مصر: استهداف ممنهج للهوية الثقافية
«الله لا يمكن أن يعطينا عقولا تصنع فكراً وحضارة ويعطينا شرائع مخالفة لها». هكذا قال ابن رشد مؤسس العلوم والحضارات الإنسانية. كأنه يرى حال الثقافة المصرية اليوم وهي تحرق وتكفّر على أيدي الجماعات الإسلامية الإرهابية. فبعد إعلان الجيش المصري الحرب على الجماعات المسلحة التي تحمل راية «الشرعية» بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، والذي كان يحمل الايديولوجيا المتزمتة ذاتها، اشتعلت نيران الحرائق في مصر حتى طالت منابر الفكر والثقافة على امتداد البلاد.
ومع بدء حملة وزارة الداخلية وقوات الجيش المصري لفض اعتصامات «الإخوان» وملاحقتهم بالميادين البديلة، انتشرت ظاهرة حرق المتاحف والمكتبات العامة والهيئات التابعة لقصور الثقافة المصرية.
على بعد أمتار من طريق مصر - أسوان الزراعي، اقتحم عناصر من الجماعات الإسلامية المسلحة متحف ملوي في المنيا.
ويرجع تاريخ إنشاء المتحف إلى العام 1963، وهو مكوّن من طابقين على مساحة حوالي 600 متر مربع، ويحوي أربع قاعات لعرض مقتنيات الآثار المستخرجة من مناطق تونا الجبل والأشمونين ومير وتل العمارنة. كما يضم مجموعة نادرة جدا من المومياءات لقردة وطيور أبو منجل، وهما رمزا الإله جحوتي سيد الأشمونين، ومجموعة كبيرة من التماثيل البرونزية الرمزي لهذا الإله، وكذلك توابيت حجرية وخشبية وفخارية للقرد وللطائر أبو منجل.
ويحوي المتحف كذلك مجموعة من التوابيت، خشبية وحجرية، ومجموعة من الأقنعة من العصرين اليوناني والروماني، وبرديات بالخط الديموطيقي، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأواني الفخارية والتماثيل من عصور مختلفة، وعملات يونانية ورومانية، ونصوص يونانية على لوحاتٍ حجريةٍ وبعض أدوات الزينة، ومعدات الحياة اليومية.
تمت سرقة ألف وخمسين قطعة أثرية من مقتنيات هذا المتحف (من أصل ألف وتسع وثمانين قطعة أثرية)، ولم يتبق سوى توابيت ومومياءات عجز المخربون عن حملها، فقاموا بتحطيمها وإتلافها. هكذا أصبحت كل المقتنيات الأثرية مهشمة وتحتاج إلى ترميم تتطلب عملاً شاقاً ومبالغ مالية كثيرة.
وقال وزير الآثار المصري محمد إبراهيم إن وزارته تعد تقريرا مفصلا مدعماً بالصور عن حالة متحف ملوي في محافظة المنيا بعد ما تعرض له من اعتداء، وذلك تمهيداً لإرساله إلى الدكتور محمد سامح عمرو المندوب الدائم لمصر لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).
كذلك، تعرضت قصور الثقافة في سوهاج والمنيا لهجمات مسلحة من قبل أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، الذين سرقوا محتويات هذه المنشآت الثقافية، وعمدوا الى تخريبها. كما اقتحمت مجموعات مسلحة متاحف ومخازن أثرية من بينها متحف روميل في محافظة مرسى مطروح ومتحف ومخازن البهنسة في مركز بني مزار في المنيا، إلا أنها باءت بالفشل بعد تصدي الأهالي للهجمات.
هذا بالنسبة إلى الآثار... أما عن المكتبات النادرة والمهمة في مصر فحدّث ولا حرج، حيث تعرضت مكتبة الإسكندرية العامة للنهب والسرقة، وتم حرق جزء كبير من مقتنياتها على أيدي مسلحين ينتمون إلى جماعات إسلامية حليفة لـ«الإخوان»، لوحظ انهم كانوا يرددون «الله أكبر» خلال عملية السرقة والتخريب..
كما تعرضت مكتبة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل للاحتراق بالكامل يوم الخميس الماضي، وذلك على يد أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي. وتعتبر مكتبة هيكل من أهم المكتبات في مصر حيث تضم مئات الكتب وعدداً كبيراً من الوثائق النادرة، وتقع في قرية برقاش في محافظة الجيزة.
وعن تفاصيل الحادث، روى شهود عيان أن العشرات من مؤيدي مرسي حاصروا فيلا الكاتب الكبير في قرية برقاش، وأشعلوا النيران فيها بالكامل، وتمكنوا من إحراق المكتبة الملحقة بالفيلا.
وربط البعض بين إحراق مكتبة هيكل واجتماع نواب سابقين في لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشورى المنحل، يوم الثلاثاء الماضي في مسجد رابعة العدوية (قبل ساعات من فض الاعتصام)، حيث أصدروا ما أسموه «قائمة سوداء» بأسماء الكتاب الذين دعموا «الانقلاب»، وضمّت اسم الكاتب الكبير.
من جانبه، أرجع مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية ومستشار الأمين العام المجلس الأعلى للآثار السابق، محاولات التعدي على منابر الثقافة والحضارة المصرية إلى مخطط يهدف إلى محو هوية مصر وتراثها، مشيراً إلى أن هذه الخطة بدأت بالفعل بهدم «مدش مرزا الأثري» والذي بني في عهد محمد باشا الصوفي بعد هجوم شنته مجموعة من «البلطجية» في اوائل العام الحالي. ورأى الكسباني أن دعوات هدم الآثار التي يتبناها المتسأملون تحديدا في عهد وزير الثقافة الاخواني السابق علاء عبد العزيز أعطت البلطجية جرأة إضافية لمهاجمة الآثار، واضعاً ما يحدث اليوم في إطار انتقام نظام مرسي من الهوية الثقافية المصرية.
أمل علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد