بوش والكونغرس: تنازع أم تكامل
شهدت الولايات المتحدة ولادة الكونغرس العاشر بعد المئة، وبرغم أن هذا الحدث أمر داخلي اساسا، فإن هذه الانتخابات تحظى باهتمام بالغ في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في تلك المناطق، التي تتطلع إليها الإدارة الأميركية بعين الريبة (مثل إيران وكوريا الشمالية) أو بعين الموالاة أو ارتباط المصالح (مثل إسرائيل)، فيما تقف بلدان أخرى، تتفرج على ما ستؤول عنه الامور وبما قد يؤثر على حياتها.
ويعود هذا الاهتمام البالغ بشكل الكونغرس إلى أنه الهيئة التي تملك السلطة على القرارات الأميركية الداخلية، وبما لها من تأثيرات خارجية، ولأنه الهيئة التي تطلق اشارة شن الحروب، وتحدد مسار الحرب الحالية على الإرهاب، بكل من فيها من أطراف، مشاركة فيها، ومستهدفة، ولأنه أيضا، وإن كان لا يرسم العناوين الأساسية للسياسة الخارجية، فإنه يضبط توجهات الإدارة الاميركية على الصعيد الدولي، وأحيانا يوجهها.
فالكونغرس هو الجهة التي قد تصادق على شن عمل عسكري ضد إيران أو معارضته، وهو أيضاً الجهة التي ستصادق على منح الدولة العبرية المزيد من المساعدات المالية والعسكرية، والجهة التي قد تقرر سحب القوات الاميركية من العراق، وأفغانستان، أو تقرر توسيع نطاق الحرب.
فما هو هذا الكونغرس، وكيف تبصر قراراته النور، ما هي صلاحيات مجلسيه: النواب والشيوخ، وإلى أي مدى يحدان من صلاحيات الرئيس؟
إن النظام الأميركي نظام فدرالي رئاسي تشريعي ديموقراطي جمهوري ويقف على الهيئات التقليدية الثلاث: التشريعية (الكونغرس) والتنفيذية (البيت الأبيض) والقضائية (المحكمة العليا).
يتألف الكونغرس من مجلسين هما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب اللذان يجتمعان في الجانبين الشمالي والجنوبي من مبنى الكابيتول الضخم في العاصمة الفدرالية واشنطن.
يلقي الدستور بكل السلطات التشريعية على عاتق الكونغرس، غير أن سلطة هذا الأخير محددة في الدستور، فيما تبقى السلطات الأخرى بيد الشعب (كحق التملك والمحاكمة أمام المحاكم المحلية) وبيد الولايات (كتنظيم المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق والمناهج التربوية).
تاريخ الكونغرس الأميركي
تعود جذور أول كونغرس أميركي إلى الكونغرس القاري الذي تأسس في خريف العام 1774 والذي كان يتكون من 12 نائباً يمثلون المستعمرات ال18 التي كانت تابعة للمملكة المتحدة. وفي الرابع من تموز ,1776 أعلن الكونغرس القاري الثاني استقلال 13 مستعمرة (هي نيوهامبشر وماين ومساتشوستس وديلاور وكونيكتكت ونيويورك ونيوجيرسي وبنسلفانيا وماريلاند وفرجينيا ونورث كارولاينا وساوث كارولاينا وجورجيا)، سميت الولايات المتحدة الأميركية.
وتحت البنود الكونفدرالية، أعطى الكونغرس (المؤلف من مجلس واحد آنذاك)، ومقره فيلادلفيا، كل ولاية حق النقض، وكان يمثلها عدد متساو من النواب. ولكن بسبب فشل هذه الهيئة في ضبط صلاحيات الولايات وممارساتها، أقرّ الكونغرس ميثاق العام ,1787 الذي كان من المفترض أن يكون مراجعةً للبنود الكونفدرالية، ولكنه انتهى بأن يكون دستوراً جديداً، وإن كان قصيراً في نصه (حوالى 28 صفحة)، ولكنه فاعل في مضمونه حيث لا يزال هو نفسه بعد أكثر من قرنين، مع إدخال بعض التعديلات عليه.
أول من نادى بجعل الكونغرس مؤلفاً من مجلسين تشريعيين هو جايمس ماديسون (الذي أصبح رئيساً في ما بعد)، الذي اقترح تأسيس مجلس أدنى (للنواب) وينتخب أعضاؤه مباشرة من الشعب، ومجلس أعلى ينتخبه المجلس الأول.
ومن أجل حماية سلطة الولايات، تقرر أن تنتخب الهيئات التشريعية في الولايات شيوخها، وليس الشعب، الذي كان لا بد له من الانتظار حتى العام ,1913 ليحق له انتخاب شيوخه مباشرة، وذلك على خلفية الفساد والرشى التي هيمنت على انتخابات الكونغرس، الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون.
ثم شهد مطلع القرن العشرين، بزوغ القيادة الحزبية في مجلسي الكونغرس. ففي مجلس النوب، أصبح لمكتب الرئيس صلاحيات واسعة، فيما بقي نفوذ الشيوخ أقل تأثيراً.
- يحق للكونغرس تنظيم التجارة الخارجية والمحلية (بين الولايات)، وفرض الضرائب، وطباعة العملة، ومنح الرخص، وإنشاء محاكم أدنى درجة من المحكمة العليا، وإنشاء الجيوش وإقرار نفقاتها، ومراقبة صرف الأموال الحكومية، وإصدار جميع القوانين الضرورية والمناسبة لتنفيذ السلطات التي منحها الدستور للرئيس والكونغرس والمحاكم الفدرالية.
كما يستطيع تعطيل الكثير من مشاريع الرئيس، من خلال صلاحياته الدستورية ومن خلال هيمنته على عدد من اللجان المهمة في مجلسي النواب والشيوخ كلجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ولجان القوات المسلحة ولجنة المساعدات الخارجية ولجنة الاستخبارات، وهي لجان تستطيع التأثير في قرارات الرئيس بشأن السياسة الخارجية للدولة.
- يتمتع الرئيس بسلطة إرجاء تنفيذ الأحكام، ومنح العفو عن الجرائم ضد بلاده (في ما عدا الدعاوى النيابية). ولكن إبرام المعاهدات، وتعيين كبار الموظفين الحكوميين لا يتمان إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ.
ولقد سمح الكونغرس ضمنياً للرئيس بإدارة سياسة البلاد الخارجية دون تدخل كبير منه بحيث يتفرغ الكونغرس للداخل، باعتبار أن الرئيس محاط بأجهزة ووكالات متخصصة (FBI - CIA)، والمستشارين والخبراء.
إلى ذلك يتمتع الرئيس بحق نقض قرارات الهيئة التشريعية، ما لم تكن غالبية ثلثي الكونغرس ضده.
- يعتبر الكونغرس الجهة الوحيدة المخولة بإعلان الحروب على دول أخرى، ولكن هناك أمثلة تاريخية عديدة عن رؤساء أدخلوا الولايات المتحدة في حروب لم يعلنها الكونغرس، مثل قيام الرئيس هاري ترومان بإرسال قواته إلى كوريا عام ,1950 وليندون جونسون الذي أرسل قوات إلى فيتنام في الفترة من 1965 إلى ,1968 وإعلان جورج بوش الأب الحرب على العراق عام .1990
وعلى الرغم من أن الكونغرس هو الذي يملك سلطة إعلان الحرب حسب الدستور، وعلى الرغم من أنه أصدر قانون سلطات الحرب عام 1973 الذي يشترط فيه على الرئيس أن يتشاور مع الكونغرس قبل شن حرب أو إعلامه، بعد 48 ساعة، بالأسباب التي دعته إلى إرسال القوات خارج البلاد، ثم سحب تلك القوات بعد 60 يوماً إذا أصر الكونغرس على معارضته للحرب، فإن الرئيس يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، ويخضع له الجنرالات في السلم والحرب.
وللمفارقة لم يقم الكونغرس بإصدار قرار الحرب في تاريخ الولايات المتحدة إلا في خمسة حروب من أصل أكثر من 130 حرباً أصدر الرؤساء وحدهم قراراتها. بل ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تقف أي مؤسسة في وجه الرؤساء، وخصوصاً أن غالبية قراراتهم كانت تتخذ والرأي العام الأميركي يكون معبأ بشعور الخوف على أمنه بسبب تهديدات خارجية.
ومع ذلك، ثار جدل أميركي كبير إزاء قضية إعلان الحرب على العراق في العام 1991 حيث لم يوافق الكونغرس على ذلك في الوقت الذي تحمست فيه الرئاسة للحرب كثيراً واستطاعت الولايات المتحدة في عهد جورج بوش الأب اغتصاب سلطة إعلان الحرب من الكونغرس.
لكن العلاقة بين الرئيس والكونغرس غالباً ما تعتمد على عدد من العوامل الداخلية والخارجية، وعلى ضوء تلك العوامل تبلغ العلاقة بين الطرفين قمة التفاهم أو أدناها وتسوء وتتوتر. فالعوامل الداخلية مثل الرخاء الاقتصادي للبلاد أو عدمه، ومهارات الرئيس الاتصالية وعلاقاته بالمؤسسات وشعبيته والغالبية الحزبية في الكونغرس ولا سيما إذا كان الرئيس ينتمي إليها، كلها عوامل قد تساعد الرئيس على تمرير قراراته من دون كثير معارضة من جانب الكونغرس أو تصعّب عليه الطريق نحو تنفيذ قراراته.
ولهذا يسعى الرئيس الحالي جورج بوش مثلا إلى إقرار مشروع التنصت على المكالمات الهاتفية في بلاده من دون إذن قضائي (وهو أمر مخالف للدستور) في ظل الكونغرس الحالي حيث الغالبية تنتمي لحزبه الجمهوري، أي قبل انتقال السلطة إلى الديموقراطيين في مطلع العام المقبل.
كما تؤدي العوامل الخارجية دوراً مؤثراً في العلاقة بين الرئيس والكونغرس، ولا سيما في حال استطاع الأول إقناع الرأي العام الشعبي أنه يمثل سياسة وقائية لأمن بلاده في مواجهة خطر محتم أو عدو شرس، ما لا يترك للثاني أي مجال ليظهر بمظهر من يعرّض بلاده للخطر. وليست حروب بوش الوقائية ضمن مسلسل الحرب على الإرهاب، سوى مثال صارخ عن مدى تأثير الرئيس في السياسة الخارجية لبلاده.
العلاقة بين الكونغرس والرئيس
إن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة أرادوا أن تكون هيمنة الكونغرس أقوى من تلك المنوطة بالرئيس خوفاً من أن يتحول هذا الأخير إلى طاغية ينتهك الحريات. ولكن هذه المسألة كانت، عبر التاريخ، موضع مشادة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فأول عشرة رؤساء أميركيين تقاسموا السلطة، مناصفةً مع الكونغرس، ولم ينقضوا سوى المسائل المتعارضة مع الدستور. بعدها شهدت الولايات المتحدة توالياً لرؤساء ضعفاء، حيث سهل على مجلس الشيوخ، الهيمنة عليهم. وفي نهاية القرن التاسع عشر بدأ الرئيس الأميركي غروفر كليفلاند بممارسة سلطة كبيرة، عبر إبطال نحو 400 قرار من قرارات الكونغرس خلال عهده، محاولاً توسيع صلاحيات الرئاسة، أما القرن العشرون فشهد تعاظماً لدور الرئيس، ما حدا بالكونغرس إلى تقليص صلاحياته عبر تعديلات دستورية، مثل قانون الكونغرس لمراقبة الميزانية والمخصصات (الصادر في العام 1974) وقرار سلطات الحرب في العام .1973
عملياً، تعتبر مسألة النفوذ متشابكة بين الرئيس والكونغرس، حيث يمكن للرئيس نقض قرارات الكونغرس، والعكس صحيح. وعلى سبيل المثال، يضع البيت الأبيض الميزانية السنوية للحكومة، لكن لا بد من مصادقة الكونغرس عليها لتصبح سارية المفعول. وداخل الكونغرس نفسه، يمارس كل من المجلسين مبدأ مراقبة الطرف الآخر، بحيث لا يتم اعتماد أي تشريع إلا بعد موافقة المجلسين وليس أحدهما.
- يتكون مجلس الشيوخ الأميركي من مئة عضو، زعيمهم هو نائب الرئيس الذي لا يمكنه التصويت على قرارات المجلس إلا إذا تساوت الأصوات. ويتم انتخاب شيخين عن كل ولاية (بغض النظر عن عدد سكانها) من الولايات الخمسين لمدة ست سنوات. وبما أن ثلث أعضاء المجلس يتقاعد كل سنتين، يستطيع الشعب الانتخاب لتبديل شيوخه على دفعات وليس مرة واحدة.
يعتبر مجلس الشيوخ اكبر تأثيرا في القرار لأن صلاحياته أهم من تلك المعطاة لمجلس النواب. كما ان صغر عدد اعضائه وطول الفترة الانتخابية يمنح أعضاءه فرصة اكبر لتحقيق درجة اعلى من التفاهم بينهم حول القضايا المطروحة والتحرر من تأثير التوجهات الحزبية.
- يعرف مجلس النواب بأنه مجلس الشعب لأنه أكثر التصاقا بهموم الشعب اليومية، كما ان عضو هذا المجلس يمثل مقاطعة صغيرة جغرافيا ويكون عدد سكانها حوالى خمسمائة الف شخص. ويتكون مجلس النواب من 435 نائباً منتخباً لمدة سنتين (بالإضافة إلى مفوض عن بورتو ريكو (لمدة أربع سنوات)، وستة نواب ينتخبون لمدة سنتين، ويمثلون: العاصمة واشنطن، وجزر فيرجين، وسموا، وغوام، وجزر نورثرن ماريانا، ومقاطعة كولومبيا، وهؤلاء جميعهم يناقشون في الجلسات ويصوتون في اللجان، لكنهم لا يقترعون في المجلس).
ينتخب النواب في المجلس رئيسهم (غالباً ما يكون من حزب الغالبية) الذي تتضمن مهامه الإشراف على اجتماعات النواب، وتطبيق القوانين والنظم، ولكنه لا يترأس الجلسات. وهو يعتبر الشخص الثالث إلى البيت الأبيض، بمعنى انه لو مات الرئيس ونائبه أو عزلا، فإنه يصبح تلقائيا رئيسا للبلاد لحين موعد الانتخابات الرئاسية.
من حق مجلس النواب أن يقرر زيادة الضرائب، ومراقبة صرف أموال الخزينة، والتحقيق بشأنها، غير أنه يحق لمجلس الشيوخ رفضها أو المصادقة عليها. أما إقامة الدعاوى النيابية (ضد الرئيس أو مسؤولي الحكومة) فهي من اختصاص مجلس النواب وحده، وتكفي غالبية النواب لاتهام مسؤول، ولكن يتعين الحصول على غالبية ثلثي مجلس الشيوخ لإدانته. والرئيسان الوحيدان اللذان وبخهما الكونغرس هما اندرو جونسون لخرقه الدستور في العام ,1868 وبيل كلينتون على خلفية فضيحة مونيكا لوينسكي في العام ,1999 والتوبيخ يضعف من مقام الرئيس معنوياً ولا يؤثر على منصبه.
- من أبرز صلاحيات الكونغرس غير التشريعية هي مراقبة عمل السلطة التنفيذية وقراراتها والتحقيق بشأنها، وغالباً ما تفوّض اللجان الدائمة أو الخاصة أو المدققة أو المشتركة (أي المؤلفة من أعضاء من مجلسي الكونغرس) بهذه المهام. وتتضمن هذه المهام جمع المعلومات المطلوبة من أجل اقتراح القرارات الجديدة وتحويلها إلى قوانين، والاستقصاء بشأن مواصفات المسؤولين وأدائهم. كما يحق للجان الكونغرس عقد جلسات استماع، وإجبار الأعضاء على الإدلاء بشهادتهم من خلال مذكرة استدعاء.
- يولد القرار في أي من مجلسي الكونغرس، ثم يتعيّن على إحدى اللجان القائمة (مثل لجنة الزراعة أو المخصصات أو المراقبة) دراسته واقتراح التعديلات عليه. بعدها يعاد القرار، مرفقاً بالتعديلات، إلى المجلس الذي نشأ منه، والذي يحق له الأخذ بها أو رفضها أو تعديلها.
وما أن تتم المصادقة على القرار في أحد المجلسين، يرسل إلى المجلس الثاني، الذي يحق له قبول القرار، رفضه أو تعديله. ولكي يتحول القرار إلى قانون، على كلا المجلسين التوافق على صيغة واحدة لنصه النهائي. وفي حال أدخل احد المجلسين تعديلات جديدة، يتعيّن على لجنة التشاور، وهي لجنة مكونة من نواب وشيوخ، إقرار الصيغة النهائية للقرار، وفقاً للتعديلات المقترحة.
وبعد الحصول على موافقة كلا المجلسين، يرفع القرار إلى الرئيس، الذي يحق له التوقيع عليه، أي يصبح القرار قانوناً، أو نقضه وإرجاعه إلى الكونغرس، مرفقاً بالاعتراضات. وفي هذه الحال، يتطلب غالبية من ثلثي الأصوات في كلا المجلسين ليتم تجاهل الفيتو، ويصبح القرار قانوناً. وفي حال أصرّ الرئيس على موقفه، رافضاً توقيع القرار، يتعيّن انتظار عشرة أيام حتى يتحول القرار إلى قانون.
