هل تتوقف تداعيات الأزمة السورية عند تركيا أم تنتقل إلى دول الجوار؟
مرة جديدة تثبت التطورات الاقليمية المتسارعة صحة المعلومات التي كنا قد كشفناها حول المعادلة الدولية القائلة بأنّ صمود النظام السوري يعني حكما سقوط خصومه الاقليميين والعكس صحيح. بيد أنّ ما تشهده تركيا منذ أيام من احتجاجات يمكن إدراجه في خانة تداعيات الازمة السورية وتورط حكومة رجب طيب أردوغان بها من دون تسجيل نقاط حاسمة بالرغم من مرور أكثر من سنتين على هذا الواقع الذي استفاد منه خصوم الحكومة التركية وأبرزهم حزب العمال الكردستاني الذي كان قد دخل على خط العلاقات السورية التركية المتوترة منذ اشهر طويلة.
ويبدو أنّ الاحتجاجات المتصاعدة في تركيا لم تفاجئ البعثات الدبلوماسية الشرقية المتابعة للوضع الاقليمي عن كثب خصوصا أنّ متابعتها قادتها إلى هذا الاستنتاج بعد أن سجّلت البورصة التركية العديد من الاجتماعات بين مسؤولين سياسيين وآخرين معنيين بالشأن الاقتصادي والمالي نقل خلالها المهتمون بالشأن المعيشي امتعاضهم من تدخل تركيا في الشأن السوري، والذي أدى بشكل مباشر إلى إقفال الحدود البرية بين البلدين ما حرم التجارة التركية من خط "الترانزيت" الذي يعبر الاراضي السورية مع الاشارة إلى أنّ بعض الاحصاءات تؤكد أنّ ما تخسره تركيا سنويا جراء حرمان التجار الاتراك من هذا الخط يحتسب بمئات الملايين من الدولارات وفق إحصاءات رسمية غير معلنة خشية من الحملات الاعلامية الداخلية التي تشنها الصحف المعارضة لحكومة اردوغان.
لكنّ العامل الاقتصادي ليس الوحيد الذي دفع الشارع التركي الى التحرك في هذا الظرف بالذات، أي قبل الانتخابات التركية باقل من سنة، بل تضاف إليه عوامل سياسية اقليمية كما تشرح مصادر سياسية مطلعة، وأبرز هذه العوامل عودة الحرارة إلى العلاقات بين المخابرات السورية الخارجية ونظيرتها التركية، بحيث يكشف دبلوماسي متابع أنّ عددا لا يستهان به من اللقاءات سجّل في الأيام الأخيرة بين الجانبين على خلفية البحث في ملف حزب "العمال الكردستاني الناشط على الحدود السورية التركية بعلم وغطاء من النظام السوري ومقايضته تركياً بملف "جبهة النصرة" التي تتلقى الدعم المالي واللوجستي عبر الاراضي التركية، ناهيك عن النتائج المحققة في الميدان السوري، والتي من شأنها اسقاط الحلم التركي باعادة امجاد الامبراطورية العثمانية انطلاقا من بلاد الشام.
التطورات التركية في شكلها ومضمونها دفعت بالدبلوماسي إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول الدولة التالية التي ستصل إليها تداعيات الأزمة السورية، فدول الجوار اضافة الى الدول الخليجية وعلى رأسها قطر والسعودية والبحرين بنت سياساتها الخارجية والداخلية على افتراض أنّ سقوط النظام في سوريا مسألة وقت لا أكثر، والتدخل الاجنبي المباشر قضية حيوية لا بد منها، فإذا بالحديث عن تسويات وصفقات كممر إلزامي لاعادة تركيب المنطقة يعود بقوة باعتباره خيارا وحيدا لا بد من الركون اليه بالرغم من تداعياته على الدول المذكورة واقلها الافساح في المجال امام معارضات الداخل للمطالبة باعادة النظر بمجمل الخطط المرسومة لما بعد سقوط الاسد.
وفي سياق متصل، لا يستبعد الدبلوماسي أن تكون المدة الفاصلة الفاصلة عن انعقاد مؤتمر جنيف 2 حافلة بشتى انواع التطورات، وأن تكون بادرة سوء على الدول العربية، وذلك في ظل اعتقاد ان كبار المعنيين بحل الازمة السورية يتعمدون تجيير الوقت المستقطع للنظام السوري لامالة الدفة الى جانبه بشكل فاضح، وبالتالي تحديد الدول التي ستدفع ثمن التسوية كما دفعت ثمن الحرب.
أنطوان الحايك
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد