«داعش» يسعى للتمدد في محيط دمشق
سيناريو مخيم اليرموك يتكرر بحذافيره في حي القدم. تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» يقتحم القدم على نحو مفاجئ ويحقق تقدماً سريعاً، فيما الفصائل الأخرى تترنح على وقع الصدمة. ويبدو أن مفردات مثل «الخلايا النائمة» و «البيعات السرية» و «المواقف الملتبسة» أصبحت من ثوابت المشهد المشتعل في جنوب العاصمة.
وتمكن «الدولة الإسلامية»، أمس، من التقدم في حي القدم، والسيطرة على ما يعادل نصف مساحته، حيث سيطر على العسالي، وهي الجزء الشرقي من حي القدم ويقع بمحاذاة منطقة الحجر الأسود التي تعتبر معقل التنظيم الأساسي في جنوب دمشق منذ عام تقريباً.
وتقدم «داعش» باتجاه المادنية، حيث تدور الاشتباكات في شارع الأرناؤوط بمحيط جامع حذيفة بن اليمان، وسط تقدم واضح للتنظيم الذي بات يحاصر عناصر «أجناد الشام» في منطقة الاشتباكات، ويطلب منهم الاستسلام مقابل منحهم الأمان. وما زال خارج سيطرة التنظيم حوالي ست حارات يحاول «أجناد الشام» أن يتحصن بها لمنع تقدم التنظيم نحوها.
ولا تقتصر الاشتباكات على حي القدم فحسب، بل تشمل أيضاً حي الزين الذي يفصل بين الحجر الأسود ويلدا، وتدور فيه اشتباكات بين «الدولة الإسلامية» من جهة و «جيش الإسلام» من جهة ثانية. كما تدور اشتباكات في أطراف حي التضامن بين «أبابيل حوران» و «شام الرسول» وبين «داعش». وكذلك هناك اشتباكات على أطراف مخيم اليرموك من جهة المركز الثقافي المطل على يلدا بين «جبهة النصرة» و «أكناف بيت المقدس» المتواجدين بيلدا مدعومين من «شام الرسول»، وهو ما يعني أن منطقة جنوب دمشق، التي يفترض أنها تخضع لتسويات مع الجيش السوري، باتت على فوهة بركان لا يمكن التنبؤ بالخسائر الناجمة عنه في حال استمر انفجاره وانتشار حممه.
ويعتبر القدم من آخر أحياء جنوب دمشق ركوباً في قطار التسويات، حيث تم توقيع الاتفاق مع الجيش السوري في آب من العام الماضي. وكان أحد شروط الاتفاق أن يقتصر تواجد المسلحين على منطقة القدم الغربي فقط، كما أن الاتفاق لم ينص على تسليم الأسلحة ولا على خروج المسلحين لتسوية أوضاعهم كما حدث في مناطق أخرى من قبل.
وبرغم التسوية، يمكن القول إن حي القدم لم يدخل فعلياً ضمن سيطرة الجيش السوري، وبقي تحت سيطرة الفصائل المسلحة. ويقتصر تواجد الجيش السوري على بعض الحواجز، أهمها حاجز على مدخل حي القدم من جهة نهر عيشة، وحاجز على اتوستراد درعا، بينما يتكثف وجوده في حي السبينة المحاذي لمنطقة المادنية. وقد لوحظ أن قوات الجيش السوري المتواجدة في المنطقة رفعت حالة تأهبها، وعمدت إلى تدعيم الدشم وتعزيز وحداتها على خطوط التماس مع الحي. في المقابل تشير المعطيات إلى أن فصيل «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» هو الذي يهيمن على حي القدم، فيما تتواجد إلى جواره معاقل تابعة إلى «جبهة النصرة»، وفي العسالي كان هناك تواجد واضح لعناصر «الدولة الإسلامية»، إلى جانب بعض الخلايا التي كانت تبايعه سراً، وكان لها دور مهم في تسهيل دخوله إلى المنطقة.
