مستـاؤون مما وصــلت اليه غــابتنا. لــقد ثرتم ضد الفيل العظـيم وطردتمـوه وها أنتـم تدفعــون الثمن.
أجابت الزرافة بحدة:
ـ الفيــل لــم يكــن عظيــماً بــل كــان ظــالماً وفاســداً، وهـــو الســبب فـي كــل مصائبــنا. أنتم يا خنــازير كــنتم شركاءه وأدواته في الظلم والنهب والفساد.
تنهد الخنزير وقال:
ـ فلننسَ الماضي يا زرافتى العزيزة . لقد جئتكم برسالة صداقة من الخنازير. أعرف أنكم تعدون العدة لثورة جديدة ضد الخرفان. أنا أحذركم لأن الخرفان اتفقوا مع مجموعات كبيرة من الذئاب سيمزقونكم إرباً لو تمردتم عليهم.
زفرت الزرافة بقوة وأدارت عنقها الطويل يميناً ويساراً (كعادتها اذا انفعلت) ثم قالت:
ـ لا تستهــن بنــا أيــها الخــنزير. نــحن حــيوانات الغابة عددـنا أكــثر بكــثير من الخــرفان والذئــاب جميعــاً، كــما أننا مقاتلــون شجــعان ومستعــدون للدفـاع عــن حقوقــنا الى النــهاية حــتى لو هلــكنا جمــيعاً.
ـ أنا لا أشكك في شجاعتكم. ان عهد الفيل العجوز قد انتهى، وهو الآن ينتظر الموت بهدوء بجوار النهر. نحن مئات من الخنازير المدربة، واذا تحالفتم معنا سنقضي على الخرفان في يوم واحد..
زفرت الزرافة مرة أخرى وقالت:
ـ أنا لا أملك حق الحديث باسم الحيوانات في هذا الأمر.
تلك الليلة، ذهبت الزرافة الى الحيوانات جميعاً. كانت تشرح الموضوع أمام كل مجموعة من الحيوانات ثم تستمع باهتمام الى آرائهم، وبينما هي تتحدث مع الحمير قال أكبرهم سناً:
ـ أنا أقبل عرض الخنزير. أهم شيء الآن أن نطرد الخرفان بأي طريقة. يجب أن نستعين بالخنازير القوية في حربنا ضد الخرفان...
أما النسناس فقد تشقلب مرتين في الهواء ثم تعلق بجذع الشجرة وبدا عليه التفكير وقال:
ـ أيتها الزرافة أنا أرفض هذا العرض.
أما النعامة فقد رفعت رأسها وقالت:
ـ أيتها الزرافة أنا أفضل الموت على أن أتعاون مع الخنازير المجرمين.
في النهاية ذهبت الزرافة الى عرين الأسد. وقفت أمامه وأحنت رقبتها الطويلة احتراماً وقالت:
ـ أيها الأسد العظيم. يا من دافعت أنت وأبناؤك الأسود عن غابتنا عشرات المرات. قل لنا كيف تفكر. لقد ثرنا ضد الفيل الظالم الفاسد فابتلانا الله بحكم الخرفان وهم لا يقلون ظلماً وفساداً عن الفيل.
تثاءب الأسد وقال:
ـ ماذا تريدين مني أيتها الزرافة؟
ـ أريدك أن تفصح عن موقفك أيها الأسد. أنت تتصرف بشكل غامض. هل أنت معنا أم مع الخرفان؟
ـ أنا مع كل ما يحقق خير الغابة.
ـ خرجت الزرافة وهي تقول لنفســها: «لا فــائدة مــن هذا الأسد. لا يمكن أن نعتمد عليه. من الواضح أنه متواطئ مع الخرفان». في الموعد المحدد جاء الخنزير وقال:
ـ هل استشرت الحيوانات أيتها الزرافة؟
ردت الزرافة بهدوء:
ـ باستثناء بعض الحمير، فإن الحيوانات جميعاً يرفضونكم أيها الخنازير.
صاح الخنزير غاضباً:
ـ هذا هو الغباء بعينه. لقد دمرتم الغابة بغبائكم وخيبتكم. صرنا نعيش في فوضى وخراب ونتمنى يوماً واحداً من حكم الفيل العظيم.
رفعت الزرافة قدمها مهددة وقالت:
ـ انصرف من هنا اذا كنت حريصاً على حياتك.
خاف الخنزير وولى هارباً. ساعة الفجر كانت الحيوانات كلها قد استعدت طبقاً للاتفاق. كانوا يعلمون أن الخرفان لا يستيقظون قبل الضــحى وبالتالي قرروا أن يشنوا الهجوم مبكراً. وقفت الزرافة وقالت:
ـ أيتها الحيوانات الشجاعة. تذكروا زملاءنا الذين قتلهم الفيل بواسطة ذئابه وخنازيــره. لقــد ماتــوا وهم يحلمون بالعدل. ها أنتم تثورون مرة أخرى من أجل العدل. لقد رفضــتم أن تتعــاونوا مع الخــنازير ولقــد تخــلى عنكــم الأســد وتواطأ مع الخــرفان. قدركم أن تقاتلوا وحدكم لكنكم ستنتصرون بشجاعتكم.
كان صوت الزرافة الرفيع الرنان يعكس حماساً صادقاً أثر في الحيوانات فالتهبت مشاعرهم وهجموا على الخرفان النائمين الذين استيقظوا مفزعين واستدعوا الذئاب المتوحشة التي بدأت قتالاً ضارياً ضد الحيوانات الثائرة. كانت الذئاب تثب على رقبة الضحية فتقتلها بعضة واحدة من أسنانها الحادة. سقط ضحايا كثيرون وقبيل الظهر بدا واضحاً أن الثورة على وشك الاندحار، فقد قتل الذئاب عدداً كبيراً من الحيوانات وبدأت الحيوانات، الثائرة تحس بالوهن واليأس، على أنهم فجأة استمعوا الى زئير رهيب، وسرعان ما ظهر الأسد الكبير ومعه مجموعة من الأسود انقضوا على الذئاب وأوسعوهم تمزيقاً بمخالبهم.
زأر الأسد وقال:
ـ أيها الخرفان لقد صبرت عليكم حتى ظنت الحيوانات بي الظنون. منحتكم الفرصة لكي تعودوا للحق لكنكم ازددتم في الظلم والعــدوان حتى استعـنتم بالذئاب في قتل الحيوانات البريئة، تماماً كما كان الفيل الــظالم يفــعل. هنا كان لا بد أن أتدخل لأحمي الحيوانات من شركم. إن واجبنا نحن الأسود ليس فقط الدفاع عن الغابة ضد هجوم الأعداء ولكن واجبنا أيضا أن نحمي الحيوانات البريئة من العدوان الظالم. ارتفعت أصوات الحيوانات بالشكر الحار للأسد القائد الذي زأر مرة أخرى وكأنه يرد التحية وقال:
ـ الآن وقد قمت بواجبي وطردت الخرفان من الحكم سأعود مع زملائي الى العرين. أيها الاخوة الحيوانات سأترك لكم اختيار من ترونه مناسباً لكي يحــكم بدلا من الخرفان. من تريدون لكي تمنحوه حكم هــذه الغابة؟
ارتفعت أصوات الحيوانات جميعاً هاتفين باسم الزرافة التي بان عليها الخجل فأطرقت وراحت تحرك سيقانها وتحك الأرض بحوافرها ثم تطلعت نحو الحيوانات وصاحت:
ـ أشكركم يا إخوتي على هذه الثقة الغالية وأشكر الأسد العظيم لأنه قهر الذئاب المتوحشة وساعدنا على التخلص من الخرفان الأشرار. أعدكم بالعدل الذي طالما حلمنا به وقاتلنا من أجل تحقيقه.
عمت صيحات الفرح الغابة كلها اذ أحست الحيوانات لأول مرة أن ثورتها نجحت وأنها تبدأ عهداً جديداً الديموقراطية هي الحل.
علاء الأسواني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد