«مغامرة» أوباما تبدأ بأكبر خطة إنقاذ مالية في تاريخ أميركا

18-02-2009

«مغامرة» أوباما تبدأ بأكبر خطة إنقاذ مالية في تاريخ أميركا

وقع الرئيس الاميركي باراك اوباما امس، قانون «الانتعاش وإعادة الاستثمار الاميركي»، ليطلق اكبر خطة إنقاذ مالية في التاريخ الاميركي تصل قيمتها الى 787 مليار دولار، في أول انتصار سياسي له بعد أسابيع من توليه السلطة، وليضع مستقبل رئاسته وارث إدارته الديموقراطية في مغامرة لإخراج الاقتصاد الاميركي من ركود يطارد القطاعات المنتجة والأسواق المالية والقدرة الشرائية. أوباما يوقع خطة الانقاذ وخلفه نائبه جوزيف بايدن في دنفر أمس
وقال اوباما من كولورادو حيث قبل رسميا ترشيح حزبه في آب الماضي «لا يمثل اليوم نهاية مشاكلنا الاقتصادية كما انه لا يشكل كل ما يتعين علينا القيام به لتحويل اقتصادنا.. ووضعه على أسس امتن تمهيدا لنمو وازدهار طويل الأمد». ووصف خطة الإنقاذ بانها «اكثر رزمة انتعاش اقتصادية شمولا في تاريخنا»، معتبرا انها كانت «نتاج مشاورات واسعة النطاق»، وانها «خطة متوازنة مع خفض الضرائب واستثمارات.. ستنفذ بمستوى غير مسبوق من الشفافية والمحاسبة». وذكر انه سيعين فريقا من المدراء لضمان فعالية انفاق هذه الخطة، مذكرا بانه ورث عجزا ماليا من سلفه جورج بوش يصل الى 3 تريليون دولار، وانه سيعمل في المرحلة المقبلة على معالجة مشاكل القطاع المصرفي والأسواق العقارية.
حاول اوباما ان يؤمن لإدارته قاعدة جمهورية داخل الكونغرس وخارجه بشكل مشابه لما فعله الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان، بحيث سمى حلفاءه على الضفة الأخرى حينها بـ«ديموقراطيي ريغان». لكن الحزب الجمهوري الذي يسعى جاهدا لإعادة اختراع هويته السياسية بعد الخسارة التي تكبدها في الانتخابات الاخيرة، حاول القيام بهذا التموضع عبر معارضة خطة الإنقاذ والرهان على فشلها لاستعادة الحكم بعد أربع سنوات.
على عكس القيادات الجمهورية في الكونغرس التي تتفاعل مع قاعدتها المحافظة، يدعم حكام الولايات الجمهوريين مثل فلوريدا وكاليفورنيا وكونتيكت، خطة الادارة لانها تخصص أموالا تخرجها من ضيقتها المالية. وقال اوباما مؤخرا انه تعلم من تجربة إقرار خطة الإنقاذ الا يعطي القيادات الجمهورية في الكونغرس أوراق مساومة قبل بدء التفاوض معها، لانه ادخل بند تقليص الضرائب منذ اليوم الاول لإعداد مشروع القانون وسحب بالتالي من الجمهوريين مطلبا جوهريا يحدد إيديولوجيتهم الاقتصادية، ما أدى الى ارتباكهم ربما، في وقت يسابق اوباما الوقت لتفادي انعكاسات الركود.
ويراهن اوباما على ان توفر خطة الإنقاذ 5.3 مليون فرصة عمل مع إعفاءات ضريبية لـ95 في المئة من الطبقة العاملة وتوسع نطاق التأمين ضد البطالة وتقدم مدفوعات الى المستفيدين من الضمان الاجتماعي، كما تضاعف من إنتاج الطاقة المتجددة على مدى ثلاث سنوات، وإنشاء ما سمي «ادارة مالية للطاقة النظيفة» التي ستجمع حوالي 100 مليار دولار من القطـاع الخـاص لاستـثمارها في قطـاع الطـاقة المتجـددة.
ويشمل القانون انفاق 150 مليارا في البنى التحتية، وهو الاستثمار الأكبر منذ الخمسينات في عهد الرئيس دوايت ايزنهاور، مع تجديد وسائل النقل العام وشبكة الكهرباء وتوسيع نطاق تغطية شبكات الانترنت والاستثمار في المؤسسات التربوية. وتغطي الخطة الرعاية الصحية لحوالي 20 مليون اميركي خلال فترة الركود عبر تأمين مبالغ اضافية مؤقتة في الميزانية الفدرالية الصحية. وتقول خطة الادارة انها ستوفر حوالي 206 آلاف فرصة عمل في فلوريدا و396 ألفا في كاليفورنيا و215 ألفا في نيويورك و109 آلاف في ميتشغان وغيرها من الولايات الاميركية.
تقول القاعدة الجمهورية في الكونغرس ان الانفاق الفدرالي كان مفرطا في خطة الإنقاذ وان البيت الابيض لم يطلع الجمهوريين على الخطة الا بعد نهاية العمل على المسودة، فيما تتململ القاعدة الديموقراطية من عدم تفاعل اوباما مع كل المطالب الليبرالية وتتطلع الى المستقبل لتحقيق مطالبها في مشاريع اخرى على جدول الاعمال. وقد كشفت صحيفة «بوليتيكو» ان رئيس الغالبية في مجلس النواب ستيني هوير طلب من رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ان تتخذ مواقف اكثر تشددا بعدما تمكن الجمهوريون في الكونغرس من إجراء بعض التعديلات على الخطة المالية، وان بيلوسي وافقت على انه يجب التفاوض مع الجمهوريين بطريقة مختلفة في المرة الأخرى.
كما ذكرت الصحيفة ان فريق عمل اوباما سيجعل المواجهة الإعلامية في المرحلة المقبلة بين عالم واشنطن و«الناس الحقيقيين»، اي الاستفادة من الضغط الشعبي والقاعدة الانتخابية، لإقرار مشاريع مستقبلية في الكونغرس. لذا يعود اوباما الى المواسم الانتخابية في الفترة الاخيرة، وقد توجه امس الى الولايات الغربية في كولورادو وأريزونا بعد توقفه الأسبوع الماضي في فلوريدا وانديانا وفيرجينيا.
الرأي العام الاميركي يقف حتى الآن مع اوباما، ربما اكثر من دعمه لخطة الإنقاذ، لكن التحدي هو كيف ستكون مقاربة الرئيس لكل خطط الإصلاح التي ينوي طرحها امام الكونغرس. لقد اقر مجلس النواب القانون من دون اصوات ديموقراطية وأنجزت القيادات الديموقراطية في مجلس الشيوخ تسوية مع ثلاثة اعضاء جمهوريين معتدلين لإقناعهم بالموافقة على القانون ليحصل على الأكثرية المطلوبة. معدل «كلير ريل بوليتيكس» يشير الى ان شعبية اوباما هي حوالي 65 في المئة، في مقابل 30 في المئة للكونغرس. وأشار استطلاع لمؤسسة «غالوب» الى ارتفاع شعبية الكونغرس من 19 في المئة في كانون الثاني الماضي، الى 31 في المئة، فيما اعلن 59 في المئة من الاميركيين عن تأييدهم لخطة الإنقاذ.
وقد وضعت في هذه الأثناء كل من شركة «جنرال موتورز» و«كريسلر» بتصرف البيت الابيض ملامح خطة لإنقاذ قطاع السيارات عبر تقليص الانتاج وفرص العمل وإعادة هيكلة الادارة، بعدما صرفت «جنرال موتورز» 200 ألفا من موظفيها (32 ألفا في كرايسلر) وخفضت 40 في المئة من نماذجها بحيث اكتفت بالسيارات الصغيرة وقلصت شبكة انتشارها لتقتصر على ألف وكيل فقط في الولايات المتحدة.
وأعلنت ادارة اوباما مع نهاية الأسبوع انها لن تعين «قيصرا للسيارات» للإشراف على خطط إعادة هيكلة القطاع، بل ستعتمد على فريق من المسؤولين الحكوميين بقيادة وزير المالية تيموثي غايتنر ومدير مجلس الاقتصاد القومي لورنس سامرز. علما ان البيت الابيض أعرب بوضوح عن نيته المشاركة في إعادة هيكلة هذا القطاع.
وتسعى «جنرال موتورز» الى بيع سيارة «صعب» و«هامر» لكنها لم تتمكن حتى الآن من تأمين مشترين لهما، فيما تجهد «كرايسلر» لصياغة تحالف مع شركة «فيات» الايطالية. وقد وافقت الحكومة الاميركية حتى الآن على إعطاء 4.13 مليار دولار من القروض لـ«جنرال موتورز»، ستمنح 4 مليارات منها في الشهر الحالي اذا وافقت وزارة المالية على خططها لإعادة الهيكلة، فيما استلمت «كرايسلر» 4 مليارات وتسعى حاليا للحصول على 3 مليارات اضافية من القروض.
ويتخبط وزير المالية تيموثي غايتنر في اعداد خطة لإنقاذ القطاع المصرفي. وذكرت مصادر لصحيفة «واشنطن بوست» ان غايتنر اضطر قبل يوم من إعلان خطته الأسبوع الماضي الى تغيير كل الإستراتيجية التي عمل عليها مع فريق عمله لأسابيع عندما اكتشف ان هذه الخطة ستكون مكلفة ومعقدة. وتابعت المصادر ان ادارة اوباما لم تعين بعد مساعدي وزير المالية ما يؤدي الى عدم وجود فريق عمل متكامل في الوزارة لإعداد هذه الخطة، ما يشرح بالتالي ارتباكه الأسبوع الماضي عندما طرح خطة غير مكتملة، ما أدى الى هبوط في الاسواق المالية على «وول ستريت» التي كانت تتوقع إستراتيجية كبيرة من وزارة المالية.
وعاد غايتنر الى خطط وضعت قبل الانتخابات الرئاسية وتقضي بطرح شراكة بين استثمارات القطاع الخاص وقروض فدرالية لشراء أصول المصارف التي هي في خطر لنزعها من دفاتر المصارف المالية. ويأتي غايتنر بعد سلفه هنري بولسون الذي انتقد جراء طريقة إنفاقه مبلغ 700 مليار دولار في برنامج الإنقاذ الذي طرحه في أيلول الماضي.
حاول البيت الابيض تقليص بعض بنود خطة الإنقاذ التي تضع إجراءات لحماية الاقتصاد الاميركي من المنافسة، لاسيما ان الدول الاسيوية التي تزورها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هذا الأسبوع أعربت عن قلقها من هذا الامر الذي يعبر عن قلق واشنطن من المنافسة في مرحلة ركود. مصير خطة الإنقاذ سيحدد مستقبل اوباما السياسي، ونجاحها او فــشلها سيكون بمثابة مؤشر على دور واشنطن وعلاقتها مع الصين وروسيا وأوروبا، ولنفوذها في الشرق الاوسط.

جو معكرون

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...