«سينما إن» على فضائية «الدنيا»: إعلان مجاني لسوق الأفلام الأميركية
غريب فعلاً هذا الاهتمام المتزايد بسوق الأفلام الأميركية من دون سواها على شاشة قناة «الدنيا». فالمتابع لحلقات البرنامج الأسبوعي «سينما إن» لا يجد فيها إلا نسخة عن برامج مشابهة على قنوات شبكة «إم بي سي» السعودية، الفضاء العربي الأوسع للترويج عن صناعة السينما الأميركية، فيما يتم إهمال السينما في باقي دول العالم، تحت ذريعة مصطلح عجيب تعلنه الزميلة تولين مصطفى مقدمة البرنامج، وهو «السينما العالمية». وكأن هذه «العالمية» هي حكر على سينما السوق الأميركية السوداء!
إنها مفارقة لا يمكن تجاهلها في فقرات «سينما إن» التي تستقي موادها من مواقع إلكترونية، عارضةً أفيشات بصرية إعلانية عن أكثر أفلام السينما الأميركية إيراداً في صالات العالم. فتقدم فيلماً عن فتاة مغرمة بمصاص دماء، وعن رجال يستذئبون لحظة اكتمال البدر كأيقونة بصرية لا ترد، وما على جمهور العالم الثالث إلا التهامها والبحث عنها لمشاهدتها بأي ثمن سواء عبر القرصنة أو عبر الذهاب إلى هوليوود!
المشاهد العربي والسوري خصوصاً يتعرض لما يشبه تنميطاً جديداً من نوعه، بعد أن تمت مصادرة وعيه على أن السينما هي أفلام أميركية بإنتاجات مالية ضخمة تحصد ملايين الدولارات في شباك تذاكر «الصالات العالمية»، وتتسابق أسبوعياً في فقرة «توب 10» طبعاً مع نفسها، وخارج إطار منافسة أي سينما أخرى. ففي فقرات «سينما إن» الذي يعده عبد الهادي عثمان لا وجود لأفلام سينمائية سورية أو عربية أو لاتينية أو فرنسية أو روسية أو إيطالية أو إيرانية، فسينما «الآن» هذه لا تعترف بوجود ما هو خارج استوديوهات هوليوود، وهي التي ما برحت تصدّر نماذج دموية على قدر كبير من الغرابة. فمن أفلام مصاصي الدماء التي دفعت بطلاب أميركيين إلى محاكاتها في حوادث مؤلمة، إلى إنتاج جديد لرجال عناكب يقفزون من ناطحة سحاب إلى أخرى بقدرة قادر، إلى أفلام القتل والعملاء السريين والمزدوجين.. بصرية سينمائية تعكس عنفاً غير مسبوق، وتبثها قنوات عربية اختصت بها «إم بي سي 2»، و«ماكس» وسواها، بالإضافةً إلى أفلام خاصة عن «مأساة جنود أميركيين يقتلون على أيدي إرهابيين عراقيين، أو يعانون في جبهات قتالهم من جوعهم إلى شطائر العمين «كنتاكي» و«ماكدونالد»!
«سينما إن» يقلد على الأرجح موجة قنوات عربية أخرى، لكنه ليس برنامجاً بقدر ما هو إعلان مبطن لسينما العنف، سينما الرعب والدم والرصاص والفتك، سينما لطالما أقصت تجارب سينمائية هامة حتى في أميركا نفسها، سينما العولمة هذه لا تعترف بأي مقترح آخر. ورواجها اليوم على شاشات الفضائيات العربية ليس غريباً، فهي تحتل الصدارة في دور السينما حتى في أوروبا ذاتها، والجمهور هناك لم يعد يشاهد أفلامه الوطنية إلا على صعيد المهرجانات السينمائية. فسينما الشعوب غير متاح لها أن تدخل سباق «التوب 10»، فهي متروكة على الأغلب لدور عرض مظلمة، أو لمناسبات كرنفالية خاطفة.
المفارقة على قناة «الدنيا» هي عدم تجانس خطابها الإعلامي مع برامجها في المنوعات «الأرستقراطية». فمع أنها ترفع شعار «صوت الناس وصورة الحياة» إلا أنها تنسى أن صوت هؤلاء الناس وصورتهم لا يمكن أن تكون عبر نماذج أفلام شرب الدماء هذه، ولا يمكن لعلي ديوب مخرج «سينما إن» أن يبقى مصراً على إخبار مشاهديه بمتابعة هذا النوع من السينما بسبب تنوع الجمهور وتعدد رغباته. فكما هناك مشاهد يحب أفلام القتل، يوجد آخر يحب مشاهدة أفلام تحترم عقله ومشاعره، وإلا لن يكون برنامج «سينما إن» إلا بمثابة إعلان مدفوع الثمن لسينما لا تريد دولاً بقدر ما تسعى لأسواق، لا يرفع في سمائها إلا علم «الببسي كولا»..
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
التعليقات
قناة أهلية بمحلية
إضافة تعليق جديد