«النصرة» على خطى «داعش»: السعي للسيطرة على مناطق حدودية
انكشف الوجه الحقيقي لـ«جبهة النصرة»، بعد عجزها عن الاستمرار في إخفائه، نتيجة الضغوط الميدانية التي جعلت وجودها على المحك بعد خسارتها الكبيرة في المنطقة الشرقية.
فكان لا بدّ لها من أن تبذل كل جهودها لتعويض تلك الخسارة، ولو كان الثمن أن تكشف القناع عن وجهها الذي يتشابه إلى حد التطابق مع وجه خصمها اللدود تنظيم «داعش».
وثمة معطيات تشير إلى أن سياسة «جبهة النصرة» الجديدة في محاربة الفصائل الأخرى بذريعة التخلص من المفسدين، هي سياسة عامة لتنظيم «القاعدة العالمي» يجري اتباعها في عدة دول بحسب الظروف الميدانية.
وفي إطار سياسة المواجهة، النابعة من الشعور بالخطر الوجودي الذي بات يتهددها، تستمر «جبهة النصرة» في خوض المعارك ضد الفصائل الأخرى في ريف إدلب. وفي هذا السياق سيطرت أمس على مدينة حارم الحدودية مع تركيا، وذات الموقع الإستراتيجي والمهم والمعبر المستخدم في تهريب النفط وغيره من المواد، وذلك بعد انسحاب الفصائل التابعة إلى «جبهة ثوار سوريا» من المدينة بعد اشتباكات خفيفة وقصيرة. كما سيطرت على سلقين وعزمارين، وكانت من قبل قد بسطت سيطرتها على حفسرجة والزنبقة ومناطق أخرى في الريف الغربي.
وكانت «النصرة» بدأت قبل أسبوعين ما أسمته حملة لتطهير الشمال من اللصوص وقطاع الطرق، قاصدةً بذلك الفصائل التابعة لـ«الجيش الحر» أو القريبة من «الائتلاف الوطني» المعارض، الذي أصبحت الجبهة تعتبره عميلاً للولايات المتحدة.
والغاية الحقيقة من حملة «جبهة النصرة» في الشمال هي السعي للحصول على مصادر تمويل، لتعويض ما منيت به من خسارة حقول النفط في دير الزور وما كانت تدرّه عليها من أموال طائلة. وتعتبر السيطرة على المعابر الحدودية بديلاً مقبولاً نسبياً، لأنه يتيح الحصول على مكاسب مادية كما التحكم بدخول شحنات الأسلحة، بالإضافة إلى رغبة «النصرة» في ترسيخ سيطرتها على منطقة منفصلة تستطيع تطبيق الشريعة عليها وفق رؤيتها، وذلك تطبيقاً لكلام زعيمها أبو محمد الجولاني.
وما يلفت الانتباه أن «حركة أحرار الشام» لم تبد أي اعتراض على كلام الجولاني عن إقامة «إمارة إسلامية»، بل إنها تشارك معه في العمليات العسكرية في الريف الإدلبي، بمؤازرة فصائل أخرى مثل «فيلق الشام» و«لواء الصفوة»، الأمر الذي قد يشير إلى أن «أحرار الشام» حسمت أمرها وقررت السير في الطريق الذي ترسمه «جبهة النصرة»، رغم أن «جيش الإسلام»، وهو شريكها الأبرز في «الجبهة الإسلامية»، لم يخف شكوكه حول خطوة «النصرة» وطالبها بتقديم توضيحات، لا نعرف إذا كانت قد وصلت.
ومن المتوقع أن تتسبب هذه السياسة الجديدة في مواجهات واسعة بين «النصرة» و«أحرار الشام» وحلفائهما من جهة، وبين بعض الفصائل الكبيرة الأخرى، وعلى رأسها «جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم» من جهة ثانية، وذلك على نحو يذكر بمواجهات المنطقة الشرقية، بل قد تجري حسب السيناريو نفسه.
ويأتي انفجار العبوة بسيارة تقل قيادات من «حركة حزم» أمس الأول في ريف حلب الغربي، ومقتل ثلاثة من قيادات الحركة، في سياق التمهيد لهذه المواجهة.
ويبدو أن سياسة «جبهة النصرة» في محاربة المفسدين كما تسميها، ليست من ابتداعها أو مجرد تقليد لخصمها «داعش»، بل ثمة معطيات تدل على أنها جاءت بناءً على توجيهات عليا من قيادة تنظيم «القاعدة العالمي». وفي هذا السياق يبدو لافتاً أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» قد أعلن عن خطوة مماثلة، حيث أصدر بياناً بعنوان «تحذير للفاسدين في ولاية حضرموت» باليمن، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن موقف «القاعدة» من إعلان «الخلافة» من قبل زعيم «داعش» أبي بكر البغدادي، وسلسلة الخطوات التي يخطط لاتخاذها لمواجهة هذا الإعلان، والتي يبدو أن خطوطها العريضة بدأت بالظهور، والتي تتمثل في العمل على اتخاذ خطوة مماثلة لخطوة «داعش» وتأسيس «إمارات» في المناطق التي يسيطر عليها، وهو ما من شأنه تقليص هامش الفرق بين «القاعدة» وبين «داعش»، والذي حاولت قيادة «القاعدة» طوال العام الماضي استغلاله للظهور بمظهر الاعتدال والأقل تطرفاً.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد