مصر: إنذار رئاسي لـ«الإخوان» ودعوة مصالحة
تزداد عزلة الرئيس المعزول محمد مرسي، وتطويه الأحداث والمواقف. بالأمس أقصته ثلاثة بيانات رسمية صادرة عن «جماعته»، ومرشده محمد بديع، وتحالفٍ نشأ دفاعاً عنه، وتعمدت، كلها، وبإصرار مقصود، عدم ذكر اسمه، فيما عززتها تحركات على الأرض توحي بأنّ «الإخوان» قد شرعوا في طي صفحة الرئيس المعزول، وبأنهم باتوا أكثر ميلاً لقبول الواقع الذي أنتجته «ثورة 30 يونيو»، وأكثر استعداداً للتفاوض على مصيرهم في ظل توازنات المرحلة المقبلة.
في هذا الوقت، خرج رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور بخطاب هادئ، ومقتضب، بدا مختلفاً في الشكل والمضمون عن خطابات الرئيس المعزول، حيث خاطب فيه المصريين بالقول إن البلاد تمر «بمرحلة حاسمة يريد لها البعض أن تكون طريقاً الى المجهول ونريد لها أن تكون طريقاً الى الافضل»، متعهداً بأن السلطات المؤقتة ستخوض معركة الامن «حتى النهاية»، ومبدياً استعداده للحوار مع القوى السياسية كافة من دون إقصاء لأحد.
وقال منصور، في خطاب متلفز لمناسبة ذكرى انتصار العاشر من رمضان (حرب اكتوبر 1973): «لقد أمكن للمصريين أن يسلكوا الطريق بين الركام، وأن يعطوا للعالم درساً في صناعة الأمل».
واضاف «امتثالاً لإرادتكم التي املت علينا خريطة لمستقبل الوطن... جاء تشكيل حكومة وطنية من الكفاءات القادرة على القيام بتحديات اللحظة الدقيقة، وهي خطوة سبقها إعلان واضح عن مسار لتصحيح ما اعوجّ في الوضع الدستوري، ثم تلتها خطوة تأسيس إطار وطني مؤسسي للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية اطلقناها في اليوم الاول من شهر رمضان المعظم».
واكد منصور أن «إطار العدالة والمصالحة يتجه إلى الجميع من دون إقصاء أو استثناء، وقد دعونا مؤسسات الدولة والمجتمع للعمل معاً على إنجاز هدف السلم المجتمعي القائم على العدالة وسيادة القانون وقيم التعايش الانساني».
وتابع منصور «إننا ندرك تماماً أن الذين يريدون طريق الدماء يرفعون رايات خادعة وشعارات كاذبة، ويدفعون الوطن إلى حافة الهاوية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً».
وشدّد على التزام الحكومة في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، قائلاً «لن يأخذنا الخوف ولا الفزع ولن تأخذنا بالذين يقتلون الأبرياء هوادة او تهاون، وسنخوض معركة الأمن حتى النهاية وسنحافظ على الثورة وسنبني الوطن وسنمضي من دون تردّد إلى الامام، ولن تعود حركة التاريخ إلى الخلف، ولن يقطع أحد طريق شعبنا نحو الحرية والاستقرار».
وأشار منصور إلى ان «الشعب المصري وجيشه اذهلا العالم قبل 40 عاماً في حرب العاشر من رمضان، ثم عادت بلادنا لتذهل العالم من جديد في الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو»، مشددا على انها «عبقرية الانسان في بلد طالما وصفه المفكرون بعبقرية المكان».
وأضاف قائلاً «لقد كانت نكسة العام 1967 استثناءً صادماً على تاريخ عظيم، وقد خاض شعبنا وجيشنا محنة كبرى كانت قاسية على النفس وثقيلة على العقل، وكان تقدير الكثيرين أنها محنة دائمة وهزيمة حاسمة، ولم يدرك هؤلاء فلسفة التاريخ الكامنة لهذا الوطن، كما انهم لم يدركوا أن آلاف السنين من الحضارة لا يمكنها ان تزول بفعل عاصفة عنيفة مهما كان حجمها ومهما علت شدتها».
وتابع «لقد أمكن للمصريين أن يبصروا الخطى وسط الغبار وان يسلكوا الطريق بين الركام وان يعطوا للعالم درساً في صناعة الامل، وقد أمكن لشعبنا وجيشنا أن يخوضا حرب الاستنزاف المجيدة بعد أيام من الهزيمة، ثم جاءت حرب السادس من أكتوبر واستطاع الجيش المصري العظيم أن يحقق انتصاراً أسطورياً كان حديث العالم ولا يزال».
وبدت المقاربة التاريخية التي وردت في خطاب منصور بمثابة ردّ غير مباشر على بيان أصدرته جماعة «الإخوان المسلمين» صباحاً بعنوان «في ذكرى العاشر من رمضان»، ولم توفر فيه جهداً في تشبيه ما تعيشه مصر حالياً بما عاشته في حزيران العام 1967، معتبرة أن الجيش المصري في هذه المعركة كان «ضحية قيادة انحرفت عن دورها، فانغمست في السياسة والشهوات، وأهملت واجباتها العسكرية».
وأرجع بيان «الإخوان» النصر في معركة العاشر من رمضان (حرب اكتوبر 1973) إلى «إعلاء شأن المبادئ والأخلاق، وانصراف القيادة العسكرية عن السياسة»، وخوض القوات المسلحة «حرب الكرامة في شهر رمضان المعظم وهتافها: الله أكبر».
وفي ما بدا محاولة لإسقاط تجربتي العامين 1967 و1973 على اللحظة الراهنة، أشار بيان «الإخوان» إلى أن مصر تعيش «كابوساً خطيراً يهدد أمنها القومي بحرب أهلية، أو إحداث وقيعة بين الشعب وجيشه، أو إحداث انشقاق داخل الجيش نفسه».
وحدد البيان مطالب «جماهير الشعب»، وهي «استعادة الشرعية، وتعديل الأوضاع، وإلغاء الانقلاب وكل ما ترتب عليه من آثار»، متجاهلاً ذكر محمد مرسي أو رئاسة الجمهورية.
بدوره، سار المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين» على المنهج ذاته، سواء في إرجاع الهزيمة والنصر إلى عوامل الإيمان الديني والموقف من الجماعة، أو في إغفال ذكر مرسي بالإسم، مكتفياً بوصف جاء فيه أنه «أول رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية حرة، قام بإرساء معالم الممارسة الديموقراطية، واتجه بالبلاد نحو الحداثة والرقي والتقدم».
وفي أول رسالة يوجهها لـ«الإخوان» منذ ثلاثة أسابيع، وصف بديع الملايين التي خرجت لإسقاط نظام محمد مرسي بأنها «قوى الظلام والرجعية المرتبطة بالقوى الدولية الرافضة لدور مصري رائد».
ودعا بديع من وصفهم بـ«قادة الانقلاب» إلى «الرجوع للحق وترك التمادي في الباطل والنزول على إرادة الشعب والعودة عن كل القرارات الباطلة».
وبخجل من يستعد للتراجع أضاف: «في ظل الشرعية الدستورية تطرح كل قضايا الأمة، وتفتح كل الملفات، ويجتمع كل أبناء مصر للاتفاق على النهوض بها في ظل شرعية دستورية هي أهم مكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير».
أما بيان «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب»، فدعا جموع الشعب المصري إلى النزول اليوم إلى الشوارع في تظاهرة «مليونية» أطلق عليها تسمية «جمعة النصر»، في جميع ميادين مصر، وذلك «لاستعادة ثورة 25 يناير التي سرقها الانقلابيون وأذنابهم من السياسيين الفاشيين»، وهو ما قابلته القوى الثورية بالدعوة إلى تظاهرات حاشدة في ميادين مصر وشوارعها تحت شعار «الدفاع عن مكتسبات الثورة».
وبرغم دعوة التحالف الإسلامي إلى التصعيد في الشارع، الا أن لهجته قاربت لهجة بيان «الإخوان» ومرشدهم، حيث حفل بيان «التحالف» بمفردات غريبة عليه. وبعدما فشل هذا التحالف في تسويق «تهم» العلمانية والليبرالية والكفر، فقد كان لافتاً يوم أمس استعارته مفردة «الفاشية»!
أما التطوّر الأكثر أهمية، فتمثّل في كشفه المتحدث باسم «الإخوان المسلمين» جهاد الحداد، من أن «الجماعة اقترحت، من خلال وسيط من الاتحاد الأوروبي؛ إطار عمل لمحادثات ترمي إلى حل الأزمة السياسية».
ونقلت وكالة «رويترز» عن الحداد، الذي مثل «الإخوان» في محادثات سابقة توسط فيها الاتحاد الأوروبي، قوله إن «الاقتراح طرح على المبعوث الأوروبي «برناردينو ليون» قبل الزيارة التي قامت بها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون للقاهرة، أمس الأول».
في هذا الوقت، بدأ المعتصمون في ميدان رابعة العدوية، عصر أمس، في إخلاء المناطق بين المباني السكنية والحدائق الخلفية.
ناصر كامل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد