ليو زينوو: يجب ألا تكون هناك موضوعات ممنوعة
يعتبر ليو زينوو من الكتاب الصينيين المعروفين والحاضرين بقوة على الساحة الأدبية، في بلاده كما في العالم. أصدر مؤخرا كتاب «ولدت في 4 حزيران» وفيه يجرؤ على الحديث عن قضية محرمة في الصين، هي أحداث تيان آن مين. يستدعي الحدث في كتابه هذا الذي يروي فيه سيرته الذاتية. جريدة لوموند أجرت حوارا مع الكاتب نقتطف منه التالي.
÷ ما الذي دفعك إلى الحديث عن 4 حزيران، وهو تاريخ «محرّم» (تابو) في الصين، في مذكراتك؟
} لست شخصية سياسية، وليس لدي النية لألعب دورا خاصا حين أشير إلى تاريخ 4 حزيران، على الرغم من أن هذا التاريخ يبقى حدثا لا نستطيع الالتفاف عليه. فقط صادف أنه تاريخ عيد ميلادي. وسيبقى ذلك بالنسبة إليّ أمرا أليما جدا أي أن يرتبط عيد مولدي بذاك التاريخ (الحدث). بدأت بكتابة هذا الكتاب عام 2004، أي بعد 15 سنة من أحداث تيان آن مين. بالنسبة إليّ تشكل ذكرى أليمة، أضف إلى ذلك أنها لا تزال موضوعا من الممنوع الاقتراب منه في الصين عبر الكتابة. بيد أنني كتبته كي أدافع عن كرامتي. ليس من المفروض أن تكون هناك موضوعات ممنوعة حين نكتب مذكراتنا..
÷ واقع أن تكون أحداث تيان آن مين موضوعا محرما بعد 25 عاما من حصولها، ألا يشكل ذلك دليلا مقلقا؟
} كتبت، بداية، هذه المذكرات لنفسي، بصفتي كائنا يرفض أدنى شيء يفرض من الخارج. لا أحد يستطيع أن ينزع مني حق أن أتذكر حياتي مجددا. في الفصل الثالث والثلاثين، أروي قصة البنت التي تبنتها عائلة شو انلاي، وهي مخرجة مسرحية لم تعش لتشهد الثورة الثقافية، وقد ماتت بطريقة تراجيدية. بالنسبة إلي، أي حياة، ومهما كانت عليه، لا يجب أن ننساها. حتى الجنود الذين ماتوا ليل 3 4 حزيران يستحقون أن نتذكرهم. بالمناسبة، أهديت كتابي إلى الجنود وإلى المواطنين وإلى الطلاب الذين ماتوا في ذاك اليوم. من دون أي رغبة في السياسة، أعتبر أن لا أحد يستحق أن يموت في مثل هكذا ظروف. كل الناس الذين عرفوا هذه الأحداث عليهم أن يرووا ذكرياتهم عنها وأن يحظوا بحرية نشرها.
÷ تمنع السلطات أي تعبير عن الحزن. أمهّات تيان آن مين اللواتي فقدن أولادهن، يجدن أنفسهن مضطرات للبقاء في منازلهن كلّ عام. ما موقفك تجاه هذا؟
} أشعر بحساسية كبيرة تجاه كل ما يصيب أولئك الناس. وبما أنا عليه من مستوى متواضع، أحاول أن أتذكر كلّ ما عشته، من دون أن أمنع أيّ شيء. في أحد مقاطع الكتاب، وأشرح ذلك اليوم، أجد أنه من الصعب التعبير عن الذاكرة الجماعية بقدر ما هو صعب التعبير عن الذاكرة الفردية. على الجميع أن يتشاركوا في هذه الذكريات، كي تتجمع في النهاية، حتى نتمكن من كتابة قصة مفيدة. نحيا فترة قاتمة، صعبة جدا على الذاكرة، لكن علينا أن نجابهها.
÷ «ولدت في 4 حزيران» (كتابك) لم يصدر لغاية الآن إلا في فرنسا، هل يضايقك هذا؟
} كتبت هذا الكتاب للجمهور الصيني، وأمنيتي الأساسية أن أراه صادرا بالصينية. لقد أطلعت عليه في البداية مترجمي إلى الفرنسية، وبسرعة صدر الكتاب بالفرنسية. يريحني هذا الأمر بالطبع، لكن ليس لذلك التأثير نفسه، أقصد أن الثقافة الفرنسية غذتني كثيرا عبر المسرح والرسم والموسيقى ومفاهيم المساواة والحرية والأخوة، كل ذلك حملني إلى الكتابة وشجعني عليها.. هناك ناشرون صينيون عدة الآن طلبوا مني إن كانوا يستطيعون قراءة المخطوط. لم أقم بذلك لغاية الآن، عليّ أن أهيئ الرأي العام..
÷ بالنسبة إلى كاتب نشر في الصين، ثمة مناطق عديدة ممنوعة في التاريخ الصيني. كيف كان الأمر في رواياتك الأخرى؟
} في «أستاذ رئيسي»، أعدت طرح السؤال حول الثورة الثقافية. أما في «أروقة أربعة»، التي كتبت عام 1994، تصبح الذاكرة أمرا مهما. إنها رواية كبيرة تصف عصبة عائلية ـ في الواقع عائلتي لكن بشكل روائي ـ تجتاز كل تاريخ الصين. إذًا أقترب من فترات حساسة.. لكنها تتوقف قبل أحداث تيان آن مين، كل كاتب، وأنا من ضمنهم، يتوقف أمام شكل من أشكال الرقابة الذاتية. لقد أحسست بنفسي حرا بشكل كامل وأنا أكتب «ولدت في 4 حزيران». معنى هذا، نجد أن ثلث الكتاب مؤلف من نصوص سبق أن نشرت في الصين في مجلات، وقد جمعها ناشرون. لكن هذا لا يمنع أن بعض كتبي، مثل «الشجرة والغابة» تجد صعوبة كبيرة في أن يعاد طبعها من جديد.
÷ هل تجد أن الحقبة الحالية تبدو أقل ازدهارا في ما يتعلق بحرية التعبير؟
} أشعر بالندم الحقيقي عل فترة الثمانينيات، أي زمن هو ياوبانغ وزاو زيانغ. في تلك الفترة كان الحزب جديرا بالعودة والاعتراف بأخطائه، وقد ساهم ذلك في تحرير قسم كبير من الطاقة الإبداعية. كان يمكن الاقتراب من كل الموضوعات والأفكار. شخصيا، لا أنحدر من عائلة «حمراء»، إلا أنني في تلك الفترة انتسبت إلى الحزب، وقد تم إعادة الاعتبار إلى الكثير من المثقفين الذين تعرضوا للاضطهاد.
لو عدنا إلى عام 1962، أذكر كتابا تمّ نشره عن شهيد ثوري، يدعى ليو جودان. كان يعيد النظر في الكثير من الأفكار الرسمية. لم يكن ماو يثمن استعمال الرواية لنقد الحزب. تم إيقاف مؤلفة الكتاب. لكن في العام 1978 لم يتورع هو ياوبانغ في نقد هذه الأحكام وقد سمح للكتاب بأن يصدر مجددا. في ما بعد، عام 1981، أصدر الحزب قرارا حاكم فيه الثورة الثقافية. كانت تلك لحظة مهمة بالنسبة إلى الكتّاب.
اليوم، أشعر بأننا نتراجع كثيرا. علينا أن نحظى بحق النقد، أن نحافظ على هذه المكتسبات. كيف يمكن تفسير هذا التراجع؟ بدون شك من جراء هذه السياسة التي ترغب في الحفاظ على الاستقرار بأي ثمن...
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد