«معهد راند»: خيارات محدودة لإسرائيل في الحرب السورية
في دراسة لمؤسسة «راند» الأميركية للأبحاث، المقربة من دوائر صناعة القرار السياسي والعسكري في الولايات المتحدة، يعرض الباحث لاري هاناور لاهتمامات إسرائيل وخياراتها المتاحة في ظل الصراع السوري. وبعد استعراض طويل لمجريات الأحداث ودلالاتها العسكرية، يعدّد الباحث خمسة أهداف أساسية ترى فيها تل أبيب مصلحتها، فيما يشير إلى أن الأخيرة لا تملك من الأدوات ما يجعلها قادرة على تغيير مجريات الأحداث.
تعتبر الدراسة أن الهدف الأول الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه هو احتواء النفوذ الإيراني المتمدّد، إذ ترى أن نشر قوات إيرانية في ميادين القتال السورية أو دعمها الواسع النطاق لـ «حزب الله» وتزويده بالأسلحة المتطورة أمر خطير على أمنها، وقد تعزز قلقها بعدما أنشأت طهران و «حزب الله» غرفة قيادة عسكرية مشتركة على الأراضي السورية، ما من شأنه أن يقيد حرية تحركها العسكري.
الهدف الثاني لتل أبيب يتمثل بالسعي الحثيث للحدّ من النفوذ السياسي والعسكري المتعاظم لروسيا في سوريا والمنطقة، وهي تحاول منع موسكو من الإبقاء على وجود عسكري دائم في سوريا (خارج القاعدة البحرية الراسخة في ميناء طرطوس)، وتجنّب المواجهة بين القوات الإسرائيلية والروسية. كما أن الدعم الروسي لدمشق يساهم في سيطرة الجيش السوري على الأرض ما يعطي نفوذاً أكثر لطهران و «حزب لله» وبالتالي تشكيل تهديد استراتيجي لإسرائيل.
الهدف الثالث الذي تسعى إليه تل أبيب يتمثل بالإبقاء على نظام الحكم في سوريا بحالة ضعيفة، لدرجة أنه لن يكون باستطاعته تهديدها بشكل مباشر أو يسمح للقوات الإيرانية و «حزب الله» بالعمل بحرية، خاصة على طول الحدود.
الهدف الرابع لإسرائيل يتمثل بسعيها إلى نزع الشرعية عن المطالبات السورية بالسيادة على مرتفعات الجولان التي تحتلها، والتي كان من الممكن أن تتم في ما لو تم التوصل لمعاهدة سلام بين الدولتين، إلا أن تل أبيب ترى أن الحرب في سوريا واعتماد الأسد على حليفه الإيراني لبقائه السياسي يجعلان من إبرام معاهدة كهذه أمراً مستحيلاً.
الهدف الخامس والأخير الذي تريد تحقيقه يتمثل بتقييد حركة «المسلحين السنة» ومنعهم من إنشاء بنى تحتية في المناطق الحدودية، خاصة في منطقة الجولان، والكلام هنا ليس بالضرورة عن «داعش» و«النصرة»، إذ إن إسرائيل تعلم أنهما منصرفان إلى قتال الجيش السوري وحلفائه، وفي هذا يقول العميد الإسرائيلي المتقاعد يعقوب عميدرور لمركز «بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية»، «إن الجماعات السنية المتشددة على الحدود الشمالية والجنوبية لا تشكل أي تهديد فوري لإسرائيل، على الرغم من أنها قد تقدم على مفاجآت غير سارة، إلا أنه لديهم أعداء أكثر إلحاحاً ليقاتلوهم».
وبينما تعتبر الدراسة أن ما قامت به إسرائيل على امتداد سنوات الحرب الخمس ينحصر فقط بـ«الدفاع» عن حدودها أمام أي اعتداء او محاولة تسلل، الا انه في الوقت ذاته يقر بأن اسرائيل كانت تؤمن أيضاً الدعم السري للجماعات المسلحة التي تقاتل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فيما حرصت على منع تزويد «حزب الله» بأسلحة متطورة قد تشكل خطراً عليها، ولذلك قصفت عدداً من الشاحنات التي كانت تشتبه في أنها تنقل مثل تلك الأسلحة.
إضافة إلى ذلك، فتحت تل ابيب حواراً مع موسكو لمناقشة المصالح الاستراتيجية والتكتيكية المشتركة في سوريا، وشددت على وجوب التنسيق الدائم لمنع حدوث أي صراع غير مقصود بين قواتها والقوات الروسية.
اما عن الخيارات التي تملكها تل أبيب في الأزمة السورية، فيوضح الباحث أنها قليلة ومحدودة، فهي لا تملك القدرة على وقف تمدّد النفوذ الإيراني، كما أنها لا تستطيع الحدّ من قدرات «حزب الله» في ما لو تعرّضت لتهديد مباشر، سوى بقصف شحنات الأسلحة، وهو إجراء سبق لها أن نفذته، كما أن تل أبيب غير قادرة على قلب كفة الميزان لصالح معارضي الأسد.
ويوضح هاناور أن دخول إسرائيل بشكل مباشر في الحرب السورية لن يعود عليها بالفائدة المرتجاة، إذ تعتبر تل أبيب أن بقاء الأسد او رحيله سيان بالنسبة لها، وينقل عن ضابط إسرائيلي، رفض الكشف عن اسمه، قوله «في كلتا الحالتين ستكون النتيجة سيئة، فانتصار المحور الراديكالي المدعوم من روسيا والمؤلف من إيران وسوريا وحزب الله ليس أمراً إيجابياً بالنسبة لإسرائيل، ومن الناحية الثانية فإن تمركز كل مجانين الجهاد العالمي في دمشق ومرتفعات الجولان هو أيضاً غير مريح ومربك».
(«السفير»)
إضافة تعليق جديد