سوريا وملوك وأمراء الخليج: العاصفة المثالية
الجمل- كون هالينان- ترجمة: د. مالك سلمان:
يمكن لقرار إدارة أوباما بتسليح المعارضة السورية بشكل مباشر أن يدمرَ إمكانية التسوية السلمية. ومن المؤكد أنه سيعمق الفوضى القائمة نتيجة الحرب الأهلية التي اندلعت قبل حوالي 3 سنوات. كما أنه سيضع واشنطن في تحالف مع أكثر الأنظمة استبداداً على وجه الأرض, أنظمة آخذة في التفسخ أكثر فأكثر.
باختصار, نحن متجهون إلى قلب عاصفة سياسية مثالية.
بينما يستند منطق قرار البيت الأبيض بتقديم الأسلحة الخفيفة والذخيرة للمتمردين إلى فكرة أنه سيعيد التوازن إلى أرض المعركة ويرغم نظام الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات, من المرجح أن يؤدي إلى عكس ذلك تماماً. فقد أصبحت الولايات المتحدة لاعباً مباشراً في الحرب الهادفة إلى إسقاط نظام دمشق, مما يقوض أي فرصة تسمح لها – بالتعاون مع روسيا – بلعب دور الوسيط الحيادي لتقريب الطرفين.
بالطبع, لم تكن واشنطن متفرجاً في الحرب الأهلية السورية. فلأكثر من سنتين كانت تساعد في تسهيل تدفق الأسلحة من قطر والسعودية وتركيا والإمارات عبر الحدود الأردنية والتركية, كما أن (سي آي إيه) تقوم بتدريب المتمردين في الأردن. لكن البيت الأبيض طالما تحدث عن "الحل السياسي", مع أنه حل سياسي مشروط: "على الأسد أن يرحل", كما قال الرئيس أوباما في شهر آب/أغسطس 2011, وهو شرط حولَ المواجهة سابقاً إلى صراع حتى الموت.
وكما قال رمزي مارديني, وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى, في "نيويورك تايمز": "ما هو الهدف من التفاوض على حل سياسي إذا كانت النتيجة مقررة سلفاً؟"
كارثة إقليمية
من الصعب القول إن كانت سياسات الإدارة حول سوريا ماكيافيلية أو عاجزة ببساطة. خذوا خطابَ الرئيس أوباما الشهير حول "الخط الأحمر" الذي يحذر فيه نظامَ الأسد من أن استخدامَ الأسلحة الكيماوية سيدفع الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري. ألم يدرك الرئيس أن تصريحَه هذا سيشكل خارطة طريق للتمرد المسلح: أثبتوا لنا أن الأسلحة الكيماوية قد استخدمت وسوف نرسل قوات المارينز؟ وسرعان ما أخذ المتمردون يطلقون الادعاءات بأنهم تعرضوا للهجوم بالغازات السامة, وهي تهمة نفاها نظام دمشق. ومن الصعب الجزم بحقيقة هذه التهمة, إذ لم يقدم البريطانيون أو الفرنسيون أو الأمريكيون أي دليل على ذلك. "فإذا كنتم المعارضة وسمعتم" أن البيت الأبيض قد رسمَ خطاً أحمرَ على استخدام غازات الأعصاب, عندها "تكون لكم مصلحة في إعطاء الانطباع باستخدام الأسلحة الكيماوية," كما يقول رولف إكيوس, العالم السويدي الذي رأسَ لجنة تفتيش الأمم المتحدة على الأسلحة في العراق. وتقول كارلا ديل بونتي, من بعثة تحقيق الأمم المتحدة حول سوريا, إن المتمردين المسلحين هم من استخدم الغاز السام, وليس الحكومة السورية.
الفرنسيون والبريطانيون ليسوا متفرجين حياديين, حيث يتمتعون بسجل أسود وحافل في المنطقة. فقد قامت باريس ولندن بتقسيم الشرق الأوسط من خلال اتفاقية "سايكس- بيكو" في سنة 1916, كما استغلتا الانقسامات بين الشيعة والسنة والمسيحيين لإذكاء النزاعات بين هذه المجموعات الخاضعة لها. وقد نجحَ هذان البلدان في إقناع الاتحاد الأوروبي بإنهاء حظر توريد السلاح إلى المقاتلين السوريين, ويفكران الآن في تزويد المتمردين بالأسلحة.
بالإضافة إلى فاتورة القتلى المتزايدة في سوريا – تبعاً للأمم المتحدة وصل عدد القتلى حتى الآن إلى حوالي 93,000 بالإضافة إلى مليون ونصف لاجئاً – فإن النزاع يتحول إلى حرب إقليمية, وخاصة في العراق ولبنان. كما تنزلق تركيا والأردن تدريجياً إلى قلب العاصفة.
إن القتال بين الشيعة والسنة المدعومين من السعودية في مدينة طرابلس الشمالية استدعى تدخل الجيش اللبناني الذي وجه إنذاراً بأن العنف الطائفي بدأ يخرج عن السيطرة. هناك مواجهات بين مؤيدي الأسد, والمتمردين السنة, والمنظمة الشيعية "حزب الله" على جانبي الحدود اللبنانية مع سوريا.
في هذه الأثناء, يشن المتطرفون السنة حملة تفجير سيارات مفخخة ضد الحكومة المركزية في العراق. وتبعاً للأمم المتحدة, قتلَ 1000 عراقي في شهر أيار/مايو, وعدد القتلى في تزايد مستمر. كما قتلَ تفجير جديد في قرية تركية حدودية 51 شخصاً وقد اتهمَ المواطنون الأتراك المتمردين, وليس نظام الأسد.
تعرض الحربُ الأردن, الهش اقتصادياً, لخطر جسيم. فقد أنهى حوالي 8000 جندي من 19 بلداً تدريبات حربية تحت اسم "الأسد المتأهب" في الأردن. وتبعاً لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية, كانت التدريبات تهدف إلى التحضير "لحرب محتملة في سوريا". وقد نشرت الولايات المتحدة صواريخ "باتريوت", وجنوداً, وقاذفات مقاتلة "إف 16" في الأردن.
مع أن الحرب الأهلية السورية بدأت بسبب رد الفعل الوحشي لنظام الأسد على المحتجين, إلا أنها تطورت إلى حرب بالوكالة بين سوريا وإيران وروسيا والعراق, من جهة, والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وتركيا وملكيات "مجلس التعاون الخليجي", من جهة أخرى. ويضم هذا المجلس: البحرين والكويت والسعودية وقطر وعُمان والإمارات, والعضوين الجديدين المغرب والأردن.
يلعب "مجلس التعاون الخليجي" دورَ الممول والمسلِح للتمرد المسلح, على غرار الدور الذي لعبه في الحرب الأهلية الليبية. فقد ضخت قطر أكثر من 3 مليار دولاراً في الجهد الرامي إلى الإطاحة بالأسد, كما ساهمت – بمساعدة السعودية والولايات المتحدة – في تحويل دور مصر من دعمها المبدئي لحلٍ سياسي إلى دعم إسقاط نظام دمشق بطريقة عسكرية.
تتخبط مصر في أزمة مالية خانقة, وقد وافقت قطر على استثمار المليارات في اقتصادها. لكن مثل هذه الاستثمارات مشروطة بالتزامات, وقطر وحلفاؤها الخليجيون ليسوا خجلين من استخدام أموالهم لكسب تأييد الدول السياسي لأهدافها الخارجية. فقد قال موقع "أهرام أونلاين" إن السبب الرئيس للنقلة الدبلوماسية في موقف مصر هو "الحاجة الماسة إلى المساعدات المالية والنفطية" السعودية.
وتبعاً لصحيفة "الأهرام", فإن الرئيس المصري محمد مرسي كان قد قاومَ نصيحة كبار مستشاريه لتغيير مواقفه. وقد اتهمت "حركة الجبهة الديمقراطية 6 إبريل" مرسي بالخضوع ﻠ "واشنطن" و "المشائخ السلفيين" المتطرفين.
كما أن مصر تحاول الحصول على قرض من "صندوق النقد الدولي" الذي تملك الولايات المتحدة تأثيراً كبيراً عليه. لذلك من الصعب أن نرى النقلة المصرية إلا بصفتها نوعاً من المقايضة.
البيت المقسَم
لدى "المجلس الخليجي" كميات غير محدودة من الأموال تحت تصرفه, ولكن هل تتمتع هذه الملكيات التي يتشكل منها "المجلس" بالاستقرار؟
السنة الماضية, اضطرت البحرين إلى الاستعانة بالقوات السعودية لسحق احتجاجات الأكثرية الشيعية المطالبة بالحقوق الديمقراطية. كما أن الإمارات العربية المتحدة اعتقلت 94 شخصاً بتهمة التآمر لأنهم طالبوا بالحقوق الديمقراطية. ويواجهون الآن حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً. وقد حكمت قطر مؤخراً على شاعر بالحبس 15 عاماً لكتابته قصيدة "تحريضية".
إن معارضة أمراء وملوك الخليج المريرة لأي شيء يشي بالديمقراطية أو الحكومة التمثيلية يشير إلى أن هذه التيجان ليست ثابتة جداً على رؤوسهم.
والسعودية مثال واضح على ذلك. فعلى الرغم من أنها أكبر مصدر للنفط في العالم, إلا أن عدد سكانها في تزايد مستمر – 30 مليوناً, أي أكبر من عدد سكان كافة بلدان "مجلس التعاون الخليجي" مجتمعة – كما أن نسبة البطالة بين السعوديين بين سن 20 و 24 تصل إلى 40%. ÷ذا إضافة إلى أن المملكة تواجه المحتجين الشيعة في محافظاتها الشرقية.
تعاملت الملكية السعودية مع المعارضة بمزيج من القمع المتزايد وبرنامج إنفاق وصل إلى 130 مليار دولاراً. ولكن كما تشير كارين هاوس في كتابها "حول المملكة العربية السعودية", فإن "نسبة الولادات المرتفعة, والتعليم السيء, والتخشب البنيوي في الاقتصاد, إضافة إلى الفساد المستشري في البلاد, قادت كلها إلى انحدار في مستوى المعيشة ... حيث يشعر الكثير من الشباب أن المستقبلَ قد سُرِق منهم."
الملكيات الخليجية الأخرى ثرية – باستثناء الأردن – لكنها تفتقر إلى السكان وتعتمد على العمال المستورَدين لتلبية حاجاتها إلى اليد العاملة. وبسبب غياب أية رؤى عامة, فإن هذه الأنظمة الملكية تميل إلى تفريخ الفساد. فالعائلة السعودية مكونة من 7000 أميرأً, يتمتع جميعهم بثروة البلد الضخمة.
قبل جيلٍ من الآن, كان بالإمكان التغطية على كل هذا الفساد, لكن الإنترنت عقدت الأمور الآن. إذ يستخدم معظم السعوديين "تويتر" و "يوتيوب".
ومع ذلك, تحالفت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو مع هذه الأنظمة الملكية لتحقيق أهداف مشتركة.
كما أن الاعتمادَ على "مجلس التعاون الخليجي" يعني أن واشنطن, من الناحية الجوهرية, جزء من الجهاد السني ضد الشيعة في لبنان وسوريا والعراق وإيران. ولكن, على الرغم من أن النزاع الشيعي- السني هام وقديم, إلا أن السياسات الخارجية لإيران وسوريا والعراق والمختلفة عن سياسات "مجلس التعاون الخليجي" مرتبطة بالعداء الذي تكنه بلدان هذا "المجلس" لإيران أكثر مما هي متعلقة بالفوارق الدينية.
كان ملك الأردن, عبد الله, أولَ من حذرَ من أن "الهلال الشيعي" – حزب الله وسوريا والعراق وإيران – يشكل تهديداً للشرق الأوسط, وهو "تحذير" ينسجم تماماً مع رغبة واشنطن في بناء تحالف ضد إيران. لكن ترقية الانقسامات الطائفية في الإسلام إلى مستوى التحالف لم يساعد فقط في إطلاق عقال المتطرفين السنة – بما في ذلك المجموعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا التي يُقال إنها تثير قلق واشنطن – بل فتحت "صندوق باندورا" الانقسامات الإثنية التي يمكن أن تندمَ عليها الولايات المتحدة وملكيات الخليج لاحقاً.
لا يزال هناك وقت كافٍ لإيقاف هذه الكارثة المحدقة.
قال الأمين العام للأمم المتحدة بان غي مون إن التحرك الأمريكي لتسليح المتمردين لم يكن "مفيداً", وكرر "ليس هناك حل عسكري للنزاع, حتى لو اعتقدت الحكومة [السورية] والمعارضة, والموالين لهما, أن ذلك ممكن." بمقدور إدارة أوباما الاهتداء بهذا التنبؤ والدعوة إلى وقف إطلاق النار, ووقف إرسال السلاح, والتركيز بدلاً من ذلك – بالتعاون مع روسيا – على التحضير لمؤتمر سلام.
يجب أن يضم هذا المؤتمر كافة الأفرقاء, بما في البلدان التي يهددُ استقرارَها النزاع القائم الآن. كما على الولايات المتحدة أن تتراجعَ عن موقفها القائل "على الأسد أن يرحل" وتحاول, عوضاً عن ذلك, السعي لإيجاد طريقة لإدخال الانتخابات الرئاسية السورية في 2014 في صيغة السلام. لكن المزيد من السلاح, والمزيد من معانقة بلدان "مجلس التعاون الخليجي" المتخلفة, سيضمنان استمرارَ الحرب التي تقتل السوريين وتزعزع المنطقة برمتها.
http://www.fpif.org/articles/syria_and_the_monarchs_a_perfect_storm
تُرجم عن ("فورين بوليسي إن فوكس", 25 حزيران/يونيو 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد