«أولاد القيمرية» يعيدون الاعتبار إلى حواري دمشق
يستمرّ في دمشق هذه الأيام تصوير مسلسل «أولاد القيمرية» قصة عنود خالد، سيناريو عباس النوري وحافظ قرقوط، وإخراج سيف الدين سبيعي، وهو من إنتاج «ريل فيلم» التابعة لشبكة «أوربت». العمل المترافق مع أعمال بيئية أخرى كـ«باب الحارة 3»، و«أهل الراية» إضافةً إلى «الحصرم الشامي 2» الذي لم يبدأ المخرج سيف سبيعي تصويره بعد، يمثّل محاولة لتقديم رؤية مختلفة في الأعمال التراثية الدمشقية. كأنه يجيء رداً على «باب الحارة» الذي استُبعد منه النجم عباس النوري، كاتب سيناريو «أولاد القيمرية»، الذي كان يُتوقع أن يخرجه بنفسه.
العمل يُعنى بتوثيق الحدث تاريخياً (نهاية القرن التاسع عشر)، ويقدم شخصيات ذات صلة بالتعليم. وهو أيضاً يوظّف نغمة محاربة الفساد الرائجة في سياق تاريخي آخر، لكنه أيضاً عمل اجتماعي إنساني يتناول قضايا الحب والأسرة والمشاحنات العائلية والطمع، فالتاريخ هو خلفية للأحداث. المسلسل مكوّن من جزءين يمثّلان 60 حلقة، سيجري تصويرهما دفعة واحدة. وتجري الأحداث في حيّ القيمرية الدمشقي في الفترة الممتدة بين إنشاء الخط الحديدي الحجازي ونهاية الحكم العثماني، ويهتم بالتفصيلات الإدارية للدولة وحياة الحارة الشعبية من خلال عائلة الفوال التي تعمل في تجارة الأقمشة.
بطل المسلسل عبد الله (عباس النوري)، هو موظف في ديوان المعاشات والمحاسبة. يتصدى للباشوات والبكوات والموظفين الذي يستغلون مناصبهم لخدمة مصالحهم، وهو يكشف عمليات السمسرة على المعاشات المتأخرة، ما يسبب له عداوات. لكن في المقابل، تلفت نزاهته أنظار الحكمدار والوالي والصوباشي (قائد الأمن العام) فيدعمونه ويكلّفونه مهمات تفتيشية. ويبدو أن هذا الخطاب يسعى إلى التأكيد على أن المستويات العليا ليست فاسدة، بل تدعم الإصلاح. قمر (أمل عرفة)، زوجة عبد الله، شخصية إيجابية تقف إلى جانب زوجها في معاركه العادلة. وتمتد الشخصيات في محيط عائلة عبد الله، فهناك أبو كامل (رفيق سبيعي) وهو تاجر كبير ومن وجوه الحارة. وعلى رغم دوره الإيجابي في حارة القيمرية وحلّ مشاكلها وعلاقته الطيبة مع إخوته، يتورط في قضايا تزوير وتلاعب بالشراكة مع بعض المتنفّذين في الحكمدارية. أمّا زوجته أم كامل (نبيلة النابلسي)، فهي سيدة شامية تقليدية وأم طيبة. الأخ الآخر عبد الصمد (ناجي جبر) هو شخص انفعالي و“قبضاي” لا يخلو من الظُرف، ويبدو حائراً بين أخوَيه. أمّا زوجته خديجة (سلافة عويشق)، فهي معلمة (خجا) تعمل في تعليم البنات. الأخ عبد الصمد (فادي صبيح) هو شيخ الجامع، وهو رجل ورع متزوج منتهى، الثرثارة، التي تفتعل المشاكل بين السلفات. ومن شخصيات «أولاد القيمرية» مصطفى، شقيق قمر، وهو بغجاتي (حلواني) لئيم وطمّاع. طلّق زوجته زاهية لأنها لا تنجب، وتزوج أرملة عندها ولد هو فتحية وأخذ مالها، واشترى محلاً من دون علم أخيه، شريكه في العمل. يتبيّن في ما بعد أن العيب هو من مصطفى لأن زاهية تتزوج وتنجب، بينما يدخل هذا الأخير في خلافات مع إخوة الزوج الأول لفتحية، إذ يتهمونه بسرقة مال المرحوم. ورضا، الشقيق الثاني لقمر، هو شاب حنون لديه مشكلة في النطق يعمل مع أخيه في محل الحلويات، وهو متزوج زهرة التي هي على خلاف دائم مع سلفتها فتحية. لكن قمر تتدخل دائماً لترطيب الأجواء بين المرأتين. أما زوجها عبد الله، فتؤدي صلابته في مكافحة الفساد إلى أن يتعرض لمحاولة قتل فاشلة، تتحرّك الشكوك نحو عدد من الشخصيات، ما يزيد من التشويق. إلى أن ينجح أعداؤه في قتله مع ترويج شائعة أنه سرق أموال الحكمدارية، ومع السعي إلى الطعن في أخلاق زوجته، التي تخشى من أخوتها، فتهرب من الحارة هي وطفلها شريف. ثم تتعرف إلى باشا نافذ يساعدها ويرسلها إلى إسطنبول، حيث سيتعلم ابنها ويعود إلى الشام كبيراً باسم جديد ليتسلّم وظيفة مهمة. أما والدته، التي ترجع معه، فتبدأ رحلة للكشف عن سر مقتل زوجها. يكتشف أعمام شريف هويته الحقيقية، حين يقرر شراء البيت الذي ولد فيه، ولا تستطيع قمر تجنب اللقاء بإخوتها، وخصوصاً مصطفى، الذي كان في الماضي قد كلّف أخاه رضا قتلها، لكنه لم يفعل وكذب عليه، مدّعياً أنه قتلها. ينتهي المسلسل إلى حالة من المصالحة العائلية والصفح، ويتزوج شريف ابنة عمه عبد الصمد، ثم يرحل عن الشام بسبب الحرب العالمية الأولى. ومن شخصيات «أولاد القيمرية» أبو عدنان الطحان، وعناصر الكركون، والموظفون الكبار من الباشاوات كنيازي، والبكوات كصبري وعدلي المنغمسين في الفساد المالي.، إذ يقدم المسلسل صورة للنظام الإداري والسلطوي كما للحياة اليومية، بما فيها من عادات وتقاليد.
يبدو «أولاد القيمرية» محاولة طموحة لتقديم مسلسل شاميّ مختلف. لكنه لا يخلو من العدة المعهودة لهذه المسلسلات، من الدسائس النسائية، إلى الإعلاء من شأن الأخلاق الحميدة، وهي ليست مقتصرة على الرجال هذه المرة. كما أنه يبدو مفرطاً في دخوله في تفاصيل النظام الإداري العثماني، وكأنه ردّ مبالغ فيه على افتقاد الأعمال الأخرى التوثيق. وما دمنا لم نشاهد المسلسل بعد، فمن خلال حكايته نستطيع القول إنه يقدم قصة مثالية عن انتصار الخير رغم الصعوبات. وهو يبقى أيضاً دراما عائلية، إذ إن معظم شخصياته من الأقارب، وربما كان ذلك مرتبطاً بكون العائلة الكبيرة هي الفضاء الاجتماعي الأساسي والمتاح في البيئة التقليدية. لكن يظل التساؤل مشروعاً عن مبرر إنتاج أعمال بيئية؟ وهل هي لازمة ضرورية، لا بدَّ منها؟ وهل أي محاولات لتقديم رؤى مختلفة لا تكون إلا من خلالها؟ أم هو الشرط التسويقي الذي جعل من هذه الأعمال بضاعة رائجة؟
- يحاول «أولاد القيمرية» الذهاب بعيداً عن عمل جماهيري كـ«باب الحارة». إلا أن سرّ نجاح هذا الأخير، قد يعود إلى كل ما عُدّ عيوباً فيه. فمنذ نشأت الدراما التلفزيونية السورية، كانت الأعمال البيئية هي البضاعة الأكثر رواجاً لديها عربياً. وهذه الأعمال لم تبدأ مع «أيام شامية» لبسام الملا (1992)، بل قبل أربعين عاماً مع دريد ونهاد في «حمام الهنا» (1967)، إخراج فيصل الياسري، و«مقالب غوار» (1968) و»صح النوم» (1970)، وهما من إخراج خلدون المالح. وهي، على رغم كونها مسلسلات كوميدية، تبقى غير موثقة تاريخياً، وتجري أحداثها في حارة دمشقية متخيلة («حارة كل مين إيدو إلو») المماثلة لأماكن «باب الحارة» (“حارة الضبع»). وتقوم هذه الأعمال على شخصيات ثابتة قد تكون غوار وحسني وأبو صياح وياسينو وفطوم وأبو غاسم وأبو رياح وبدري أبو كلبشة... أو أبو عصام والإيدعشري والعكيد أبو شهاب والزعيم وأبو غالب ووصال. وهي أيضاً أعمال تتميز بالصدق والعفوية، إذ تربط ممثليها بالبيئة علاقة خاصة، فمعظمهم ينتمي إلى هذه البيئة بالولادة أو بالأصل. وهي أيضاً مسلسلات ترفيهية خفيفة مشغولة بشكل جيد ولا تحمل ادعاءات كبيرة، وليست ذات مضمون إيجابي بالضرورة.
منار ديب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد