أزمة التكامل الاندماجي الوطني اللبناني وأثرها على سورية

16-07-2007

أزمة التكامل الاندماجي الوطني اللبناني وأثرها على سورية

الجمل:    تعتبر عملية التكامل الاندماجي الوطني من أهم العمليات الضرورية لتماسك قوات الدولة –أي دولة- اقتصاديا، واجتماعياً، وسياسياً.. وقد انهمكت كل بلدان العالم الثالث في هذه العملية، وفي منطقة الشرق الأوسط، بذلت الدول والحكومات الكثير من الجهود لإنجاح هذه العملية باستثناء النخبة السياسية اللبنانية، فقد عملت فئاتها وشرائحها على الاكتفاء بنظام المحاصصة الطائفية والتمترس داخله.
• لبنان وخطوط الانقسام الوطني:
تتكون خارطة الشرق الأوسط من دول، وتنقسم الدول إلى محافظات والمحافظات إلى محليات، والخارطة اللبنانية تنقسم من حيث الشكل بنفس الطريقة، أما من حيث المضمون فالانقسام والتوزيع الداخلي فيها يقوم على العوامل الطائفية، ويتم إسقاط هذا الانقسام على هيكلية الدولة والحكم، وبالتالي لم يعد تولي المسؤولية السياسية التشريعية، والتنفيذية، والقضائية على أساس اعتبارات المواطنة، وإنما على أساس اعتبارات الانتماء الطائفي، وعلى خلفية النظام (الديمقراطي الليبرالي الحر في لبنان) تعمقت هذه الانقسامات بتأثير التنافس السياسي بين الطوائف، وأيضاً التنافس بين (البيوت) داخل كل طائفة، وذلك على النحو الذي أدى إلى خلخلة القوام المجتمعي اللبناني.
• أزمة التكامل الاندماجي الوطني واشكالية العنف السياسي:
تمسك الأقليات بمفاعيل وآليات السيطرة السياسية ترتب عليه ممارسة الكثير من النفوذ على عملية توزيع السلطة والثروة، وقد تغيرت الخارطة الديموغرافية والتي على أساس معطياتها قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية بتحديد توزيع السلطة، وهذه التغيرات لم تعد بالحجم الذي يمكن السكوت عليه، أو إخفاءه، فالأقليات أصبحت أغلبيات، والأغلبيات أصبحت أقليات، إضافة إلى أن تزايد معدلات الهجرة الخارجية أدت إلى تقليل حجم بعض الطوائف اللبنانية بحوالى 25% تقريباً، وهي هجرة ليست بالمؤقتة، بل أصبح فيها المهاجرون مواطنون من الدرجة الأولى في المواطن الجديدة التي هاجروا إليها، وتبوأ بعضهم الكثير من المناصب الدستورية، ولم يعد انتماؤهم إلى لبنان يختلف كثيراً عن انتماء كوندوليزا رايس وكولن باول الى افريقيا.
المظالم المتزايدة أججت الصراع بين الطوائف والفئات، والتنافس المتزايد دفع إلى التعبئة الطائفية الفاعلة، والتمييز الجهوي أدى إلى استئثار مناطق لبنانية بمزايا الخدمات العامة والتنمية الاقتصادية، والتمييز الطائفي أدى إلى إذكاء نار المشاعر السلبية بين المواطنين، وعلى خلفية كل هذه العوامل والظواهر تنامي العنف السياسي الهيكلي، الذي انفجرت مخزوناته أكثر من مرة في شكل عنف سياسي سلوكي ظاهري، على النحو الذي أدخل لبنان في حربين أهليتين مدمرتين، ومازال يهدد بالمزيد.
• المحاصصة الطائفية ونظرية المؤامرة:
مفاعيل أزمة عدم التكامل الاندماجي الوطني، دفعت بالنخب السياسية اللبنانية إلى تبني سيناريو نظرية المؤامرة بشقيه الإيجابي والسلبي، فالإخفاقات الناتجة عن عدم التكامل الاندماجي الوطني لا يتم التطرق لها ضمن الحوار الداخلي البيني، وإنما يتم غض النظر عنها على النحو الذي يدفع الأمور باتجاه سيناريو المؤامرة:
- سيناريو المؤامرة الإيجابية: ويتمثل في قيام النخب السياسية باللجوء للأطراف الخارجية طلباً للدعم والمساعدة في (حل الأزمة) ولم يحدث أن خلت عاصمة عربية أو أوروبية خلال الستين عاماً الماضية من الوفود القادمة من بيروت طلباً للقروض والمساعدات، والتي عندما يتم تقديمها لا تذهب إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية وإنما تذهب إلى المزيد من (البنود الخاصة) الأخرى التي تعزز المكانة والمركز الطائفي على حساب بقية اللبنانيين. ويتمثل البعد الإيجابي في هذا السيناريو في عملية جلب المساعدات.
- سيناريو المؤامرة السلبية: ويتمثل في قيام النخب السياسية باتهام الأطراف الخارجية وتحميلها المسؤولية عن الأزمة اللبنانية المستفحلة، وعلى سبيل المثال: قامت بعض الشركات اللبنانية بسرقة أموال إعادة تعمير لبنان في فترة ما بعد الحرب الأهلية ومؤتمر الطائف، واستشرى الفساد بين كبار المسؤولين الطائفيين اللبنانيين، ولكن لم يقم أحد بتحميلهم المسؤولية عن الأزمة وعن الدين العام الذي تجاوز الـ40 مليار دولار.. وفي إحدى المرات قامت حكومة لبنانية بفتح ملفات فساد كبار المسؤولين، من بينهم فؤاد السنيورة وزير مالية رفيق الحريري، والوزير برسميان.. وغيرهما، ولكن بعد الانتخابات كان الوزير برسميان قد غادر لبنان إلى البرازيل حيث احتمى هناك، لأنه قبل أن يعينه رفيق الحريري وزيراً في الحكومة البنانية كان مواطناً برازيلياً، يحمل الهوية وجواز السفر البرازيلي، ولن يستطيع لبنان إعادته واسترداد المال العام اللبناني منه، أما فؤاد السنيورة فقد تم إلغاء كل محاضر الفساد المفتوحة ضده في أقسام الشرطة في يوم واحد، وتم بعدها تعيينه ضمن الوزارة الجديدة، وأما شركة سوليدير فحدّث ولا حرج، خاصة وأنها مملوكة لمن بيدهم السلطة التنفيذية، والتشريعية، وبالتالي فقد استمرت هذه الشركة في أنشطتها تحت حماية مظلة مجلس الوزراء ومجلس النواب اللبناني.
سيناريو المؤامرة السلبية يقوم على إيذاء الآخرين وابتزازهم سياسياً بعد ابتزازهم اقتصادياً، وعلى سبيل المثال قدمت سورية الكهرباء والنفط ودم  أبنائها للبنان، وبعد كل ذلك تقوم بعض فئات النخب السياسية الطائفية اللبنانية بتسويق العداء والاتهام لسورية من أجل الحصول على الدعم الغربي الأمريكي والفرنسي والإسرائيلي.
• أزمة التكامل الاندماجي الوطني وإشكالية بناء المستقبل:
الحالة الانقسامية الحالية سوف تؤدي بالضرورة إلى المزيد من الانقسام والتفكك، واحتقانات العنف السياسي، وإذا كان هناك طرف لبناني يعمل بحرص من  أجل مصلحة لبنان وقيام مؤسسات عامة سياسية تعتمد النزاهة والوطنية، فإن هناك أطرافاً لبنانية أخرى تحرص على إدمان التواصل مع الأطراف الخارجية والاستقواء بأجندتها وتبني مخططاتها إزاء لبنان والمنطقة، والفرق بين الاثنين مثل الفرق بين المجرم والشريف، أو الفرق بين الكريم واللئيم، وإذا كان حزب الله وحركة أمل، والتيار الوطني الحر وبقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية يحرصون على استقلال لبنان، فإن اللئام بالمقابل يحرصون على تبعية لبنان، وعاجلاً أم آجلاً سوف يجد اللبنانيون أنفسهم مجبرين على الدخول في دوامة العنف، والتي سوف تكون هذه المرة بين لئام الساسة اللبنانيين وبين كرامهم، وبعدها يمكن أن يصبح المناخ سليماً وصحياً من أجل استمرار عملية التكامل الاندماجي الوطني اللبناني، ويصبح الجميع في لبنان متساويين في حقوق المواطنة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...