وقال مصدر من داخل العسالي إن «الأوضاع سيئة، وجماعة الدولة تتقدم وسط انهيار لعناصر أجناد الشام، خصوصاً في شارع الأرناؤوط حيث استطاع التنظيم محاصرتهم».
وحول موقف «النصرة» من هذه التطورات، أكد المصدر أن «جبهة النصرة وقفت على الحياد ولم تتدخل لمصلحة أي طرف، بل إنها سعت إلى عقد اتفاق بين الطرفين، لكن الاتفاق انهار بعد ساعات من التوقيع عليه». وأشار إلى أن موقف «جبهة النصرة في حي القدم يختلف عن موقفها السابق في مخيم اليرموك، حيث كانت متحالفة مع الدولة، أما في حي القدم فإنها ليست كذلك». ولكن ذلك لا يمنع من التساؤل حول السبب الذي يدفع «جبهة النصرة» في الجنوب الدمشقي إلى اتخاذ مثل هذه المواقف الملتبسة، بينما أفرعها في مناطق سورية أخرى لا تخفي عداءها للتنظيم.
وقد سادت أنباء عن انشقاق حوالي 150 عنصراً، بقيادة صالح الزمار، عن «الدولة الإسلامية»، وانضمامهم للقتال إلى جانب «أجناد الشام»، بعد سماع الزمار بعض قادة «داعش» الميدانيين يتحدثون عن سبي نساء الحي. إلا أن المصدر السابق أكد أن الزمار لم يكن مبايعاً للتنظيم، ولكنه كان يظهر التأييد له تأميناً لمصالحه.
ويقدّر عدد مقاتلي «داعش» في جنوب دمشق بحوالي ألفي مسلح، يوجد القسم الأكبر منهم في حي الحجر الأسود الذي سيطر عليه التنظيم العام الماضي في أعقاب انسحابه من مناطق جنوب دمشق الأخرى التي دخلت في تسويات مع الجيش السوري، مثل يلدا وببيلا وبيت سحم. وشارك في اشتباكات العسالي حوالي 300 عنصر من «الدولة الإسلامية»، بينما يقدر عدد عناصر «أجناد الشام» بحوالي 250 مسلحاً.
وقال ناشط إعلامي في مخيم اليرموك، رفض الكشف عن اسمه، أنه لاحظ خلال الأشهر الماضية ارتفاع أعداد المنتسبين إلى «الدولة الإسلامية»، خاصةً بعد رفع الرواتب التي يدفعها للمقاتلين لديه، حيث أصبح يدفع ما يقارب 80 ألف ليرة سورية لكل مسلح، وهو ما دفع العديد من الشبان إلى الانتساب إليه ولو من دون قناعة.
وبالرغم من أن الاشتباكات الأخيرة اندلعت على خلفية محاولة اغتيال قائد «أجناد الشام» أنس أبو مالك الشامي، وما تبعها من تطورات أدّت إلى مقتل أحد عناصر «داعش» المتهمين بالاغتيال، إلا أن كافة المؤشرات تدل على أن الهجوم يأتي استكمالاً لخطوات سابقة، حاول من خلالها التنظيم تعزيز تواجده في محيط العاصمة دمشق، كما حدث سابقاً في مخيم اليرموك.
وتنبع خطورة التطورات الجارية في القدم، أنه في حال نجح تنظيم «الدولة الإسلامية» بالسيطرة على كامل الحي، فهذا يعني أنه أصبح على مسافة أقل من كيلومترين من مركز العاصمة دمشق، ولا يبعد سوى خمسة كيلومترات عن المسجد الأموي. كما أن سيطرة التنظيم على الحي تعني وقوع اتوستراد درعا تحت نيرانه، وبالتالي قطع خط إمداد مهم للجيش السوري، يعتبر البعض انه لا يقلّ أهمية عن طريق مطار دمشق الدولي.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد