آنا غافالدا: الكتاب السهل القراءة صعب الكتابة

منذ سنوات قليلة، تشكل الكاتبة الفرنسية آنا غافالدا، ظاهرة في عالم النشر، إذ تباع كتبها بعشرات الألوف من النسخ، كما تحظى بتغطية إعلامية كبيرة، ما جعلها واحدة من أشهر الكاتبات المعاصرات، وحيث تترجم كتبها إلى العديد من اللغات، والتي تحظى بدورها، بنجاح كبير، في البلدان التي تنقل إليها.
آخر إصدارات غافالدا، رواية «الخلاص من خطر داهم» (منشورات لو ديليتانت) التي تروي خبريات عائلة، ويومياتها وعلاقات أفرادها مع بعضها البعض. مجلة «باروسيون» التقت الكاتبة بمناسبة صدور الرواية، هنا ترجمة لأبرز ما جاء في الحوار.
ما الذي دفعك إلى كتابة هذه الرواية الجديدة؟
} لا أعرف حقا. كل شيء! مسألة الوحي قضية غريبة.. ذات يوم، تأتي الشخصيات لكي تقرع على دماغك ولتصاحبك خلال رحلاتك في المترو أو في الوقت الذي تكون في المطبخ تطهو، عندئذ تبدأ بالتفكير فيها بشكل مستمر. من هنا، يصبح الأمر مزعجا، فلا تملك إلا أن تجلس أمام «الكلافييه» (حلقة مفاتيح الكومبيوتر) لتقول لها: «حسنا، ها أنا هنا. إذاً؟ هل تروي لها هذه القصة؟» أول جملتين صعبتين جدا؛ يلزمك أحيانا أسبوعين أو عدة شهور كي تجدهما، لكن بعد ذلك، يبدو الأمر بمثابة حلوى. في ما بعد تنقلب الآية، إذ تصبح أنت في داخل رؤوسها فيكفيك أن تشاهدها وهي تحيا...
في هذه الحالة الدقيقة، أنهيت كتابي «أحبه» وكنت حزينة لمغادرتي شخصياتي. لكي أخرج من هذه الحالة المليئة بالفقاعات غير المنطقية بشكل مطلق، قررت أن أكتب قصة صغيرة لتكون على نقيضها التام، حيث الخفة تتحكم بكل شيء، وبشكل تقريبي، تكون فرحة ولا أحد يتألم فيها. من هنا تجد هذه النزهة القصيرة ذات الأخوة السعيدة التي تدفع الجميع إلى القيام بنزهة على شاطئ النهر...
سحر الاختلاف
هل من شخصية تفضلينها على أخرى؟
} أحبها كلها. ما يسحرني هو اختلافها والطريقة التي تغني فيها بعضها بعضا بشكل مستمر. شخصية زوجة الأخ المرعبة تسليني كثيرا وأحبها أكثر من راوية الكتاب. أنا متأكدة أنها ليست سيئة إلى هذا الحد في الحياة الحقيقية. إنها شابة ظريفة تلعب الدور السيئ. سأعود لاستقدمها ذات يوم وفق منظور آخر وبكتابة أكثر نعومة..
في الواقع تبدو شخصية زوجة الأخ الأكثر أهمية. تتراءى شخصيتها، بطريقة ما، أكثر واقعية من كونها طبيعية. أي دور رغبت في أن تلعب في دينامية العائلة؟
نبدو متفقين. إنها كارين التي ستبقى عالقة في الذاكرة! إنها هنا بمثابة استثمار للشخصيات الأربع الأخرى. ولكي أضع اندفاعة تضامن، يتوجب علي بالفعل أن أتحالف ضد شيء ما أو ضد أحد ما، وفي هذا الكتاب، إنها هي التي تصاب بالخسارة. المسكينة...
في أي جزء من الرواية – الشخصيات، القصص – نجد المتخيل؟
} كل شيء متخيل. أنا أيضا، لدي أشقاء وشقيقات أحبهم لكننا لم نحظ يوما بفرصة أن نعيش مثل هذه العائلة التي أكتب عنها، كما أنه لم يكن لدي زوجة أخ حين كتبت هذه الرواية! أحب أن أخترع. الناي، الحالات، العواطف، حتى «لوائح الموسيقى» (= اللوائح التي يتم تسجيلها على الكومبيوتر). إنها متعتي الكبيرة كما أنها مهنتي. لدي الكثير من الحظ...
كتابك هذا أصغر من جميع كتبك. هل فكرت بطوله وأنت تكتبين؟
} في البداية، تلقيت طلبا بأن أكتب قصة طويلة، من هنا قررت أن أروي لحظة من لحظات حياة هشة، معلقة، سرابية، كأنها هدية وقعت من السماء. تبدأ القصة نهار سبت في العاشرة صباحا وتنتهي غداة اليوم التالي، عند المساء...
تطلعات أدبية
برأيك ما هي أهم التيمات التي تعالجينها؟
} لا أعرف. على القارئ أن يجيب على هذا السؤال.
بشكل عام، ما هي تطلعاتك الأدبية؟
} أقرأ كثيرا، لكن «أساتذتي» حقا هم الكبار: تولستوي، دوستويفسكي، شكسبير، بلزاك، فلوبير، موباسان، سيلين، بروست، شتاينبيك، غارسيا ماركيز... إنهم العباقرة.
هل للأدب الأنغلوساكسوني أثر حاسم على كتابتك؟
} لها أثر حاسم على كتاب العالم بأسره. أعتقد ذلك.. علينا أن نكتب بدمائنا، بأعصابنا..
ما هي طريقتك في الكتابة؟ هل تمضين وقتا طويلا في التفكير بما عليك أن تكتبينه؟ أو أنك تكتفين بالكتابة الأولى؟
} أعمل كثيرا كي أترك انطباعا بأن الكلمات أتت بشكل طبيعي. إن الكتاب السهل على القراءة هو كتاب صعب في الكتابة. لكن كما أجبت على السؤال الأول، ما هو صعب حقا، يكمن في أول جملتين. ما يلزمني هو إيجاد النبرة، الإيقاع، وزن خفقات القلب، بعد ذلك نجد الشخصيات الموجودة أصلا فنأتي لنتقصى أخبارها.
هل يمكن لنا أن نعرف المشروع الذي تعملين عليه حاليا؟
} أكتب سيناريو فيلم سينمائي. شخصية تشبه جان دارك، لكنها تنتمي إلى الأزمنة الحديثة... إنها فتاة رائعة.
كيف تفسرين سبب نجاحك في الخارج؟
} كلا، حتى ذلك لا أفسره. بل أكتفي وأسر بتذوق ذلك. علينا أن نحاول أبدا «فهم» الأشياء الجميلة، إذ نفسدها.

اسكندر حبش

المصدر: السفير