«فتح الاسلام»: لسنا على علاقة بـ «الخلايا النائمة» في القلمون

30-06-2007

«فتح الاسلام»: لسنا على علاقة بـ «الخلايا النائمة» في القلمون

مَن أرشد الجيش اللبناني الى خلية «أهل الكهف» في مرتفعات القلمون الجبلية, وأين استقرت المفاوضات التي تجريها «رابطة علماء فلسطين» مع قيادة «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد؟ السؤالان مطروحان مع الأحداث المتواصلة التي تشهدها طرابلس ومنطقة الشمال, والتي حولت المنطقة كلها الى كابوس حقيقي.
تكاد سلسلة الخلايا السلفية النائمة في طرابلس لا تنتهي, فما إن استفاق سكان زيتون ابي سمراء في طرابلس من ليلة رعب شهدها مجمع الشهال السكني بتاريخ 23/6/2007, وقبلها في حي المئتين بتاريخ 20/5/2007, حتى اشتعلت معركة في الأحراش الواقعة على تخوم بلدة ددة في الكورة والمفتوحة على مشهد بانورامي يطل على طرابلس التي تعيش تحديات امنية صعبة منذ اكثر من شهرين.
وما رشح من معلومات عن خلية ددة­الكورة يفيد أن مجموعة من 5 الى 6 اشخاص لجأت الى المغاور الواقعة بين تلة البلمند وأحراش بلدة ددة المشرفة على بلدة القلمون الساحلية منذ اندلاع معارك نهر البارد مع الجيش اللبناني, وحاولت الاختباء كما يسود اعتقاد بأن هذه المجموعة ربما قامت بعملية قتل جنود الجيش الاربعة عند الاوتوستراد البحري بين بيروت وطرابلس قبل ان تلوذ بالفرار. فيما يفيد عدد من الاهالي أن شخصاً لبنانياً كان يزور ساحة بلدة ددة باستمرار ويتموّن ثم يغادر الى داخل المنطقة النائية, وقد أثار الريبة وهو الذي كان المفتاح الذي قاد الى العملية الأمنية الواسعة..وطريقة اكتشاف هذه الخلايا النائمة التي تعتمد طرقاً محترفة بالتمويه والتخفي تثير الريبة بين سكان طرابلس, ومجمل ما تم اكتشافه حتى الساعة هو ان أفراد هذه المجموعات يلجأون الى المناطق النائية نسبياً عن المناطق الشعبية في طرابلس حيث يتقرب الجيران بعضهم الى بعض فيصبحون أقرب الى الأهل بحيث يصير من الصعب على شخص غريب الدخول الى محيطهم واشغال شقة سكنية, وهذه ميزة اجتماعية فريدة بين اهل طرابلس جعلت مدينتهم أقرب الى قرية واسعة وفق مفهوم أهل الحارة والحي والمنطقة.
ولذلك قامت هذه المجموعة بالولوج الى المناطق السكنية المستحدثة خارج هذا المفهوم في «المئتين» وزيتون ابي سمراء وحتى في احراج بلدة ددة.
المعلومات حتى الساعة لا تؤكد ارتباط «خلية بسام السيد» في ابي سمراء بتنظيم «فتح الاسلام» باعتبار أن ما تسرب يفيد عن وجود جنسية شيشانية بين الجثث داخل الشقة السكنية, مما يعني حكماً أن الأمر قد يكون على صلة بالمجموعات الشيشانية المناهضة للحكم الروسي التي خبرت طويلاً مناطق الشمال. اما في التفصيلات الشخصية حول بسام السيد فالتحقيقات تفيد أنه استأجر شقة سكنية في مجمع الشهال في طرابلس تقع في الطابق الثالث مكونة من غرفتي نوم وصالون ومنتفعاتها. ويتصف بسام السيد وفق احد الجيران بأنه شخص خجول للغاية ملتزم دينياً تبدو عليه علامات التشدد في التعامل الشخصي, يتكلم بهدوء لافت في حدته مستخدماً آيات القرآنية باستمرار, فيما يشعر الجيران بوجود اشخاص الى جانب زوجته وولده الصغير حتى أنهم يستخدمون السلالم بدل المصعد الأمر الذي جعل الجيران يتصرفون بهدوء مع الجيران الكتومين حتى بداية المعارك. احدى النساء من سكان البنايات المجاورة قالت ان القصة بدأت عندما دهمت قوة في الجيش ليل السبت عند الساعة العاشرة تقريباً الشقة فبادرت زوجة السيد الى فتح الباب والقاء قنبلة على افراد الجيش, ثم بدأت بالصراخ الى جانب عدد من المقاتلين الآخرين الذين ظهروا فجأة واستفادوا من الانسحاب التدريجي لقوة الجيش من سلالم المبنى في سبيل تأمين تعزيزات اضافية تمهيداً للاقتحام, مما ادى الى اقتحام الشقة المجاورة التي تخص عبد الرحمن ديب الذي صودف وجود صهره المعاون الأول في الامن الداخلي خالد خضر برفقة عائلته. وقد حاول المسلحون استخدام الشقة بقاطنيها كدرع بشري وحصلت مواجهة ذهب ضحيتها خالد خضر مع ابنتيه.
معلومات اخرى افادت أن امر هذه المجموعة تم اكتشافه من قبل مخابرات الجيش بعدما قامت بالتقاط اول الخيط من عمليات الدهم التي قامت بها في البقاع الغربي والتي افضت الى تكوين صورة مبدئية عن خلية سلفية قد تكون مرتبطة بتنظيم «القاعدة» يرأسها عمر عبد السلام حدبا وهو الى جانب بسام السيد استرالي الجنسية باعتبار ان عناصر حركة التوحيد الاسلامي عندما غادروا طرابلس في العام 1985 توجه قسم كبير منهم الى استراليا بعد دخول الجيش السوري الى طرابلس حينها واجهض مشروع الامارة الاسلامية بين طرابلس والميناء. وعليه تحركت الاجهزة الامنية والقت القبض على حدبا الذي كان يعمل سائقاً على خط ابي سمراء­وسط طرابلس وتم اكتشاف مستودع اسلحة بالقرب من منزله الى جانب صيدلية الشفاء. وخلال التحقيقات معه تبين انه يشكل مع بسام السيد وآخرين خلية سلفية متشددة تتبع الشيخ نبيل رحيم المتواري عن الانظار والمتهم بعلاقته الوطيدة بأحد ابرز رموز «القاعدة» الذي تم اعتقاله في المملكة العربية السعودية, وهو بسام حمود الملقب بابو بكر, وافضت المعلومات التي ادلى بها الى اكتشاف عدد كبير من الخلايا السلفية التي ترتبط بشكل او بآخر بتنظيم «القاعدة».
وكما اسلفنا لم تبرز علاقة تنظيمية واضحة ما بين الخلية المكتشفة في ابي سمراء وتنظيم «فتح الاسلام» بخلاف خلية «ددة­الكورة» إلا ان تقاطع الاهداف فيما بينها يؤشر الى أمر ما. ووفق مصادر امنية عدة تشير اعترافات عمر عبد السلام حدبا الى أن الخلية كانت في صدد الاعداد لاحداث امنية لافتة واستهدافات تطاول مؤسسات رسمية وسياحية في طرابلس وخارجها في «الدفاع عن المسلمين السنة في وجه المشروع الشيعي». في حين كشف عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج  في سياق مفاوضاته مع «فتح الاسلام» أنه التقى أبا بكر وهو فلسطيني يحمل جواز سفر سورياً يوم 18/11/2006 وأخبره الاخير أن لدى التنظيم هدفاً اساسياً وهو نصرة السنة وتحرير فلسطين, وقال «كانت لدينا فكرة بأن نقاتل «اليونيفيل», لكن في هذه الظروف فإن قتال «اليونيفيل» يخدم المشروع الشيعي في لبنان, وهذا ما يتناقض تماماً. مع عقيدتنا نحن نرغب في تحرير فلسطين على يد أهل السنة».
وامام الصمت الاعلامي المطبق للحركات السلفية المعلنة في طرابلس بما فيها احزاب وفاعليات وتيارات فاعلة في المدينة حيال تطورات امنية كبيرة مساحتها الاساسية الحركات الاصولية المتشددة, هناك من يهمس انه من «غير الممكن تجريد اهل السنة من السلاح» والقول ان هذا السلاح لا يخدم القضية الفلسطينية في حين تستمر الحصانة والتسهيلات لقوافل السلاح القادمة الى الشيعة, مما يؤثر فعلاً في قاعدة جماهيرية واسعة في طرابلس في ظل غياب خطاب اسلامي واضح المعالم في قضية الخلايا النائمة.
وتتجه الانظار مجدداً الى التطورات الميدانية في مخيم نهر البارد حيث يستمر القتال في سبيل الاجهاز على بقايا تنظيم «فتح الاسلام» في حين تدل التطورات الاخيرة على ان الحسم العسكري اصبح امراً واقعاً بعد مقتل عدد كبير من مقاتلي التنظيم, وتشير معلومات من الداخل ان العدد لا يزيد على 150 مقاتلاً وفق بنى تنظيمية مفككة. وكان شاهين شاهين وفق المعلومات نفسها وافق على سيناريو قد يشكل أرضية للحل يقضي اولاً باعلان وقف اطلاق النار ومن ثم تنفيذ بعض الخطوات للتدليل على نية «فتح الاسلام» بالاستمرار في الحل السلمي النهائي.
ويفيد بعض الوسطاء ممن دخلوا الى المخيم في الأيام الاخيرة أن شاهين شاهين توصل الى هذه القناعة كونه لا يرغب في ان يكون تنظيم «فتح الاسلام» سبباً في تغيير الخريطة الجغرافية للمخيمات الفلسطينية في لبنان, او انتقال الازمة الى مخيمات فلسطينية اخرى مما يؤدي الى صراع دموي فلسطيني­فلسطيني.
كما كشف الوسطاء ان شاهين شاهين يفكر جدياً في اعلان براءة التنظيم مما قامت به القيادة السابقة المتمثلة بشاكر العبسي وخضر القدور(ابو هريرة) وهو يميل الى الاعلان بأن ما جرى خطأ كبير جداً في حق الجيش اللبناني لجهة استهداف جنوده.
ويشير الوسطاء الى ان العقدة الاساسية في هذا المجال تكمن في رفض شاهين ومن معه من بقايا التنظيم تسليم انفسهم الا لقضاء شرعي أو حتى البحث عن بدائل منها البقاء داخل المخيم وهذا الامر هو السبب في تجميد مساعي الحل, خصوصاً وان التواصل مع شاهين شاهين اضحى بالغ الصعوبة بعد فقدان اي شكل من اشكال الاتصال الهاتفي. وهنا تبرز المبادرة التي اطلقها الدكتور حسن سعيد الشهال (احد رموز السلفية في طرابلس) والذي توجه بخطاب الى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز للتدخل في هذا الشان وتشكيل محكمة اسلامية لمحاكمة من تثبت إدانته من عناصر «فتح الاسلام» بالرغم من حراجة الموقف.
المصادر نفسها تشير الى ان السفارة السعودية في بيروت وعدت باجراء ما يمكن ان يساعد على تجنيب الشعب الفلسطيني المزيد من المآسي وسط المخاوف من اندلاع مواجهات في مخيمات فلسطينية اخرى في لبنان, لكن في الوقت نفسه ينبغي عدم تجاوز السلطات اللبنانية في أي حل يطرح وموافقة «فتح الاسلام» لا تعني انطلاق مبادرة متكاملة تفضي الحل المنشود.
المصادر نفسها تلفت الى ان فكرة الاستسلام الكامل مرفوضة عند شاهين شاهين لكنه يرغب في أن تتم ادانة الاشخاص وليس التنظيم على ان تتولى التحقيق لجنة اسلامية تستند في الى الشرع الاسلامي فقط. ويلفت الوسطاء الى ان «فتح الاسلام» اشارت خلال المفاوضات بانها ليست على علاقة تنظيمية بما يسمى خلايا موجودة في طرابلس وغيرها, وهي تؤكد ان جميع مقاتليها هم في أرض مخيم نهر البارد لكن في الوقت وفي ظل الحصار القائم عليها قد يلجاً البعض الى نصرتها بمبادرات خاصة, وبالتالي هي «لن تمنع احداً من التضامن معها» خصوصاً وأن من «واجب المسلم نصرة اخيه المسلم».
في الجانب الفلسطيني تبرز أيضاً تطورات لافتة من شأنها ان تزيد التعقيدات, ابرزها ان مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف ابدت انزعاجها من انفراد رابطة العلماء بملف «فتح الاسلام» عتبار أنها سلطة دينية لا قوة تنفيذية على الارض.
وهكذا فإن المبادرات الصادرة عنها لا يحميها اي سقف سياسي فلسطيني وهي لا تتمتع بالغطاء الفلسطيني المطلوب, بحيث ان عباس زكي ممثل منظمة التحرير في بيروت يسعى جاهداً لاشراك المنظمة في اي نقاش يخص المخيمات الفلسطينية باعتبارها المرجع الاساس في هذا الموضوع وليست طرفاً ثانوياً. ومصادر الرابطة ترد على الفور على هذا النقاش بأنها ساعية الى الخير اللبناني­الفلسطيني وفي حال توصلها الى نتائج ملموسة فانها ستضعها بين يدي منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية, وبالتالي هي لم تطرح نفسها بديلاً عن المؤسسات السياسية.
ووسط معمعة النقاشات الفلسطينية الداخلية وصعوبة التواصل مع «فتح الاسلام» يبدو أن الامور في شمال لبنان مفتوحة على تطورات وانعكاسات خطيرة للغاية خصوصاً بعد ورود معلومات جدية بأن «رابطة علماء فلسطين» تتجه الى اعلان وقف تحركها ووساطتها التي فشلت حتى الآن.


مصباح العلي
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...