«دقيقة واحدة» رسائل متبادلة بين نساء العالم بلغة سينمائية
بلهفة وقلق من تنتظر مولودها الأول كن يترقبن العرض الختامي، اثنتا عشرة امرأة من سورية صخب بهن ذلك المكان القرمزي الدافئ. ووسط ترحيبهن بالضيوف والمهتمين لم تتوقف عيونهن عن استراق النظر إلى بياض تلك الشاشة وهي على وشك أن تشهد أول ألوان إنتاجهن السينمائي.
اثنتا عشرة متدربة فكرن وأخرجن وأنتجن فيلماً مدته دقيقة واحدة فقط، في إطار دورة تدريبية تحمل عنوان «رسائل بين نساء»، بهدف الدفع باتجاه الإبداع السمعي والبصري للنساء، وايجاد بنك معلومات سمعية وبصرية تجتمع فيه التصورات المتعددة للمرأة عن واقعها ومحيطها، شرط ألاّ تتمتع المشاركة بأي خبرة سابقة في المجال السينمائي.
بدأت مبادرة «فيديو الدقيقة الواحدة» مسيرتها من برشلونة عام 1997 من خلال المهرجان العالمي لسينما المرأة «دراك ماجيك»، وانتقلت أخيراً في إطار تظاهرة «قافلة سينما المرأة العربية واللاتينية»، لتصل إلى سورية كأول مبادرة من نوعها. امتدت ورشة عمل فيلم الدقيقة الواحدة أو «رسائل بين نساء» خمسة أيام، بدعم من الهيئة الإسبانية للتعاون الدولي ومن السفارة الإسبانية ومسرح «تياترو» لفنون الأداء في سورية الذي استضاف فعاليات الورشة التي اختتمت بعرض مسائي للأفلام المنتجة.
وتقول أمل رمسيس المخرجة المصرية التي أشرفت على تدريب النساء في الورشة: «الغرض هو التعبير عن وجهة نظر نساء من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية والثقافية وايجاد تواصل وتفاعل بين نساء من بلدان مختلفة من خلال الأفلام التي تعكس تصورات المشاركات». وتضيف: «الإمكانات بسيطة وعلى المشاركات أن يعتمدن على أنفسهن وعلى الكاميرا فقط لتجسيد الفكرة بفيلم من دقيقة واحدة».
ركّزت جلسات الورشة على تطوير الإنتاج الجماعي للأفكار من خلال الاستماع للاختيارات المبدئية ومناقشتها، طبعاً مع احترام وجهات النظر المختلفة، وذلك بهدف التعاون لتطوير الأفكار وتمكين المشاركات من تصوير وإخراج أفلامهن التي يتم تنفيذها داخل الورشة حول الموضوع المختار في لقطة أو مشهد واحد ومن دون أي عمليات مونتاج.
ويتم سنوياً اختيار أحد المواضيع التي تدور حولها الأفلام على مستوى البلدان المشاركة وموضوع هذه السنة هو «رسائل بين نساء». واطلعت السوريات على أفلام المتدربات اللواتي سبقنهن من الجنسيات الأخرى ثم بدأن العمل للرد على طريقة السينما وبأفلام قصيرة جداً.
وتقول سارة، سنة رابعة حقوق وإحدى المشاركات في الورشة: «بعد العصف الذهني الحر حول التصورات المقترحة، تعلمنا كيف نطور أفكارنا خيالي اً لنستطيع التعبير عنها بدقيقة واحدة ومن خلال تصوير مشهد واحد فقط». وتضيف بحماسة: «تدربنا أيضاً على أساسيات حركة الكاميرا وكيف نتعامل معها لنجسد فكرتنا بأسرع وأبسط طريقة ممكنة وباستخدام كاميرا منزلية عادية لا أكثر».
وتقول هالة مهنا، فنانة تشكيلية شابة: «مكّنتني هذه الورشة من أن أبدأ علاقة جريئة مع الكاميرا، كنت أجد في فكرة تصوير فيلم حلماً أقرب إلى المستحيل». وتؤكد ان «الأمر مختلف اليوم، بدأت أعرف كيف أتحكم بالكاميرا وأصنع كادراً وهذا اختلاف حقيقي بالنسبة الي».
وبينما تجد كل من سارة وهالة في هذه التجربة فرصة شيّقة وبوابة مهمة لبلورة اهتمامهما بالمجال السينمائي، ترى لانا، سنة ثالثة إعلام، في الورشة تحدياً جميلاً دفعها لتجاوز واقع «أنها حامل وعلى وشك الولادة، فشاركت بهدف اختبار الجديد والمثير للاهتمام، لاقتحام المجهول المغري وعيش مساحة مختلفة بعيدة من اليوميات العادية». وتقول: «في البداية شعرت بخوف من فكرة اختزال أفكاري بدقيقة ومشهد واحد ومن دون الاستعانة بأي كادر تمثيلي غير زميلاتي المشاركات، ولكن اليوم ومع نهاية هذه الورشة، أجد التجربة رائعة ومشجعة، وأصبحت أفكر جدياً بالتخصص والاحتراف».
ركزت الأفكار على معاناة المرأة بأوجهها المختلفة، فاختارت لانا أن تصور المرأة كتابع للرجل، وكذلك اختارت هالة أن يصور فيلمها فكرة تصنيف المجتمع للمرأة في أطر تقليدية وليس النظر إليها كإنسان بالدرجة الأولى.
وتقول لانا: «اخترت فكرة المرأة والمجتمع لأنها واقع ملح ومؤلم نعيشه يومياً واستعنت بزميلاتي للتعبير عن هذه الفكرة عبر تجسيد تفاصيل حياتية معاشة ومعبرة». وتؤكد: «فوجئت بتقاطع أفكاري مع أفكار الكثيرات من المشاركات في أنحاء أخرى من العالم. تشابه حتى في أسلوب الطرح وكأن النظرة النسائية إلى المعاناة واحدة وإن بأولويات مختلفة».
وستعامل الأفلام المصورة من قبل السيدات السوريات على أنها رسائل إلى زميلاتهن في أمكنة أخرى بانتظار أن تحفز تصوراتهن ردوداً نسائية سينمائية جديدة، سيتم عرضها في لبنان ومصر وإسبانيا وغيرها من البلدان المشاركة حول العالم.
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد