أحمد معلا: أنا مجرّب أتنزه في تاريخ الفن

05-12-2007

أحمد معلا: أنا مجرّب أتنزه في تاريخ الفن

أقام الفنان التشكيلي أحمد معلا معرضاً في «آرت هاوس» في دمشق أخيراً، كان جزءاً من تظاهرة تشكيلية عفوية استثنائية استقطبت في غضون يومين فقط افتتاح معارض لأسعد عرابي وجورج بهجوري إلى جانب معلا، الذي غاب طويلاً صورة أحمد معلا على بروشور المعرضعن صالات العرض الدمشقية حيث يقول إنه منذ عشر سنوات لم يقدم سوى المعرض الذي حمل عنوان «دليل المواطنة». نسأل الفنان معلا ماذا يمكن أن يعطي اسماً لمعرضه الأخير فيقول «ما قبل الفرات»، وهو بذلك لا يقفز فقط إلى المستقبل، حيث يحضّر لمعرض حول الفرات، فـ «كل لوحاتي مقتطعة من نهر. أنا عشت على الفرات منذ أن كان عمري سنتين، بقي في ذاكرتي خالداً وله طبيعة الجريان المدهشة تلك. في ذاكرتي النهر والطمي، الغرق، الثياب الملونة، الاحتفالات، في الموت والفرح. ثم الفرات كقيمة تاريخية؛ الفرات الأحمر في الحرب، والأزرق حين ألقيت فيه الكتب..». يتحدث معلا عن مشروعه هذا وهو ممتلئ بالرغبة في معايشة الفرات من جديد «لا بدّ من العودة إلى المكان، أطمح إلى رحلة إلى الفرات في مساره التركيّ، فأنا أعرفه من منبج إلى البوكمال. أنا عشت الفرات حينما كان مجنوناً يأخذ معه الناس والبيوت. لكنه الآن صار مسكيناً ومقيداً بالسدّ. يجب معرفة النهر أيضاً من خلال الحكايا الشعبية وعلاقة الناس به وما كتب عنه. لا بدّ من المعايشة. عليّ أن أترك نفسي كما الإسفنجة تمتلئ بكل شيء ثم تتركها عند العمل، تطلق لنفسك العنان على ضوء قاعدة دافنتشي: تعلّم قواعد الرسم كلها، وحين تذهب إلى اللوحة عليك نسيانها».
أما موضوع معرضه الراهن فهو «مجموعة تهيم على وجهها ولا تجد حلاً، متورطون، يصعدون إلى السماء، أو أنهم يصلون إلى نبي بينهم وبينه هوة واسعة. إنهم أمام مصير خائب. يبحثون عن مصير ولا يصلون. لا يغيب الجانب الساخر، ولا تغيب كذلك الهلوسة. وهناك اجتماع لعناصر شديدة التناقض، كاجتماع الفرح بجوار الموت في اللحظة ذاتها». وعن سرّ تكرار الحشود البشرية في لوحات معرضه يقول: «الحشد جزء من روحي. اللوحة حشد من الألوان، من ضربات الريشة والتعابير. أنا عملت كثيراً على موضوع القطيع والفرد، الفرد كنبيّ، أو مجرم، قائد أو مبدع. تاريخنا مليء بالفرد البطل أو الدكتاتور. أما النجاة بالنسبة إلي فليست شخصية؛ إما أن تكون مع الجماعة أو لا. كذلك يمكن أن يكون الحشد هو الشخص نفسه، مكرراً، كما في الحياة، مرات كثيرة».
كان حديث الفنان يتواصل فيما نستعرض صوراً للوحات معرضه الأخير على شاشة الكمبيوتر، ومع كل لوحة تعليق: «انظر، هذه امرأة فالتة من القرن التاسع عشر تورطت بلوحة لأحمد معلا. وهنا تحديات لونية، حيث لوحة بالوردي والأخضر. يحضر تاريخ الفن هنا، حيث تجد نفسك فجأة بين غويا ودي لا كروا. أنا متنزّه في تاريخ الفن، أجدادي هم دي لاكروا، دافنتشي، الفنان الإغريقي كما الآرامي».
وحول سؤال إلى أي حدّ تعكس تجربته الأخيرة حياتنا المعاصرة قال معلا: «إذا كنت ابن تاريخ الفن، فالأولى أن أكون ابناً لمن حولي. هذا المعرض ينتمي إلى هذا الشخص الذي تكوّن عبر علاقته بهذا المحيط. التشكيلي لا يمكن إلا أن يشبهه عمله. أنا أنزع العقل وأعمل من خلال حسي الكامل، فتأتي اللوحة تشبه تعبي، فرحي أو انحطاط الحالة الفيزيولوجية. أنا لا أستمع إلى الموسيقى مثلاً أثناء العمل لأن إيقاعي الداخلي هو ما يقودني».
تلوين المدينة
وإذا كان معلا من أكثر الفنانين السوريين ارتباطاً بمرجعيات أدبية، كعلاقته بسعد الله ونوس، حين رسم عن نصوصه أو رسم تحية له، فإنه يؤكد هنا ذلك الانتماء: «المتنبي حاضر عندي بشكل صارخ. ثم إنني صاحب مشروع دمج الفنون، فقد عملت في السينما والمسرح والتلفزيون وفي عروض موسيقية، هذا جزء من هاجسي الطليعي». ولعل الفنان يطرح في السياق ذاته مشروعاً يسميه «مرقد الشعر العربي»، وهو بناء من الطين تدخل إليه (حسب المشروع) لتجد مراقد تحمل كل منها مخطوطة أو معلقة أو قصيدة حديثة. إنها محاولة لإعادة إحياء التراث الشعري العربي بعلاقته مع الناس. ولا شك أن في هذا المشروع مبادرة من نوع مختلف، أهليّة ربما، أكثر منها فنيّة محض، كمثل مشروعه لتلوين دمشق الجبل، حيث كان الهدف، كما يقول، خلق فن المدينة «ولكنني لم ألق الدعم المطلوب، بل وقد اعتُبر ذلك نوعاً من تكريس للعمارة العشوائية. كنت أهدف إلى أن أحمل الألوان إلى كل عائلة، وأن أشرك الناس في تلوين بيوتهم وأحيائهم».
ولدى سؤاله عن أي تصنيفات ومراحل تقسم تجربته قال: «أنا مجرّب، أتنزه في تاريخ الفن، أذهب إلى أبعد حد للوصول إلى لوحتي. ليس لديّ مشكلة في الانتقال من مرحلة إلى أخرى. الفنون ذهبت في اتجاهات شتى، وقد تبنى اللوحة على مفهوم أو رؤى أو اختبارات لإمكانات تعبيرية. وعلى سبيل المثال التفتُّ مرة أثناء العمل لأجد أن ماسورة ألوان لم تفتح بعد، لم تستخدم، أدخلتها في اللوحة فوراً، وقد خرّبتها بالطبع، ولكن صارت القاعدة لديّ أنه ممنوع أن يكون هنالك لون خارج اللوحة، بمعنى أن لا موقف جمالياً مسبقاً. إنه أيضاً نوع من التوريط لنفسي».
وعن موسم افتتاح مجموعة معارض تشكيلية في وقت واحد، خصوصاً معرضه ومعرض أسعد عرابي اللذين افتتحا في الوقت نفسه، وما إذا كان ذلك يعني شيئاً، قال: «هذا هو موسم النشاط الثقافي، والصالات تريد تأمين حياتها عبر نشاط جيد، والكل يثابر. مصادفة الافتتاح في اليوم الواحد مصادفة طيبة، لا أجد في ذلك تعارضاً بل مصادفة طيبة. لكن قبلنا كان هنالك معارض في البلد. ولا شك أن هناك نجاحات تدفع الناس للعمل. تجربتي كانت ناجحة لحد أنها دفعت الآخرين إلى مراسمهم، والمقصود ليس فقط نجاح تجربتي بل كذلك تجارب آخرين كيوسف عبدلكي. لكنني أسمي ذلك نشاطاً تشكيلياً لا حركة، والسؤال كيف يمكن أن نحوّله إلى حركة، نحوّل الأمر إلى رسالة، ومرة أخرى أعتبر عملي لا معنى له، وقد قلت إن النجاة جماعية، إذا كنت بمفردي».

راشد عيسى

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...