يعرف لمجلس النواب 20 لجنة قائمة، وعدد مماثل للجان مجلس الشيوخ. ويرأس هذه اللجان عضو ينتمي لحزب الغالبية، وينوب عنه عضو من حزب الأقلية.
- لعبت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس دوراً مهما في التأثير في السياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية على وجه التحديد، حيث دفعت السلطة التنفيذية إلى التلويح باستخدام ورقة المساعدات كوسيلة ضغط على المعارضين لسياسات الولايات المتحدة ودعم الدول الموالية لها وتقوية إسرائيل عسكرياً وماليا على دول الجوار.
من جهة أخرى، يتعيّن على لجنة المخصصات التدقيق في عملية صرف الأموال الحكومية، بما في ذلك مخصصات وزارة الدفاع. وقد أشار الباحث غوردون ادامز في مركز وودرو ويلسون، إلى أن ميزانية وزارة الدفاع المعتادة تقل في القانون بمقدار 4 مليارات دولار، عن المبلغ الذي طلبته الإدارة منذ شن الحرب على الإرهاب، مضيفاً أن الإدارة مررت هذه النفقات عبر المخصصات الإضافية لنفقات الطوارئ التي لا تمر عبر القنوات العادية المخولة بالتدقيق، بل تنتقل بسرعة من البنتاغون إلى البيت الأبيض بالحد الأدنى من الدقة والتمحيص.
ويعني هذا المثال أن اللجان، قد تتمتع بنفوذ المراقبة واقتراح آليات المحاسبة، ولكنها قد تختار غض النظر أو التراخي.
وفي الاتي مثال آخر عن إحجام اللجان عن القيام بدورها كاملاً لسبب من الأسباب، قد يكون مرتبطاً بتأثير الرئيس ونفوذه على اللجنة وخصوصاً إذا كانت هذه الأخيرة مؤلفة من غالبية تنتمي إلى حزب الرئيس. ففي صيف العام ,2004 اتهمت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) بفشل استخباري جسيم في العراق بعدما بالغت الوكالة في تقدير خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية، ولكن اللجنة تمنعت عن توجيه اتهام لمسؤولين في الإدارة بذريعة أنها لم تجد أي دليل يشير إلى تورط هؤلاء في محاولة التأثير على تقرير الوكالة، وهو الأمر الذي يتضارب مع تصريحات للعديد من المحللين ومن بينهم الكاتب السياسي بوب وودوورد.
أما المثال التالي فيبرز مدى إخفاق الكونغرس في كبح نفوذ الرئيس، ففي ربيع العام 2005 خاضت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس معركة ضد تعيين الرئيس لجون بولتون سفيراً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وقد أقامت اللجنة نحو 30 جلسة استماع مع مسؤولين في الاستخبارات ومسؤولين في إدارة البيت الأبيض ومن بينهم بولتون نفسه، بهدف جمع المزيد من المعلومات بخصوص اتهامات بأن بولتون كان يخيف المحللين الاستخباراتيين، وأنه يسيء معاملة مرؤوسيه وأنه سعى لتضخيم جهود كوبا وسوريا وغيرها من الدول للحصول على أسلحة خطيرة.. ولعل الأمر الأكثر إثارة للسخرية هو تكليف بوش لبولتون في نهاية المطاف بتمثيل بلاده في الأمم المتحدة من دون موافقة الكونغرس، على الرغم من انه يعتبر الامم المتحدة جديرة بعدم الوجود.
في المقابل، هناك بعض النماذج التي تظهر قدرة الكونغرس على الحد من سلطة الرئيس، ففي مطلع تشرين الأول من العام الحالي أقر الكونغرس إجراء يمنع إدارة بوش من بناء قواعد عسكرية أميركية دائمة في العراق أو السيطرة على قطاع النفط، وهو إجراء وقّعه بوش مكرهاً، لا لشيء سوى لأنه (الإجراء) كان مرفقاً بمصادقة للكونغرس على مشروع قانون الإنفاق العسكري لتخصيص 70 مليار دولار لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان.
مثال آخر عن تأثير لجان الكونغرس، هو ما لوّح به الديموقراطيون عن اعتزام لجان القوات المسلحة والدفاع في الكونغرس الجديد، الذي ينعقد في مطلع العام المقبل، بالتحقيق في مكامن الأخطاء التي اقترفتها إدارة بوش في العراق ولا سيما في مجالات عمل الاستخبارات وأدائها ما قبل الغزو، ومساءلة أداء لجنة تمويل وإعادة إعمار العراق.
جنان جمعاوي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد