«العشق الحرام»: ما أضيق عين هذه الكاميرا
غابة من الأشرار فيها قليل من الأناس الطيبين، الذين لن يكونوا بطبيعة الحال بمنأى عن شرور من حولهم. وما بين الطيبين والأشرار تحفل الحكاية بالكثير من قصص العلاقات غير الشرعية والنصب والقتل والاحتيال والغش، وفيما بطل الحكاية مصاب بمرض نفسي يشكل العمود الفقري للقصص السابقة، وموضع الإثارة فيها. تلك هي ببساطة حكاية مسلسل «العشق الحرام» للكاتبين بشار بطرس وتامر إسحاق، وإخراج الأخير.
الحكاية السابقة تصنع إثارة ولا تصنع دراما، هي تجذب الجمهور حولها لأسباب عدة، باستثناء صياغاتها الدرامية. فهنا يسقط منطق الحكاية لصالح عوامل الإثارة فيها، ليصبح المشاهد أسير الدهشة مما تقوله أو أسير استغرابه.. أو استنكاره. ومع كل ردود الفعل هذه يصير المسلسل حديث الشارع، ويزداد اللغط حوله، ونتيجة لذلك من الطبيعي أن ترتفع نسب مشاهدته، ليكوّن جماهيرية وهمية، سرعان ما ينفض الناس من حولها، كما ينفضون عن شجار بين اثنين ما ان ينتهي... فإثارة الفرجة هنا هي الأساس لا مضمونها، وبانتهاء الفرجة لا يبقى من المسلسل أكثر مما يبقى لفيلم أكشن في الذاكرة. وما جماهيرية «العشق الحرام» إلا جماهيرية المستنكرين للحكاية لا المعجبين بها؟
لكن هل هذه هي الدراما السورية التي لطالما تفاخرنا بأنها دراما مسلية ومفيدة، وأي رسائل يريد «العشق الحرام» أن يوصلها إلى الجمهور؟!
ببساطة لم نخرج برسالة إيجابية واحدة، بل كانت ثمة رسالة سلبية تعزف خيوط العمل على مقاماتها. كل عشق هو حرام حتى يثبت العكس. وكل عاشق هو مشروع خائن أو مشروع محتال أو مشروع مريض نفسي حتى يثبت العكس. وما من عاشق في المسلسل أثبت العكس. أما الطيبون في المسلسل فغالبيتهم إما من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من أهاليهم المتأثرين ببلاء أقاربهم، أو ضحايا الأشرار فيه.
لو أسقطنا عن دراما «العشق الحرام» صفة المفيدة، فهل يمكننا أن نعتبرها حكاية مسلية؟ ألا تعني التسلية الدرامية في أحد وجوهها المتعة. فهل كان ثمة متعة في العمل؟ ألا تكمن المتعة الحقيقية للدراما في أحد جوانبها في أن يجد المرء صورته في الشاشة الصغيرة، ويتابع تحولاتها... وتعريتها. فهل كانت الصورة في «العشق الحرام» هي صورة مصغرة عن حياة مشاهديه، أم أن المسلسل كان بعين واحدة.. وضيقة جداً لدرجة أنها لم تلتقط من المجتمع سوى جانب أسود فيه، وطرحته من باب إثبات الجرأة، وعممته كما لو أنه الصورة الأبرز عن الحياة؟!
هل هذه هي الجرأة التي نفتخر بأنها إحدى سمات الدراما السورية؟!
ما شاهدناه خلال العامين السابقين من حكايات قيل انها جريئة، يجعل الكثير منها الجدار الواطئ، ولاة سيما أن عددا من الكتاب استسهل المصطلح، على نحو صار فيه لزاماً أن نجلس لنحدد ما المقصود من مصطلح «الجرأة في الدراما السورية».
لا نريد أن يُفهم من كلامنا أننا نريد أن تقدم الدراما حكاية طهرانية للمجتمع، ولا ندعي أن قصصا مثل تلك التي طرحها «العشق الحرام» ليست موجودة في الواقع. لكننا نريدها كجزء من حياة تنطوي على اللونين الأبيض والأسود، نريدها بحجم حضورها في الحياة. فإن كنا نتفق على أن الدراما صورة مجتزأة عن الحياة، أو حتى صورة افتراضية عنها، فهذا لا يعني أن نجد الصورة قاتمة على هذا النحو!
جسد شخصيات العمل كل من الفنانين عباس النوري، نادين، كندة علوش، خالد تاجا، قصي خولي، باسم ياخور، رضوان عقيلي، ليليا الأطرش، يامن حجلي، هبة نور، لينا دياب، وآخرون. ولعل في أداء هؤلاء الجيد واللافت، وفي اجتهاد المخرج الشاب تامر إسحاق ما يستحق حكاية أكثر توازناً. لكن المسألة في النهاية ليست مجرد جودة في الأداء وتظهير الحكاية. فالفن لا ينفصل بشقيه الفكري والفني. وما لتجسيد الأدوار السلبية، ونفخر بالعديد من نجومها، إلا هدف نبيل هو إظهار قيمة النقيض. فهل فعلت دراما «العشق الحرام» ذلك؟!
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد