«العائلة توت» موت الروح في الحروب العبثية
يعد الكاتب المسرحي اسطيفان أوركيني من اكبر كتاب القصة والمسرحية في المجر... ولد في العام 1912 وهو متخصص في الكيمياء واشترك في الحرب العالمية الثانية على الجبهة الروسية وفي العام 1949 عمل كمدير أدبي للمسرح في بودابست. ومن أشهر أعماله المسرحية (العائلة توت)،(رابطة الدم)، و(لعبة القط)...
كتب أوركيني نصه (العائلة توت) عام 1943 وترجمها الكاتب المسرحي الكبير سعد الله ونوس عن الفرنسية 1979 وسبق وأن قدمت عدة مرات في سورية بقراءات مختلفة (أيمن زيدان- زيناتي قدسية- جواد الاسدي...)
المخرج المسرحي وليد العمر أعد نص (العائلة توت) وقدمه على مسرح المركز الثقافي في درعا ضمن فعاليات المهرجان الوطني لمسرح الشباب الرابع والعشرين، العمر حاول تقديم قراءته الخاصة للنص الذي قدم عشرات المرات في مسارح العالم وفي مسارح الوطن العربي لما فيه من عمق إنساني يمس كل المجتمعات التي تبتلى بالحروب كما يعد النص غني بالدلالات الفكرية والفنية لتنوع شخصيات النص وتركيبتها النفسية الكركبة ..
حكاية العائلة
تقع أحداث المسرحية في منزل بإحدى القرى المجرية أثناء الحرب العالمية الثانية
البيت تسكن به عائلة توت لايوش العامل كقائد فرقة مطافئ، رجل يعيش من اجل نفسه وأسرته وهو رب عائلة مخلص يعشق الراحة والكسل، يعيش توت وزوجته ماريشكا وابنته اجيكا في ظروف الحرب العالمية الثانية لكن أسرة توت بعيدة عنها وعن أجوائها والرابط الوحيد بين الحرب وعائلة توت هو الابن الذي يخدم في الجبهة، تنتظر الأسرة بفارغ الصبر عودة الابن الذي تحمله الأسرة كل آمالها وأحلامها، خوف وقلق من عدم عودته هو ما يسيطر على أجواء هذه العائلة التي تعيش في قرية يحيطها سكون الطبيعة والهدوء الممل، تتلقى العائلة توت رسالة من الابن يخبرها بقيام قائد كتيبته الجنرال بزيارة القرية في إجازة من العمل للراحة من الضغط النفسي الذي يتعرض في الجبهة...ورغبة الابن في التقرب من الجنرال جعلته يقترح عليه النزول ضيفاً عند أهله (العائلة توت)... منذ وصول هذه الرسالة تبدأ التحضيرات من قبل توت وزوجته ماريشكا...لاستقبال الجنرال... يصل الجنرال أخيرا فيكون بمثابة الزلزال الذي يقلب حياة الأسرة رأساً على عقب، فالهدوء والوداعة التي تعيش فيها الأسرة يحولها الجنرال إلى صخب وقلق واضطراب فالخوف الذي يبثه وجود الجنرال وصوته وأوامره يحول توت وزوجته إلى مستعبَدين ينفذان أوامر الجنرال ويخضعان لعقده وجنوناته.. ورغم أن توت يتمتع بشخصية ممتلئة بالكبرياء يستطيع الجنرال تقزيم شخصيته وحصارها لتكون مكنة تنفذ رغبات الجنرال...عائلة توت وهي هنا في صراع صامت مع السطوة العسكرية التي طغت على البيت.. يكون الابن الشاب قد قتل في الجبهة وربما هو يرقد بصمت في أحد القبور المجهولة البعيدة..
التشويق كهدف مسرحي
يلجأ المخرج وليد إلى عدم كشف مقتل الابن للعائلة التي تنتظر بفارغ الصبر رحيل الجنرال وهذا الإخفاء هدفه التشويق.. فالمشاهد ينتظر وصول النبأ إلى الأسرة المحتفية دون رغبتها بالجنرال لكن الخبر لا يصل...
إدانة الحرب
العرض إدانة للحرب وللقتل ولكل الحروب العبثية التي تخدم مصالح القوى الكبرى وأهدافها فيما الناس ترزح في ظلها دافعة الثمن الأساسي من راحتها وطمأنينتها ومن دماء أبنائها وبالوقت نفسه المطلوب منهم التصفيق لتجار الحروب وللمغامرين الذين يتقنون اللعب بأرواح البشر وحياتهم..
وكعادة العمر استخدم ديكورا مقتصدا استطاع أن يكون مطواعاً يناسب العرض من خلال التنويع في استعماله كالباب الذي يمكن أن يكون غرفة ثانية ومرآة .... واللافت في عمل المخرج قدرته على الزج بممثلين شباب على الخشبة واستنفار طاقتهم وذاكرتهم وجسدهم بشكل كبير لتجسيد أدوارهم بتقنية عالية وحس عال من خلال الدخول في تفصيلات الشخصيات والإمساك بها نفسياً وحركياً .. لذلك تألق الممثلون الثلاثة في أدوارهم فكان من الطبيعي أن ينال اثنان منهم هما ريزان فرمان وبشرى بشير جائزتي التمثيل في مهرجان الشباب رغم أن الشاب حسن رمو الذي أدى الجنرال قدم عرضاً مهماً ومميزاً وبطاقة تعبيرية مدهشة حقاً، وان كان الإمساك الخارجي بالشخصية طغى على التعمق بدواخلها..لكن حسن رمو يبشر كما أعتقد بممثل كبير في المستقبل .
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد