أبو محمد الأميركي يفضح الجولاني
في الوقت الذي ينكشف فيه تدريجياً المزيد من المعطيات عن الهوية الحقيقية لزعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، يجد الأخير نفسه في دائرة الخطر والاستهداف المباشر من قبل أطراف عدة لها مصلحة في وضع حد لحياته، بينما يستمر هو في التخبط تبعاً لتخبط «أميره» زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، بعدما وضعته تطورات «الفتنة الجهادية» أمام خيارات صعبة، أهونها قتال تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) التي ولد من رحمها.
فقد ثبت أن الجولاني كان يأمر بإدخال السلاح من تركيا وتسليمه إلى قائد «جبهة ثوار سوريا» جمال معروف، وذلك في الوقت الذي كان يعتبر أن الاقتتال بين «ثوار سوريا» و«الجبهة الإسلامية» و«داعش» هو فتنة ينبغي اعتزالها، ما يشير إلى أن «النصرة» كانت منخرطة منذ البداية في القتال ضد «داعش»، ولكنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة لإعلان ذلك.
وهذا ما يعيد طرح التساؤل عن سبب الصراع بين «القاعدة» و«الدولة الإسلامية»، بعدما تبين أن الأسباب التي استند إليها تنظيم «القاعدة» لجهة غلو «داعش» أو عنفه المفرط مجرد ذرائع وليست أسبابا حقيقية.
أبو محمد الأميركي، «أمير أطمة في جيش الخلافة» الذي كان يقوده سيف الله الشيشاني قبل مقتله الأسبوع الماضي أثناء قيادته مجموعة اقتحام سجن حلب المركزي، هو من فضح دور الجولاني في تسليح «ثوار سوريا» أثناء المعارك بين الأخيرة و«داعش».
وتحدث الأميركي في تسجيل مصور عن تفاصيل الأرتال التي كان يرسلها جمال معروف إلى مدينة أطمة الحدودية مع تركيا لاستلام السلاح الآتي إليه من تركيا، مؤكداً أن مرور هذه الأرتال كان يتم بمواكبة من «أمراء» في «جبهة النصرة»، مثل «أبو الليث» و«أبو سليمان». بل إنه ذكر في إحدى المرات عندما اعترض مع 30 من عناصره أحد هذه الأرتال لمنعها من المرور أن أبا الليث جاءه بقرار صادر عن الجولاني نفسه يقضي بالسماح لرتل جمال معروف المحمل بالأسلحة بالمرور من أطمة.
وبما أن «جيش الخلافة» كان مبايعاً للجولاني منذ حوالي الشهرين فلم يكن بإمكان الأميركي أن يرفض تنفيذ قرار «أميره»، لكنه اختار طريقة أخرى للاعتراض، وهي الانشقاق عن «جبهة النصرة» و«جيش الخلافة»، ومن ثم الإدلاء بشهادته تجاه ما كان يجري في أطمة.
هذه الشهادة، من شأنها أن تضع مصداقية الجولاني على المحك لأنها تمسه مباشرة. فهل كان يكذب عندما تحدث في مقابلته مع قناة «الجزيرة» عن «أسرة واحدة» تجمع بين «النصرة» و«داعش»؟ وكيف يقول إن الاقتتال فتنة ويوصي مقاتليه باعتزاله، بينما هو يقوم بدور أساسي في تسليح خصوم شركائه في هذه الأسرة الواحدة؟
هذا التخبط الذي وقع به الجولاني سبقه إليه الظواهري الذي نفى وجود أي علاقة تنظيمية بين «القاعدة» و«داعش»، لكن هذا النفي جاء بعد صدور قرار عنه، قبل حوالي ستة أشهر، يقضي بإقرار البغدادي لمدة عام في منصبه كأمير لـ«الدولة الاسلامية»! فكيف لا توجد علاقة ثم يكون من صلاحيات الظواهري عزل أو تعيين «الأمير»؟ علاوة على أن الجولاني في مقابلته مع «الجزيرة» أكد أن الظواهري «أميرنا وأميرهم» في إشارة إلى «داعش»؟
في غضون ذلك، كشف مصدر «جهادي»، أن الجولاني هو نازح من الجولان السوري المحتل، وكان يسكن مع عائلته في بلدة دروشا في ريف دمشق، وأنه من عائلة ناصر، وأن ابن عمه المدعو أبو ناصر كان مسجوناً في صيدنايا، وأصيب أثناء الأحداث التي وقعت في السجن في العام 2008. كما أكد المصدر أن الصورة التي نشرت للجولاني نقلاً عن مصادر استخباراتية عراقية، هي صورة الجولاني الحقيقية، لكنها مأخوذة منذ سنوات عدة عندما كان معتقلاً في السجون العراقية. ورجح المصدر أن يكون الجولاني في أواخر الثلاثينيات من عمره.
كما علمت «السفير» أن الجولاني اتخذ إجراءات أمنية غير مسبوقة، بعد إحساسه بتصاعد التهديدات ضده شخصياً، لا سيما مع تقاطع معلومات من مصادر عديدة تفيد بأن أطرافاً عدة، من بينها «داعش» و«أحرار الشام» وبعض المقربين منه مثل ميسر الجبوري (أبو ماريا القحطاني)، لهم مصلحة في اغتياله والتخلص منه.
وفي السياق نفسه، ذكر مصدر من «أحرار الشام»، أن قيادات «الجبهة الإسلامية»، وعلى رأسهم حسان عبود وأبو عيسى الشيخ وزهران علوش، يقضون معظم وقتهم في تركيا ولا يدخلون إلى الأراضي السورية إلا في ما ندر، بعد تصاعد مخاوفهم من احتمال تعرضهم للاغتيال، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي اختلط فيها الحابل بالنابل. وأكد المصدر أن قيادات «الجبهة الإسلامية» تأخذ على محمل الجد ما جرى تسريبه من دخول عناصر من «الكتيبة الخرساء»، التابعة لـ«داعش» من العراق إلى سوريا، بهدف تنفيذ عمليات اغتيال بكواتم الصوت التي تشتهر بها الكتيبة.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد