أكاذيب الديمقراطية ولغة الخداع منذ الحرب العالمية حتى الحرب السورية

20-01-2013

أكاذيب الديمقراطية ولغة الخداع منذ الحرب العالمية حتى الحرب السورية

الجمل- قسم الترجمة-كولن تودهنتر- ترجمة: د. مالك سلمان:

في عصر يسيطر عليه الإعلام بشكل متزايد, أصبحت اللغة كل شيء و غالباً ما يتم استخدامها من قبل المؤسسات الرسمية لإرهاب المعنى. فمع موت الملايين على يديها منذ سنة 1945, أصبحت الولايات المتحدة الدولة الإرهابية رقم واحد في العالم. فبقدوم الثمانينيات من القرن الماضي, قدرَ رجل "سي آي إيه" السابق الرقمَ بحدود 6 ملايين. وكما أشارت مقالة حديثة, من قصف التجمعات البشرية في جنوب شرق آسيا إلى استخدام فرق الموت في أمريكا الجنوبية, كان الجيش الأمريكي و "سي آي إيه" مسؤولين – بشكل مباشر أو غير مباشر – عن موت حوالي 10 ملايين إنسان. لكن ذلك لا يسمى جرائم جماعية هذه الأيام. ومن باب المفارقة أن الولايات المتحدة قد اختطفت كلمة "الإرهاب" لتبرير استبدادها الواسع من خلال حرب على الإرهاب.

يمكنك أن تضيف على تلك الملايين العشرة عدداً لا يحصى من الناس الذين تمت التضحية بحياتهم على قربان أرباح الشركات, والتي لم تعتمد على الجيش ليقصف الناسَ والبلدان بهدف إخضاعها, بل على سياسة معينة. ولا يسمى ذلك إرهاباً معنوياً, بل تكيفاً بنيوياً.

نتيجة لذلك, قام مئات الآلاف من المزارعين الهنود بالانتحار في اﻠ 15 سنة الأخيرة نتيجة للتجارة الزراعية الأمريكية التي تعمل على احتكار أسعار السلع في العالم اعتماداً على سياسات تتبعها نيابة عنها الحكومة الأمريكية, أو نتيجة احتكار الشركات, أو التكنولوجيا الرائدة, للبذور القاتلة التي أغرقت المزارعين في ديون لم يستطيعوا تحملها.

إن مأساة المزارعين الهنود ليست فريدة من نوعها. كم من الناس العالم ذهبوا ضحية العنف البنيوي الكامن, أو القتل الصامت, للرأسمالية المفترسة التي تبدو مسالمة؟ فقد سرق الظلمُ المتأصل في النظام الحياة من الناس, والصحة من أجسادهم, وأساليبَ العيش من بين أيديهم, والمياهَ من صنابيرهم, والطعامَ من صحونهم. فمن المملكة المتحدة إلى أفريقيا, تم تدمير حياة الطبقات الفقيرة – الضرع الاقتصادي المهمَل الآن, الضرع الرئيسي في أوقات الحرب أو الأبطال العائدون الذين يرميهم النظام على قارعة الطريق بعد عودتهم إلى أوطانهم, أولئك الذين يتعرضون للاستغلال برضاهم عبر أفكار القومية الخادعة أو المصلحة القومية – أو تم تجريدها من الفرص نتيجة المعاناة التي فرضتها عليهم قبضة الرأسمالية الحديدية.

يتم الاحتفاء بتجميع الثروات من خلال نظام يشفط هذه الثروات من الأسفل إلى الأعلى عبر تراكم مبني على الإفقار بصفته نمواً, و ازدهاراً, وحرية اختيار, على الرغم من الدلائل الدامغة التي تشير, من اليونان إلى إسبانيا, إلى أن الواقع بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة يتمثل في الفقر المتنامي, والبؤس, واستلاب حرية الاختيار.

لكنك لن تعرف شيئاً عن ذلك كله إن كنت تعتمد على الإعلام الرسمي في الحصول على المعلومات. من المؤكد أنهم قالوا لك أن تشد الأحزمة لأننا كلنا نعاني من نفس المشكلة وعلينا أن نضحي في هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة.

وعندما ترمي البلد (أي بلد) مواطنيها كقطع الخردة لأنهم زائدون عن الحاجة ولأن ما تقدمه الدول الأجنبية الأخرى قد ألغى وظائفهم, علينا بكل بساطة أن نهاجمَ مالي وسوريا وليبيا وإيران (واللائحة تطول) لأن السكوت عن هذه الدول سيمكن هؤلاء الأشرار من السيطرة على العالم. وإلا أين سنكون دون هذه الأفكار المستنيرة؟ هذا ليس نهباً للموارد. إنه عمل إنساني.

في الحقيقة, سنكون حيث نحن الآن تماماً لأن الأشرار مسيطرون سلفاً ويشنون الحرب ليس فقط على الدول التي أتينا على ذكرها الآن, ولكن أيضاً على شعوب بلدانهم بواسطة المراقبة ونظام العقوبات والتجسس وفيض من التشريعات التي تساهم في تجريد الناس من الحريات المدنية. لقد انتهت اللعبة, فالاقتصاد الغربي المهيمن انهار إلى غير رجعة. ولن تنقذها الإمبريالية أو العسكرة, لكن التمرد لن يكون مسموحاً.

وبينما يقوم المصرفيون الخاصون بإيقاعنا كلنا في المصيدة عبر الرخصة التي يمتلكونها في طباعة وإقراض العملات للحكومات القومية ومن ثم إقراضها الفوائد التي تخرج عن إمكانياتها بحيث لا يتم دفعها أبداً, فهم قادرون أيضاً على شراء الأصول القومية بأسعار زهيدة من البلدان التي عملوا على إفلاسها في المقام الأول. ولا يطلق على هذا اسم الابتزاز, بل التقشف.

"والآن يريدون ضمانكم الاجتماعي. يريدون رواتبكم التقاعدية. يريدون استردادها لكي يعطوها لأصدقائهم المجرمين في ‘وول ستريت’. وهل تعرفون شيئاً؟ سوف يحصلون عليها. سيحصلون عليها آجلاً أم عاجلاً لأنهم يملكون هذا المكان," كما قال جورج كارلن, وهو كاتب وناقد وكوميدي.

وأين هو الإعلام الرسمي من هذا كله؟ أين هم أولئك الصحفيون الذين يدعون الاحترام عبر مهنيتهم الصارمة, و مسؤوليتهم, و موضوعيتهم؟ فإذا كان بمقدورك أن تطلق اسم المهنية و المسؤولية والموضوعية على الانصياع وعدم الرغبة في إزعاج المصالح الإعلانية والجهات الرسمية و"اللوبيات" أو مراكز الأبحاث التابعة للشركات, فإن هؤلاء هم دعاة الفضيلة المطلقة!

لقد خدعوا الشعب, ولا زالوا يخدعونه, من خلال أكاذيبهم التي يتقاضون رواتبَ عالية لقاءها. ومن خلال تسليط أضواء "تحقيقاتهم" الخافتة على "الإجراءات البرلمانية" والشخصيات البارزة ومباركة السياسات وألاعيب السياسة الحزبية بشكل أعمى, فهم يساعدون في الحفاظ على الوضع الراهن والتعتيم على المصالح الذاتية الموحدة التي تمكن شركات مثل "بيغ أويل" و "بيغ بانكينغ" و "بيغ فارما" و "بيغ آغرا" من استنزافنا حتى الموت.

إن مجرد التفكير في الطريقة التي نقلت بها "بي بي سي" قصفَ الناتو لليبيا يقدم رؤية كاشفة للإعلام الرسمي. فقد كانت التغطية أحادية الجانب بشكل يدعو إلى العار. هل على الشعب أن يدفعَ لمذيع يعمل في "منشأة خدمية عامة" لكي يخدعه ويضمن تواطأنا مع السياسات غير القانونية لدولة مرتبطة بالشركات؟ لم يكن هناك أي تحليل لانحراف "المهمة", أو لمصدر حصول المتمردين على السلاح على الرغم من فرض الأمم المتحدة حظر استيراد الأسلحة. هذا, ناهيك عن حق الناتو الأخلاقي في تأمين معبر إلى طرابلس عبر القصف. كما لم يتم الحديث عما قال البروفسور في جامعة جوهانسبرغ كريس لاندسبرغ إنه خرق من قبل الناتو للقانون الدولي, أو عن اﻠ 200 شخصية إفريقية بارزة التي اتهمت البلدان الغربية بانتهاك القانون الدولي.

ولكن من جهة أخرى, فإن ما نحصل عليه من خدمات عبر الإعلام الرسمي في كل مرة تقرر بريطانيا شن الحرب هو صحن لذيذ من العواطف الوطنية والعقلية الكولونيالية القديمة المتمثلة في فكرة أن "أبناءنا" ذاهبون إلى "هناك" بهدف تحضير البرابرة.

لكن هذا هو دور الإعلام: المساعدة على تعزيز وإعادة إنتاج الشروط المادية لنظام اجتماعي استغلالي وتقسيمي بشكل يومي. ويسمى ذلك بالإعلام المتواطىء الهزيل. إنها الديمقراطية الليبرالية. وهذا ليس دور الإعلام فقط, بل النظام التربوي والنظام السياسي أيضاً.

ولهذانُصِحَ رئيس الوزراء البريطاني السابق, منذ عدة سنوات, من قبل أسياده الماليين بأن يبيعَ ما اعتُبِرَ بشكل ساخر بمثابة "ذهب البلاد" مقابل سعر زهيد نيابة عن مصالح المصرفيين (وليس مصالح البلاد) دون أن يتحمل أية مسؤولية أمام الشعب. ويقول البعض إن ذلك كان الهروب الأول من المأزق. ولهذا يتم استخدام أموال دافعي الضرائب, دون معرفتهم, بشكل غير ديمقراطي وبلا أية محاسبة لتدعيم المصارف وتدمير العديد من البلدان وجلب الموت والدمار للآلاف من البشر عبر "العمليات السرية". سرية: أي خفية عن الشعب الذي يرتع في نعمة الجهل حول وجهة دولاراته وباونداته ويوروهاته التي يحصل عليها بشق النفس.

لهذا السبب استطاع النصابون والقتلة والكذابون في الدولة والشركات الذين يغلفون أنفسهم بلغة الحرية والديمقراطية النجاة بجرائمهم. ومن المحزن أنهم مستمرون في ذلك.

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 18 كانون الثاني/يناير 2013)

الجمل: قسم الترجمة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...