«اكسبرسن» في الرقّة: قصّة حياة من خلف النقاب
تحلّت سيّدتان سوريّتان بالشجاعة الكافية لتصوير الحياة في شوارع الرقّة، من تحت النقاب، من دون أن يضبطهما عناصر «داعش». في وثائقي من 13 دقيقة نشرته صحيفة «اكسبرسن» السويديّة، تروي أم عمران وأم محمد، شذراتٍ من حياة النساء تحت حكم تنظيم البغدادي.
من «سي أن أن» إلى «هافنغتون بوست»، وعشرات المؤسسات الإعلاميّة الأخرى، انتشرت خلال اليومين الماضيين مقتطفات من الوثائقي المتوافر كاملاً على «يوتيوب» حيث حصد أكر من 900 ألف مشاهدة خلال يومين. عرضت «سي أن أن» مقتطفات من التسجيل، تظهر سعي النساء للحفاظ على حيواتهنّ بأكثر قدر طبيعي ممكن. ينطلق التقرير من صور علب صبغة شعر، حُجبت وجوه العارضات عليها بقلم أسود، وينتهي بصورة إحدى السيدتين وهي تخلع النقاب، وتكشف عن شعرها، من دون أن يظهر وجهها. وبين اللقطتين، نكتشف قصصاً صغيرة ومعبّرة، عن كيفيّة إدارة «داعش» للخوف تحت سطوته.
شاهد كثرٌ قصّة أم عمران وأم محمد خلال اليومين الماضيين، لكنّ قلّة تعرف أنّ المشروع من إنتاج وتنفيذ صحافيين لبنانيين هما مندوب صحيفة «اكسبرسن» السويديّة في الشرق الأوسط قاسم حمادي، ومعدّة الأفلام الوثائقيّة بيسان طي.
بدأ العمل على الشريط الوثائقي قبل أشهر، ونشر قبل يومين على موقع صحيفة وتلفزيون «اكسبرسن»، مرفقاً بنصّ تفصيلي عن تجربة أم عمران وأم محمد في التقاط صور على قدر عالٍ من الخطورة. بجانب الصور المأخوذة خلسة في شوارع المدينة الرازحة تحت سطوة «داعش» منذ نهاية العام 2013، يتضمّن الوثائقي مقابلات مسجّلة مع السيّدتين، تسردان فيها كيف شهدتا إعداماً للمرّة الأولى، وكيف تحوّلت مساكن أثرياء المدينة قبل الحرب إلى بيوت «للمهاجرين» (عناصر «داعش» الأجانب، من سعوديين وفرنسيين وأفغان وتونسيين وغيرهم). يتخلّل الوثائقي القصير أيضاً لقاء مع سائق أجرة، يحكي عبر الكاميرا الخفيّة عن إمكانيّة تعرّضه للجلد إن أقلّ امرأة وحدها.
يقول حمادي إنّ الشريط هو العمل الصحافي الأوّل المصوّر من داخل الرقّة، منذ العام 2014، ومن دون إشراف «داعش». «كان هدفنا من الشريط تقديم عمل مغاير عن البروباغندا الداعشيّة المشغولة بتقنيّات عالية، والتي تحاول أن تظهر أنّ الحياة في الرقّة تحت سيطرة التنظيم بالكامل، وأنّه قوّة لا تهزم». ويوضح حمادي الفرق بين عمله المشترك مع طي، وبين عمل بعض الناشطين الذين بادروا للتصوير من داخل المدينة، مشدّداً على أنّ ما أنجزاه جهد صحافي متكامل، جرى الإعداد له على مدى أشهر. «أردنا أن نُظهر ما يحدث مع الناس داخل الرقّة، مع دخول سوريا العام السادس للحرب، بإنتاج صحافي محترف، يختلف عن عمل الهواة المحمّل أحياناً بأبعاد سياسيّة».
يتكتّم معدّا التقرير على كيفيّة حصولهما على الصور، وكيفيّة إجراء المقابلات مع أم محمد وأم عمران. تقول طي: «يركّز الإعلام في التعاطي مع الرقّة على الجانب السياسي، وحاولنا أن نبتعد عن تلك البروباغندا، والتركيز على الجانب الإنساني، والبحث على عناوين مختلفة، واتخاذ حياة الناس كعنوان رئيسي». وتلفت طي إلى أنّهما لجآ إلى الخيار الأخلاقي قبل البحث عن السبق، فموّها صوت كلّ الأشخاص الذين يظهرون في العمل، خشية تعريض حيواتهم للخطر، «بالرغم من أنّ ذلك جاء على حساب إظهار بعض التفاصيل المعبّرة في أصوات المشاركين وطريقة كلامهم». من جهته، يلفت حمادي إلى أنّ تعاطي الإعلام مع الشأن السوري خلال السنوات الماضية، كان إمّا أبيض أو أسود، وذلك ما حاول الوثائقي الأخير تجنّبه.
يخوض الشريط في تفاصيل حياة النساء، إذ تتحدّث إحداهنّ عن بطش شرطة الحسبة، وكيف تلاحق من تكشف عن عينيها في الشارع، أو ترتدي كعباً عالياً. كما تشرحان سبب بقائهما في الرقّة عوضاً عن الهرب، إذ أنّهما تحاولان مساعدة صديقة حامل على الإجهاض، كي لا يكتشف عناصر «داعش» أنّها حملت خارج إطار الزواج، فيرجمونها.
في المشهد الأخير من العمل، لقطة مؤثّرة، إذ تخلع إحدى السيّدتين النقاب عن رأسها، فيظهر شعرها الأسود من دون أن تدير وجهها للكاميرا. تقول إنّها تتوق للتحرّر من اللون الأسود، والعودة لارتداء ملابسها كما في السابق، والسير في الشوارع من دون خوف. تقول: «أريد ان أمشي بحريّتي، وأبتاع ما أريد، من دون محرم يرافقني أو يراقبني. لا شيء مثل حرّيتك».
سناء الخوري
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد